جدل واسع وانقسام في الآراء ووجهات النظر، أثاره ظهور القائد العام لـ”هيئة تحرير الشام” صاحبة النفوذ العسكري في إدلب، “أبو محمد الجولاني”، وحديثه مؤخرًا عن رفض المصالحة والتقارب بين تركيا والنظام السوري، منتقدًا المباحثات بينهما.
وتباينت الآراء بين من اعتبر ظهوره “تسلقًا على ظهر الثورة” و”شرعنة لوجوده”، وبين من رآه خطوة إيجابية تعبّر عن تطلعات الشارع، خاصة مع صمت مؤسسات المعارضة السورية الذي استمر لأسبوع، عقب لقاء ثلاثي جمع وزراء الدفاع التركي والروسي والسوري، في العاصمة الروسية موسكو.
رفض للمصالحة.. معركة “حق وباطل”
في 2 من كانون الثاني الحالي، رفض “الجولاني” المصالحة، وتوعّد بإسقاط النظام وبناء دمشق من جديد، معتبرًا المباحثات بين النظام السوري وحليفه الروسي وبين الجانب التركي، “انحرافًا خطيرًا يمس أهداف الثورة السورية”، وذلك خلال ظهوره في تسجيل مصوّر بعنوان “لن نصالح”، نشرته مؤسسة “أمجاد” الإعلامية التابعة لـ”الهيئة”.
وقال قائد “تحرير الشام”، إن المعركة ليست سياسية يتنازع فيها الناس على المناصب، وليست حربًا أهلية داخل البيت الواحد، وإنما معركة بين “الحق والباطل”، وإن النظام السوري قتل مئات آلاف الأبرياء، وهدم البلدات والمدن السورية، واستخدم الكيماوي، ونشر المخدرات، وجعل سوريا “مستنقعًا مدمرًا متهالكًا”.
وتوجه “الجولاني” إلى من وصفهم بـ”الشعب وأبناء الثورة الشرفاء”، وطالبهم بعدم الحزن، لافتًا إلى وجود “أبناء للثورة وقادتها وجندها” لحمايتها وخدمة أهلها، ودعا كل “مخلص غيور” لأن يبذل الجهد ويسعى بصدق لأن يضع يده في يد “هيئة تحرير الشام”، ويصطف إلى جانبها في مواجهة هذه التحديات، ومواصلة العهد حتى إسقاط النظام.
جدّد قائد “تحرير الشام” دعوته للتوحد ورص الصفوف حين ربط النصر بـ”اجتماع الكلمة عسكريًا واجتماعيًا ومؤسساتيًا”، وذلك خلال لقاء استمر ساعتين جمعه مع ناشطين في إدلب، بعد ساعات من كلمته المصوّرة التي استمرت أربع دقائق.
وذكر “الجولاني” أن للمعركة تكاليف، وأن “الهيئة” مستعدة لها، وعلى الجميع إعداد الناس لها، لافتًا إلى أنه لا بد من حسابات دقيقة، دون مماطلة وإضاعة للوقت، وأن القرارات الكبرى لن تؤخذ بناء على رد فعل، وفق توضيح وصل إلى عنب بلدي من المكتب الإعلامي لـ”تحرير الشام”.
لاعب على الأرض
لاقى حديث “الجولاني” تفاعلًا واسعًا وثناء من شرعيي “الهيئة” وإعلامها الرديف، خاصة مع جزئية الاستعداد للمعركة، وانتقادات من قيادات في فصائل أخرى اعتبرت حديثه لـ”الاستهلاك الإعلامي”، مع تذكير بمواقف سابقة هاجمت فيها “تحرير الشام” بعض الفصائل واشتبكت معها.
أبرز هذه الانتقادات تلك التي اعتبرت أن استعداد “تحرير الشام” للمعركة “كلام دون جدوى”، وأن العمليات العسكرية متوقفة منذ 2020، ومقتصرة على بعض الاستهدافات كنوع من الرد، وأن “تحرير الشام” أقصت العديد من الفصائل واشتبكت معها، ومواقع قوات النظام مستقرة.
وفي أحدث اشتباكاتها، توجهت “الهيئة” بأرتال عسكرية إلى ريف حلب، وتحالفت مع “فرقة الحمزة” (الحمزات) و”فرقة السلطان سليمان شاه” (العمشات) التابعتين لـ”الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، ضد “الفيلق الثالث” التابع لـ”الوطني” أيضًا، ونشب اقتتال استمر من 10 حتى 17 من تشرين الأول 2022.
الصحفي والباحث السياسي فراس علاوي اعتبر أن ظهور “الجولاني” هو ظهور سياسي بامتياز، وأن الأخير يقدّم أوراق اعتماده كعنصر ولاعب موجود على الأرض السورية، وبالتالي فهو يقدم أوراقه سياسيًا للمتفاوضين، سواء كانوا من الروس أو الأمريكيين أو الأتراك أو حتى النظام السوري.
