جريدة عنب بلدي – العدد 50 – الأحد – 3-2-2012
أحمد عثمان – الحراك السّلمي السّوري
ولا يزالون مختلفين
{وَلَوْ شَآءَ رَبّكَ لَجَعَلَ النّاسَ أُمّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاّ مَن رّحِمَ رَبّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ لأمْلأنّ جَهَنّمَ مِنَ الْجِنّةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ} (سورة هود، 118)
الاختلاف هو الوضع الطبيعي للبشر بحكم اختلاف النشأة والظروف وطرق التفكير وغير ذلك من العوامل التي تتداخل في تكوين القرارات الفكرية، لذلك إذا أخذنا في اعتبارنا هذا الوضع الطبيعي للبشر فسيقل ارتكاسنا السلبي تجاه المختلفين معنا، وسنتعامل مع الاختلاف باعتباره ظاهرة طبيعية لا تحمل أية دلالة سلبية ضدنا.
معظم الناس يساهمون في الحفاظ على حالة الاختلاف هذه من خلال انحيازهم لرأيهم وعدم تنازلهم عنه وشدة عنادهم، وبالتالي يصبح احتمال التلاقي في ظل هذه الذهنية نادرًا، فئة واحدة تساهم في خرق حالة الاختلاف هذه، الفئة التي لا تصر على رأيها عنادًا، المستثنون المرحومون برحمة الله هم من يعدَلون معادلة حالة الاختلاف المستديمة.
الخروج من حالة الاختلاف يقتضي خطين شديدي الترابط تمارسه هذه الفئة التي استحقت رحمة الله..
الخط الأول والأساسي هو القدرة على العودة عن الخطأ والاعتراف به، وهو أمر يحتاج دقة في التعامل مع النفس والفكر، واستخراج ما هو شخصي من الأفكار، وعزلها ودراستها بحيادية، والتعامل بنفس التجرد مع الفكر الآخر بغض النظر عن صاحبه.
الخط الثاني هو التعامل بالأسلوب القرآني مع الفكر المقابل. الآيات تركز وبشكل متكرر على القول الحسن وعدم الوقوع في السخرية والاستفزاز، والقبول بفرضية احتمال أن أكون المخطئ عند ممارسة هذه الأساليب القرآنية مع الآخر، فإن ردود الفعل الشخصية تقل عند الطرفين مما يخدم ثقافة اللا اختلاف.
الأسلوب والجوهر متلازمان ويهيئ كل منهما للآخر، فمثلا من يمارس السخرية من الآخر قد بنى مسبقا بينه وبين هذا الرأي حاجزًا لا يمكن هدمه وسيلتف عليه حتى لو علم صحته، بينما لو تعاملنا بالقول الحسن، فلن نجد غضاضة في اتباعه إن تبين لنا صحته.