عنب بلدي – حسام المحمود
يتصاعد الإقبال على إجراء عمليات التجميل في مناطق سيطرة النظام السوري مؤخرًا، بشهادة مهتمين وعاملين في الحقل الطبي، رغم الحالة الاقتصادية المتردية في تلك المناطق.
هذا الإقبال منوط بتعميم معايير محددة للجمال، عبر محتوى وسائل التواصل الاجتماعي من جهة، إلى جانب التأثر بمشاهير خضعوا أو يخضعون لعمليات من هذا النوع، مع النظر أيضًا إلى أسباب ترتبط بالحاجة الطبية، أو الحالة النفسية.
مريم (26 عامًا)، شابة مقيمة في مناطق سيطرة النظام، وتعمل في مجال التسويق، خضعت لعملية تجميل للأنف لسبب صحي، فهي مصابة بانحراف الوتيرة وتستنشق الهواء بصعوبة.
أوضحت الشابة لعنب بلدي، أن الدافع وراء إجرائها العملية في مستشفى “الرازي” كان معاناتها في التنفس، لافتة في الوقت نفسه إلى أن تكلفة العملية بلغت مليونًا و100 ألف ليرة سورية، ما اعتبرته مبلغًا منطقيًا، قبل نحو نصف عام (كان سعر صرف الدولار قريبًا من 4000 ليرة حينها).
وإلى جانب ذلك، تبدي أيضًا ليالي (29 عامًا)، عدم اعتراضها على عمليات التجميل، مشيرة إلى أنها لم تخضع لهذا النوع من العمليات من قبل، لكنها لا تستبعدها ربما بعد سن الـ40 أو الـ40، وفق قولها.
“الإنسان بالمجمل يكره مظاهر الكبر والتقدم في السن، ويحب أن يبقى بشكله الشاب الذي اعتاده”، أضافت ليالي.
لا تبدي الشابة تخوفًا من أسعار الجراحات التجميلية على اعتبارها “كمالية” وفق وصفها، ما يعني أن السعر لن يشكّل فارقًا لدى المهتم، لكن ما يهم فعلًا هو تجهيز مكان العملية بكادر طبي متكامل وتجهيزات متطورة تخدم الحالة.
وبالنسبة للمخاوف، أكدت سوسن (29 عامًا)، وهي طالبة دراسات عليا، أنها لم تشعر بالخوف عند إجرائها عملية تجميل لأنفها قبل نحو عام، مدفوعة بشعورها بحالة عدم تناسق في شكلها ووجهها تحديدًا.
كما أشارت لعنب بلدي إلى احتمالية أن تعيد التجربة، إذا شعرت أنها ستنعكس إيجابًا على نفسيتها.
بلغت تكلفة العملية حين أجرتها قبل نحو عام مليونًا ونصف مليون ليرة سورية، حين كان سعر صرف الدولار الأمريكي قريبًا من ثلاثة آلاف ليرة سورية.
وفي 17 من أيار 2022، بيّن الاختصاصي في جراحة تجميل الأنف، وعميد كلية الطب البشري، نبوغ العوا، أن عمليات التجميل انتشرت في سوريا بكثرة منذ “بداية الحرب”، موضحًا خلال حديث إلى إذاعة “شام إف إم” المحلية، أن هناك تشويهًا للجمال في المجتمع السوري، وأن العمليات من هذا النوع تجري بشكل مبالغ به، ولا سيما مع لجوء الناس للأطباء الأقل تكلفة ممن يستخدمون مواد أقل جودة ولا يملكون خبرة كافية، ما يسبب تشوهات في بعض الأحيان.
من “كمالية” إلى “شبه أساسية”
قتيبة، طبيب يعمل في مجال جراحة وتجميل الفم والأسنان في سوريا، أوضح لعنب بلدي أن الإقبال الكبير جدًا على عمليات التجميل في سوريا حوّل المسألة من “كمالية” إلى “شبه أساسية”.
وقال الطبيب، إن الفتيات بأعمار صغيرة نوعًا ما، يتابعن وسائل التواصل الاجتماعي ويتأثرن بالفنانين، وبصديقاتهن، وبالأثرياء، فيعزز ذلك رغبتهن بإجراء جراحة تجميلية.
وحول الأسعار التي تُدفع على شرف الجمال المأجور، ذكر الطبيب قتيبة أنها قد تكون قليلة، بجودة منخفضة، وبأخطاء كثيرة، لكن هناك أيضًا مراكز مرتفعة الأسعار تقوم بعملها بشكل احترافي، وتقدّم نتائج مُرضية ومضمونة.
إلى جانب ذلك، لفت الطبيب إلى “استباحة” المهنة من قبل غير متخصصين يجرون عمليات من هذا النوع، بصرف النظر عن الأخطار المترتبة على ذلك.
“الكل يشتغل في (البوتوكس) و(الفيلر) حتى الكوافيرات، رغم غياب التخصص والشهادة، وهو أمر منتشر، وهناك أطباء بلا مؤهلات علمية أو خبرة عملية يقدمون هذا النوع من الخدمات بحكم الطلب المتزايد، ما يرفع احتمالية وقوع أخطاء طبية”.
