تعا تفرج
تكفير وتخوين على الأصلي
خطيب بدلة
كانت حياتنا نحن السوريين، قبل أيام “السوشيال ميديا”، أسهل مما هي عليه الآن، بكثير. كنا نعيش “على الهَبَنّي”، أي دون اكتراث، إذا مات شخص ما، نقول، بنية سليمة، الله يرحمه، دون أن نعرف، أو نسأل إن كان مسيحيًا، أو يهوديًا، أو مسلمًا سنيًا، أو شيعيًا، أو حتى ملحدًا، ثم نتابع حياتنا، كأن شيئًا لم يكن.
كنا نصف الشخص الذي لا يترحم على ميت، قبل أن يدقق في انتمائه الديني أو المذهبي، بأنه ذو معلاق كبير، ونقول له: يا أخي، الله غير منتظر إشارة من حضرتك ليرحم فلانًا، أو يؤاخذ علانًا ويحرقه بالنار، ومع ذلك، لم يكن أبو المعلاق الكبير هذا، أو غيره، يستطيع أن يعرف الرأي الفقهي المناسب لهذه الحالة بسهولة، فالأمر يتطلب منه أن يذهب إلى مكتبة المركز الثقافي، ويبحبش ساعتين، أو ثلاثًا، في كتب الفقه والسنة، وقد يصل إلى نتيجة، وقد لا يصل، فيضطر لأن يتصل بالشيخ ثابت كيالي، مفتي إدلب، ويسأله الرأي، أو يتصل، كما درجت العادة، بالشيخ نافع شامية، وهذا الأخير، كما يروون عنه، شيخ معتدل، وينظم الشعر، وصاحب نكتة بارعة. كان عنده مدرسة خاصة أسماها مدرسة “الفتح الأهلية”، ولكنها اشتهرت بمدرسة “الشيخ نافع”، ويروي، في مجالسه الخاصة نكتة تقول إن إدلبيًا سأل جاره: أين حطيت ابنك؟ فرد عليه: في الشيخ نافع!
ومن أجمل ما سمعت، أيضًا، أن اثنين من كبار المقامرين الشرسين كانا يلعبان بطاولة الزهر، في مقهى “الريحاني”، عن مبلغ كبير، وحدف أحدُهما النرد، فوقف حائرًا بين “الدرت” (الأربعة) و”البيش” (الخمسة)، فاختلفا، وبعد مشادة كلامية حامية، اتفقا على تحكيم نادل المقهى، والقبول برأيه، فناديا عليه، وسألاه، والنادل، بدوره، خاف، وفكر أنه إذا قال “درت”، سيأكل قتلة من المقامر الأول، وإذا قال “بيش”، سيمسح به المقامر الثاني الأرض، فقال لهما: اتركا كل شيء مكانه ريثما أتصل أنا بالشيخ نافع!
الآن، وبفضل الإنترنت العظيم، و”السوشيال ميديا” الجبارة، ما عاد الشخص التكفيري مضطرًا لأن يقرأ، أو يبحبش، أو يتصل بأي شيخ أو مفتٍ، فبسهولة نادرة، يدخل إلى “فيسبوك”، ويكتب: من قال لمسيحي كل عام وأنتم بخير كفر، ومن ترحم على شيعي كفر، حتى إن “المجلس الإسلامي السوري” أقر بأن من هرب من بلاده ذات البراميل، والمجاعة، وتنظيم “القاعدة”، فقد أثم، ومن كثرة ما قرأ الإنسان المسلم من فتاوى، صار يخاف أن يقول شخص مختص أو غير مختص، إن من قال لا إله إلا الله فقد كفر، ومن يستغفر ربه إذا أخطأ كفر.
الأخ الشقيق للتكفير، إن كنت لا تدري، هو التخوين: مَن يفاوض النظام، مَن يفكر بالعودة إلى داره الموجودة في إحدى المدن التي يسيطر عليها النظام، من يترحم على كاتب بقي في مناطق النظام، خائن، حتى إنني قرأت، قبل مدة، عن كاتب سوري كبير ينتمي إلى أقلية دينية، كان معارضًا، أنه، لو بقي على قيد الحياة، لكان من الخونة المؤيدين لنظام البراميل. فتأمل!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :