حملت زيارة وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، إلى سوريا ولقاؤه رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في 4 من كانون الثاني الحالي، عديدًا من علامات الاستفهام حول توقيت الزيارة وأسبابها.
ورغم أن زيارة ابن زايد هي الثانية خلال الثورة السورية، بعد أخرى سابقة في 9 من تشرين الثاني 2021، فإن ما يختلف هو المعطيات والسياقات الزمنية بين الزيارتين.
الزيارة الأولى جاءت بعد نحو ثلاث سنوات من إعادة افتتاح سفارة أبو ظبي في دمشق، إثر إغلاق استمر لنحو ست سنوات، على خلفية الموقف الخليجي (لا يشمل سلطنة عمان) من الاحتجاجات المناهضة للأسد 2011.
كما شكّلت الزيارة الأولى تمهيدًا لتفعيل نشاط اقتصادي وخدمي داعم للنظام واقتصاده وصولًا إلى البنى التحتية.
وتأتي الزيارة الثانية في حين تراقب المنطقة تطورات التقارب التركي- السوري، خاصة أنها تأتي بعد تكهنات حول مكان اللقاء المرتقب بين وزراء الخارجية التركي والروسي والسوري، إثر تصريحات وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، في 31 من كانون الأول 2022، حول احتمالية عقد اللقاء في روسيا أو دولة ثالثة.
اتصال مع تركيا
وسبق الزيارة بيوم واحد فقط اتصال هاتفي بين وزير الخارجية التركي ونظيره الإماراتي، جرى خلاله مناقشة المخاوف المشتركة بشأن حظر حركة “طالبان” تعليم الفتيات في أفغانستان، وإدانة اقتحام وزير الأمن الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، المسجد الأقصى، وفق ما نقلته وكالة “الأناضول” التركية.
الكاتب الإماراتي والأستاذ في العلوم السياسية عبد الخالق عبد الله، وتعليقًا على الزيارة، قال إن بلاده وقفت مع الشعب السوري في ثورته ضد “بطش النظام السوري”، وقدمت للمعارضة كل أنواع الدعم، وهي اليوم تسعى لمساعدة الشعب السوري لاستعادة عافيته واستقراره وعودته إلى وطنه، وفق قوله.
وقفت #الامارات مع الشعب السوري في ثورته ضد بطش النظام السوري وقدمت للمعارضة كل انواع الدعم وهي اليوم في مقدمة دول تسعى لمساعدة الشعب السوري لاستعادة عافيته واستقراره وعودته لوطنه. هذا البعد الانساني الداعم للشعب السوري وليس اي بعد آخر هو اهم بند في زيارة وزير خارجيتها الى دمشق pic.twitter.com/4k6BTZPLXV
— Abdulkhaleq Abdulla (@Abdulkhaleq_UAE) January 5, 2023
كما اعتبر الكاتب، المقرّب من الطبقة الحاكمة في أبو ظبي، أن “هذا البعد الإنساني الداعم للشعب السوري، وليس أي بعد آخر، أهم بند في زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق”.
وكانت حكومة أبو ظبي دعمت الفصائل السورية المسلحة المعارضة، خاصة في المنطقة الجنوبية، إذ دعمت غرفة “موك” التي أُقيمت في الأردن بإشراف التحالف الدولي، قبل أن تتخذ مسارًا معاكسًا منذ نحو أربع سنوات، بدا جليًا أكثر في آذار 2020، باتصال الرئيس الإماراتي، محمد بن زايد (كان ولي عهد حينها)، لبحث انتشار فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، وفق ما أُعلن حينها.
انشغال داعمين
نشرت صحيفة “The Arab Weekly“، الخميس الماضي، تقريرًا حول الزيارة، تناول تعليق النظام السوري آماله على الدعم العربي في القطاع الاقتصادي المتعثر بمناطق سيطرته.
وركّزت الصحيفة على أن هذا الدعم أكثر أهمية في الوقت الذي يواجه فيه داعما النظام الرئيسان (روسيا وإيران) ضغوطًا غربية متزايدة.
وعلى مدار الأشهر القليلة الماضية، تصاعدت حدة الأوضاع الاقتصادية في سوريا، حاملة في جعبتها أزمة محروقات عرقلت عمل قطاعات ومؤسسات مختلفة، وشلّت حركة النقل بالمجمل، ليصرّح مصرف سوريا المركزي، في 10 من كانون الأول 2022، نافيًا ما تناقلته وسائل إعلام محلية ونسبته إلى وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، حول إفلاسه، وعدم قدرته على دفع الرواتب.
كما ارتفع سعر صرف الليرة السورية إلى مستوى الضعف تقريبًا، بتجاوزه حد سبعة آلاف ليرة سورية أمام الدولار الأمريكي الواحد، قبل أن تتحسن قيمتها على مدار الأيام الماضية لتبلغ 5950 ليرة أمام الدولار الواحد اليوم، السبت، وفق موقع “الليرة اليوم“، المتخصص بأسعار صرف العملات الأجنبية، بعدما كانت قيمتها قبل نحو عام فقط 3600 ليرة للدولار الواحد.
