عنب بلدي – محمد فنصة
لا تخفى على أحد شائعات احتجاز رؤوس عائلة قاطرجي، والتحفظ على شركاتهم في الأشهر الماضية، في توقع مصير مشابه لرامي مخلوف، لكن خلال الآونة الأخيرة، ظهرت شركات جديدة للعائلة، وتمدد دورها في القطاع النفطي داخل البلاد.
وسائل إعلامية معارضة، تناقلت خبر اعتقال حسام قاطرجي من قبل مخابرات النظام السوري خلال آب وأيلول 2022، وقالت إنه “يقبع في أحد المعتقلات الأمنية”، بالإضافة إلى “تعليق أعماله وتجميد حساباته كافة”، حتى “انتهاء” التحقيق معه بتهم غير معروفة.
بالمقابل، في نهاية أيلول 2022، انتشرت في الصفحات المحلية على “فيس بوك” إحدى الصور لعضو مجلس الشعب حسام قاطرجي، قيل إنها حديثة، كما لم تعلن أي من شركات العائلة توقفها بشكل رسمي، وخصوصًا تجارة نقل النفط من شمال شرقي سوريا، حيث استمرت الصهاريج في عملها بشكل اعتيادي.
ومما أكد تمدد نفوذ العائلة وتعزيز حضورها على مستوى اقتصاد البلاد، إصدار وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة النظام، في كانون الأول 2022، قرارًا يقضي بالسماح لشركة “B.S” المملوكة للعائلة، ببيع المحروقات للفعاليات الاقتصادية من مادتي المازوت والبنزين، بسعر 5400 ليرة سورية لليتر الواحد من مادة المازوت، و4900 ليرة لليتر الواحد من مادة البنزين.
وحصلت عائلة قاطرجي على ترخيص افتتاح شركة أسمنت “آفاق” في حلب، وفق ما نشرته الجريدة الرسمية خلال كانون الأول 2022، واستحوذت شركة “قاطرجي للتجارة والنقل” على مشروع حكومي لنقل الركاب والمجموعات السياحية والبضائع والحاويات والمواشي.
اعتماد من القصر الجمهوري
اعتمد النظام السوري، خلال السنوات الماضية بعد بدء الصراع، على أسماء ظهرت “فجأة” في عالم الاقتصاد، ولا تملك تاريخًا في العمل الاقتصادي أو المالي، وتبوأت مراكز وأنشطة اقتصادية تعد تاريخيًا من مجالات نشاط عائلة الأسد، بحسب دراسة لمركز “حرمون”، نهاية أيار 2022.
وكان رامي مخلوف ابن خال رئيس النظام السوري، بشار الأسد، يدير نشاطات العائلة، باعتباره شريكًا وخازنًا لأعمالها، وأدت التبدلات الموازية في اقتصاد الحرب والعقوبات الخارجية إلى ظهور أثرياء الحرب الجدد، مع بقايا النخب القديمة الفاعلة في البلاد، لتشكيل “واجهات” للعائلة، وفق الدراسة.
الباحث السوري بمجال الإدارة المحلية والاقتصاد السياسي في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” أيمن الدسوقي، قال لعنب بلدي، إن نشاط عائلة قاطرجي وتمددها هو عكس الشائعات التي انتشرت قبل فترة، عبر حصولها على امتيازات وتأسيسها شركات جديدة.
وفسّر الباحث الشائعات بالتنافس بين أمراء الحرب، بما يمثّلونه من تحالفات وامتدادات مع مراكز قوى داخل النظام السوري.
وأضاف الدسوقي أن قدرة قاطرجي على التمدد في الاقتصاد السوري، منبعها بالأساس “اعتماده من قبل القصر الجمهوري” بناء على تزكية أمنية لولائه، ونجاحه في استغلال شبكة علاقاته المجتمعية والعابرة لمناطق النفوذ بسوريا، للعب دور الوسيط نيابة عن النظام من أجل عقد صفقات مع خصوم الأخير ومنافسيه، لتوفير مواد وسلع أساسية يحتاج إليها.
وتصدّر اسم آل قاطرجي قائمة “حيتان المال” خلال سنوات الحرب الأخيرة في سوريا، بعد تعاملات سرية مع تنظيم “الدولة الإسلامية” من جهة، و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) من جهة أخرى، لمصلحة النظام السوري.
وفي عام 2016، اشترت عائلة قاطرجي مخزون صوامع الحبوب في دير الزور من تنظيم “الدولة”، وعملت فيما بعد على شراء المحصول من المزارعين عبر تجار تابعين لها، بعدما أبرمت اتفاقًا مع التنظيم، شمل نقل النفط إلى مناطق النظام، وتوريد بعض السلع والأغذية إلى مناطق التنظيم بواسطة شركة “قاطرجي للنقل”، وفق تقرير لوكالة “رويترز” عام 2017.
وأثار كشف صحيفة “وول ستريت جورنال”، في شباط 2019، توريد “قسد” النفط إلى النظام، تساؤلات حول جدّية واشنطن في ممارسة ضغوط اقتصادية على دمشق، حيث نقلت الصحيفة معلومات استخباراتية تؤكد أن “قسد” تسلّم النفط إلى مجموعة شركات “قاطرجي” التي يملكها رجل الأعمال محمد قاطرجي، الذي يسلّمه بدوره إلى النظام.
من توريد النفط إلى بيع مشتقاته
بدأ صعود عائلة قاطرجي بعد انكفاء مالك شركة “هيسكو” لإنتاج الغاز الطبيعي، جورج حسواني، عقب العقوبات الأوروبية التي فُرضت عليه، ليتراجع بصمت مفسحًا المجال لحسام قاطرجي وإخوته، ليستولوا على قطاع نقل النفط من مناطق تنظيم “الدولة” سابقًا، و”قسد” حاليًا، بحسب دراسة “حرمون”.
وتطور نفوذ العائلة على القطاع، عبر تشكيلها ميليشيا أسهمت في القتال مع قوات النظام، لكن هدفها الأساسي كان حماية قوافلها التجارية، ثم في عام 2018، أسس الإخوة قاطرجي (حسام، محمد براء، أحمد بشير) شركة “أرفادا” البترولية، التي استحوذت على 80% من شركتين لتكرير النفط أُسستا في 2020.
ومؤخرًا، أُعلن عن شركة “بي إس للخدمات النفطية”، مقرها في لبنان، وهي تابعة لـ”مجموعة قاطرجي الدولية”، حيث سُمح لمحطات المحروقات التابعة للشركة باستيراد النفط الخام وتكريره في مصفاتي “بانياس” و”حمص”، مقابل أجور مالية تُدفع للحكومة، ومُنحت مقابل ذلك الحق ببيع المشتقات النفطية الناجمة عن التكرير في السوق المحلية أو تصديرها.
الباحث في الاقتصاد السياسي أيمن الدسوقي قال، إن لقاطرجي استثمارات عدة تشمل قطاعات الإنشاء والسياحة والصناعة والصناعات الاستخراجية، ويبدو أن أزمة المحروقات الأخيرة سواء كانت “مفتعلة أو حقيقية”، شكّلت “رافعة” لتمدد العائلة في قطاع توريد المحروقات، وتعزيز حضورها تدريجيًا على حساب القطاع الحكومي.
وعن مستقبل علاقة العائلة مع النظام، نوّه الدسوقي إلى أن هذا التمدد قد يخلق “مساحات احتكاك” سلبية وتنافسًا بين قاطرجي ورجال أعمال آخرين، لكن طالما أن العائلة ثابتة في ولائها للنظام، وتعمل وفق ما هو مقرر لها من القصر الجمهوري، وقادرة على لعب الأدوار المحددة لها، سيكون منافسوها غير قادرين على تهديد مركزها، واعتمادها من قبل النظام سيبقى قائمًا.
نفوذ سياسي
برز الدور السياسي لعائلة قاطرجي مبكرًا، إذ حصل حسام قاطرجي على عضوية مجلس الشعب عن قطاع العمال والفلاحين منذ عام 2016، واستمر أيضًا دورة عام 2020، فيما سُجّل اسم أخيه براء ضمن أعضاء مجموعة النظام في “اللجنة الدستورية”.
وشهدت غرفة تجارة حلب، مثل غرفة دمشق، “تغييرًا كبيرًا” في انتخابات عامي 2014 و2020، إذ لم يَعُد مجلس إدارة الغرفة الجديد يضم أيًّا من أعضاء المجلس السابق، ومن بين الأعضاء الجدد فضل قاطرجي، الأخ الأصغر لحسام وبراء.
وتعد المناصب السياسية مهمة للعائلة، إذ تمنحهم الفرصة لـ”استعراض قوتها ونفوذها محليًا ووطنيًا”، ومن خلالها يمكن للعائلة “الدفاع عن مصالحها والتحصّل على امتيازات اقتصادية”، إلى جانب توظيف هذه المناصب في بناء “شبكة من المحسوبيات” لدعم أعمال العائلة، وفق الباحث في مركز “عمران” أيمن الدسوقي.
من يدير نشاط العائلة؟
حسام أحمد رشدي قاطرجي، المولود في الرقة عام 1982 لعائلة ترجع أصولها إلى مدينة الباب التابعة لمحافظة حلب، ويشغل حاليًا رئيس مجلس إدارة “مجموعة قاطرجي الدولية”، التي تضم عديدًا من الشركات المتخصصة في مجالات مختلفة، وفق تقرير لمنظمة “مع العدالة” صدر في 2020.
ويقطن حسام في مدينة دمشق، ويعتبر من أكثر رجال الأعمال المؤيدين للنظام، ويستخدم أقرباءه كواجهات تجارية للعمل ضمن شركاته الفرعية العائدة له ولأشقائه محمد براء ومحمد آغا قاطرجي.
ويتولى حسام قاطرجي الظهور إعلاميًا، وإدارة “مجموعة قاطرجي الدولية” على الملأ، بينما يدير محمد براء قاطرجي الأمور “بشكل خفي” لمصلحة النظام السوري، بحسب التقرير.