وأوضح علاوي لعنب بلدي، أن قائد “تحرير الشام” يبحث عن حصة في كعكة السياسة السورية بظهوره “البراغماتي”، مستغلًا الموقف بصورة جيدة، وقدّم كلامًا بما يقبله الشارع السوري والأتراك أيضًا، وتحاول “الهيئة” تقديم نفسها كفصيل غير متشدد لديه رؤية سياسية لما يحصل.
ويستبعد الباحث السياسي أن تكون “تحرير الشام” قادرة على فتح معركة أو حتى الذهاب بعيدًا بعمل عسكري، وربما ستقوم بعمليات نوعية مع استبعاد حدوث هذا النوع من العمليات في الوقت الحالي.
لا صدام مع الأتراك
وعلى خلاف شرعيي “تحرير الشام”، لم يحمل حديث “الجولاني” أي تصعيد أو رفع في حدّة اللهجة تجاه السلطات التركية، واكتفى قائد “الهيئة” بتقديم تصوّراته باستحالة تنفيذ المسار السياسي المتعلق بالتقارب بين تركيا والنظام السوري، فهو منطقيًا سيضر بمن يريد إعادة تعويم رئيس النظام، بشار الأسد، بحسب “الجولاني”.
واعتبر “الجولاني” أن ذلك سيكون سببًا لتدفق ملايين الناس باتجاه تركيا وأوروبا، وفيما لو أراد أحد المصالحة مع النظام فلن ينجح، فـ”الأرض لأهلها والكلمة لهم، وقد أعددنا العدة”،بحسب قوله.
وسبق أن رد القيادي العسكري في “الهيئة”، ميسر بن علي الجبوري (الهراري)، المعروف بـ”أبو ماريا القحطاني”، عبر “تويتر“، على تصريحات وزير الخارجية التركي، التي تحدث فيها عن عدم اعتراض المعارضة السورية على الخطوات التركية، ووصف جاويش أوغلو من يتظاهرون ضد تركيا في الشمال السوري بأنهم فئة قليلة.
ووصف “القحطاني” تصريحات وزير الخارجية التركي بأن من يرفضون المصالحة هم قلة بأنها “وقاحة”، معتبرًا أن “المصالحة خيانة”، مضيفًا، “من لم يكترث لدمائنا لن يقرر مصيرنا، وليس بيننا وبين نظام (الكبتاجون) إلا القتال، فمن عجز عن نصرة أهل الشام والدفاع عنهم عليه ألا يكون عونًا لعدوهم عليهم”.
كما استنكر القيادي والشرعي في “تحرير الشام” مظهر الويس التصريحات التركية واللقاء مع النظام السوري قائلًا، “لعنة بشار ستلاحق كل من يقترب منه”، وأضاف أن “لعنة دماء أهل الشام ستمحق من يفرط فيها، والعاقبة لمن يقف في صف المظلومين المستضعفين ويناصرهم تمسكًا بمكارم الأخلاق”.
الصحفي والباحث السياسي فراس علاوي، يرى أن “الجولاني” لم يهاجم الأتراك بقوة، وإنما وضّح الصورة واستقطب الشارع، لافتًا إلى وجود ارتباط غير واضح المعالم بين تركيا و”هيئة تحرير الشام”، مستبعدًا حدوث صدام بينهما في حال استمرار المسار السياسي نحو التقارب، إذ سبق ونفذت “الهيئة” بعض الطلبات التركية، كإقصاء الأجنحة المتشددة داخلها، مرجحًا حدوث توافق فيما بينهما في مرحلة لاحقة.
ويتسارع الحديث عن تقارب بين تركيا والنظام السوري، عقب لقاء ثلاثي جمع وزراء الدفاع التركي والروسي والسوري بالعاصمة الروسية موسكو، في 28 من كانون الأول 2022.
وبعد ثلاثة أيام من اللقاء، كشف وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أن الاجتماع المرتقب بوزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، قد يجري في النصف الثاني من كانون الثاني الحالي.
وقال جاويش أوغلو خلال مؤتمر صحفي في أثناء عودته من البرازيل، في 3 من كانون الثاني الحالي، إن تركيا لن تطبّع علاقاتها مع النظام رغمًا عن المعارضة السورية، لأن تركيا هي الضامن للمعارضة، بحسب وصفه.
والتقى أوغلو بنفس اليوم مع رئيس “الحكومة السورية المؤقتة”، عبد الرحمن مصطفى، ورئيس “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة”، سالم المسلط، ورئيس “هيئة التفاوض السورية”، بدر جاموس، ونشرت الشخصيات عقب اللقاء سلسلة تغريدات مفادها دعم تركيا للمعارضة تماشيًا مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم “2254”.
اقرأ أيضًا: المعارضة السورية التقليدية صامتة حيال تقارب أنقرة ودمشق
–