“تزيين نوافذ”
المبعوث السابق لوزارة الخارجية الأمريكية الخاص بالشؤون السورية، جويل ريبورن، لفت إلى حالة التراجع الاقتصادي المتزامنة مع زيارة الوزير الإماراتي، والمساعي لجمع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، والأسد، على طاولة واحدة.
وقال ريبون، عبر “تويتر“، إن نظام الأسد قدّم تسجيلًا مصوّرًا لامعًا لزيارة وزير الخارجية الإماراتي، ويفكّر أردوغان في مقابلة الأسد أيضًا، لكن الواقع في سوريا هو الانهيار التام لـ”اقتصاد الأسد ودولته”، وتزيين النوافذ لن يغيّر ذلك، وفق تعبيره.
الموقف الأمريكي من محاولات التأثير على “نبذ الأسد” ليس جديدًا، إذ نددت الخارجية الأمريكية بزيارة الأسد إلى الإمارات، في 18 من آذار 2022، واعتبرتها محاولة واضحة لإضفاء الشرعية على رئيس النظام السوري، وفق ما نقلته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، حينها، عن المتحدث باسم الخارجية، نيد برايس.
إعلام الطرفين
اكتفت وسائل الإعلام السورية، بما فيها وكالة الأنباء الرسمية، بنقل النص الذي نشرته “رئاسة الجمهورية” حول الزيارة، بحرفيّته، ومما جاء فيه أن الجانبين بحثا العلاقات المتميزة التي تجمع سوريا والإمارات، والتعاون القائم بينهما في عديد من المجالات، إلى جانب تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية لما فيه مصلحة البلدين والشعبين الشقيقين.
كما نشرت “رئاسة الجمهورية” تسجيلًا مصوّرًا مدته 40 ثانية لاستقبال الأسد ضيفه الإماراتي، بينما نشرت وكالة الأنباء الإماراتية (وام) تسجيلًا مشابهًا تعدّت مدته ثلاث دقائق.
#بشار_الأسد يستقبل #عبدالله_بن_زايد في #دمشق.. ويناقشان عدداً من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك ومنها تطورات الأوضاع في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط.#وام pic.twitter.com/zI2VqT6Xlc
— وكالة أنباء الإمارات (@wamnews) January 4, 2023
وذكرت أن وزير الخارجية الإماراتي أكد خلال لقائه الأسد التزام وحرص أبو ظبي على دعم الجهود المبذولة لإيجاد حل سياسي لـ”الأزمة السورية”، يعيد أمن واستقرار ووحدة سوريا، ويلبي تطلعات الشعب السوري في التنمية والتطور والرخاء، وفق الوكالة.
ما علاقة كوهين؟
سبقت زيارة الوزير الإماراتي إلى دمشق بأقل من أسبوعين، مناشدة صوفي بن دور، ابنة الجاسوس الإسرائيلي في سوريا إيلي كوهين، دولة الإمارات والسفير الإماراتي في إسرائيل، للتوسط لدى النظام السوري، بغية تسليمها رفات والدها الموجودة في سوريا، منذ إعدامه عام 1965، بعد اكتشاف تجسسه.
وخلال مقابلة مع قناة “i24NEWS” الإسرائيلية، في 26 من كانون الأول 2022، قالت صوفي، “آمل وأطلب من الإماراتيين الذين لديهم دور كبير في إسرائيل والمجتمع الدولي أن يساعدونا على الوساطة، والوصول إلى تفاهمات مع السوريين لإعادة جثمان والدي”.
دخل كوهين سوريا باسم “كامل ثابت أمين”، وسكن في حي السفارات بدمشق، ونسج شبكة علاقات مع النخبة السورية، تضاربت المعلومات التاريخية حول عمقها وأهميتها.
وفي نيسان 2021، وبالتزامن مع ذكرى إعدامه، كشفت ناديا كوهين، أرملة إيلي كوهين، في مقابلة مع “القناة 12” الإسرائيلية عن تفاصيل جديدة حول طبيعة مهمة زوجها في سوريا، لافتة إلى أن السوريين كشفوا أمره قبل شهر من اعتقاله، وكانوا يراقبونه “عن كثب”.
وفي كانون الأول 2022، كشف جهاز الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد)، لأول مرة، عن آخر برقية تلقاها من إيلي كوهين، قبل القبض عليه في يوم إرسال البرقية نفسه، في كانون الثاني 1965.
وجاء في نصّها، “لقاء في مبنى أركان الجيش السوري الساعة الخامسة مع أمين الحافظ (رئيس الجمهورية حينها) وكبار ضباط الجيش”.
وتحظى أبو ظبي بعلاقات قوية مع النظام السوري من جهة، ومع الإسرائيليين من جهة أخرى، فرغم حداثة تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل، في تموز 2021، تعد مرتفعة الزخم سياسيًا واقتصاديًا.
–