وفي السياق نفسه، أكد الطبيب أن من يريد نتيجة مُرضية مضطر لدفع الكثير، قياسًا بالوضع المعيشي ومستوى الأجور.
الحديث عن وجود غير متخصصين بالمهنة ليس جديدًا، طالما أن وعودًا عمرها أشهر تدور حول تنظيم القطاع.
في 21 من حزيران 2022، كشف نقيب الأطباء، غسان فندي، أن مسألة تنظيم مهنة التجميل قيد الدراسة في وزارة الصحة ولدى الجهات المعنية، بحيث يمارس كل طبيب التجميل وفق اختصاصه.
وذكر فندي لصحيفة “الوطن” المحلية، أنه جرى تفويض مديرية الصحة في محافظة دمشق، بإجراء جولات على مراكز التجميل والتأكد من تراخيصها بشكل دوري.
هذه التصريحات سبقها إعلان وزارة الداخلية في حكومة النظام، القبض على فتاة ادعت أنها طبيبة وتدير مركز تجميل يجري عمليات زراعة شعر وغيرها من العمليات التجميلية.
وعلى نطاق ضيق، جرى مؤخرًا تداول قرار داخلي موقّع من وزير الصحة، حسن الغباش، موجه لمكاتب الوزير ومعاونيه ومديريات الصحة، ومديرية المنشآت الصحية، ومديرية الشؤون القانونية.
وحدد القرار الجهات التي يمكنها إجراء “فيلر، بوتوكس، خيوط الشد” بمختصي الجراحة التجميلية والأمراض الجلدية، وأمراض الأذن والأنف والحنجرة وجراحاتها، وأمراض العين وجراحاتها (حصرًا على ملحقات العين وهي الأجفان والحواجب)، وجراحة الفم والوجه والفكين، على أن ينحصر عمل طبيب الأسنان العام داخل الفم فقط.
للطبيب حصة
غفران ممرضة في أحد المستشفيات العامة بمناطق سيطرة النظام، أوضحت لعنب بلدي أن العمليات التجميلية المرتبطة بالتشوهات بعد الحوادث أو التشوهات الخلقية يجريها المرضى في مستشفيات الدولة لعدم توفرها في المستشفيات الخاصة والمراكز التجميلية، وبسبب غلاء تكاليفها أيضًا.
وللحصول على خدمات جيدة يمكن الدخول للقسم الخاص، وهو قسم مأجور في المستشفيات العامة، بأسعار أقل مقارنة بالمستشفيات الخاصة، موضحة أن بعض أطباء التجميل يجرون العملية في مستشفى الدولة ضمن القسم الخاص، لكنهم يتقاضون أتعابهم أيضًا على العملية.
“الجراحة التجميلية كالشد والنفخ منتشرة أكثر في العيادات الخاصة، وبمبالغ كبيرة”، قالت غفران، مضيفة أن هناك مجموعة أطباء ماهرين يأتيهم المرضى من خارج سوريا لانخفاض الأسعار مقارنة ببلدانهم، لكن، ومقارنة بالأعوام القليلة الماضية، فإن “الأسعار في سوريا ذات منحى تصاعدي أيضًا، مع نتيجة مُرضية”، حسب الممرضة غفران.
مشكلة نفسية؟
الطبيب النفسي طارق الموسى أوضح لعنب بلدي أن بعض اضطرابات الشخصية هي التي تدفع أحيانًا باتجاه الشعور بالنقص في أماكن معيّنة، بمعنى أن الأشخاص يمكن أن يشعروا بالنقص لسبب ما، وقد يكون هذا النقص موجودًا فعلًا.
هذه العوامل تدفع الأشخاص، بغض النظر ذكورًا كانوا أم إناثًا، نحو التفكير بإجراء عملية تجميل، والبعض يجري العملية فعلًا.
وبحسب الطبيب، فلا ارتباط بين ظروف الشخص المادية مثلًا ومشاعره وأفكاره حيال نفسه، فحتى لو كان الشخص على دراية أن السلوك هنا غير مبرر، فالمسألة تنبع من مشاعر قهرية، مثل قضم الأظافر، فالشخص ربما يعرف أن سلوكه غير مقبول اجتماعيًا، وربما تزعجه رؤية هذا السلوك في الآخرين، لكنه بشكل لا إرادي وقهري يقوم بهذه الممارسات.
“الأشخاص يكوّنون تعريفهم للجمال من ثقافة مجتمعاتهم والبيئات التي نشؤوا فيها، مثل نظام الأكل وعادات اللباس، التي تختلف ليس فقط من بلد لآخر، بل وبين مدن البلد الواحد، وبين الريف والمدينة، رغم وجود بعض المعايير العالمية لقضايا من هذا النوع”، أضاف الموسى.
كما بيّن أن هناك ما هو جمعي، وهناك معايير عالمية للجمال، يسعى كثيرون لتطبيقها، لكن في الوقت نفسه، هناك من لا يلتزم بهذه المعايير ولا يعيرها انتباهًا، والمجتمع يلعب دورًا في شعور الإنسان تجاه نفسه، فهناك مجتمعات تعلي شأن لون البشرة أو العيون في مسألة الجمال، بينما تركّز مجتمعات أخرى على اللباس مثلًا، أو المقاسات النموذجية لأعضاء الجسم وتناسقها أو عدمه.