تصدّرت قضية التقارب بين تركيا والنظام السوري ومحاولة إعادة العلاقات بينهما، المشهد السياسي في المنطقة، عقب لقاء ثلاثي جمع وزراء الدفاع التركي والروسي والسوري، في العاصمة الروسية موسكو، وحديث عن لقاء على مستوى وزراء الخارجية.
حديث متسارع عن عودة العلاقات خلّف موجة غضب في الشمال السوري، وبين أوساط السوريين الرافضين لأي محاولة لإعادة العلاقات مع نظام قتل مئات الآلاف، وهجّر المدنيين، ولا يزال يعتقل عشرات الآلاف.
وسط موجة التصريحات ووجهات النظرة المؤيدة والرافضة للقاء يمكن أن يغير المسار السياسي والعسكري في سوريا، غاب التعليق من قبل مؤسسات المعارضة السورية، سواء من قبل “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” أو من قبل “الحكومة السورية المؤقتة”، وحضر من جهات عديدة أخرى.
بيانات رافضة للتقارب
أصدرت عدة جهات محلية على المستوى السياسي والإسلامي والإعلامي بيانات تنديد لأي خطوة تقارب، وأعربت عن قلقها من مسار مصالحة مع النظام السوري، منها “المجلس الإسلامي السوري”، و”اتحاد الإعلاميين السوريين”، و”إدارة الشؤون السياسية” في حكومة “الإنقاذ” بإدلب، وحركة “سوريا الأم” التي يرأسها معاذ الخطيب، و”المبادرة الوطنية السورية”.
وفي 30 من كانون الأول 2022، خرجت مظاهرات في مدن وبلدات شمال غربي سوريا تحت عنوان “نموت ولا نصالح الأسد”، تنديدًا بالتصريحات التركية حول التقارب مع النظام السوري، وتأكيدًا على استمرار الثورة السورية.
كما نشر الرئيس المشترك للجنة الدستورية السورية، هادي البحرة، عبر “تويتر“، في 31 من كانون الأول 2022، أنه لا يمكن تحقيق أي حل قابل للاستدامة بتجاوز تضحيات وتطلعات الشعب السوري التي ثار من أجلها.
وذكر أن السلام والاستقرار يتحققان عند ضمان سيادة القانون وحقوق الإنسان وتحقيق العدالة ومحاسبة مجرمي الحرب، عبر التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن رقم “2254”، وبيان “جنيف” لعام 2012.
معارضة “فاقدة” للقرار الوطني
لا يزال التعليق الرسمي على قضية التقارب وإعادة العلاقات غائبًا من قبل “الائتلاف” الذي لم يصدر أي بيان أو توضيح حتى لحظة نشر هذا التقرير، رغم مرور حوالي أسبوع على لقاء وزراء الدفاع التركي والروسي والسوري.
كما غاب التعليق من قبل “الحكومة السورية المؤقتة” على القضية، مع نشر المعرفات الرسمية لها مواضيع خدمية وفعاليات رياضية.
وتطرقت للحديث عن التقارب بنفي أنباء متداولة عن أن رئيس “المؤقتة”، عبد الرحمن مصطفى، عرض في أثناء لقائه مع قادة الفصائل التقارب مع النظام السوري.
وأكدت “المؤقتة” أنها متمسكة بالثوابت التي قامت عليها الثورة السورية، وأنها تقف مع مطالب الشعب في إنهاء منظومة الاستبداد وبناء دولة المواطنة والعدالة، متجاهلة أي حديث عن المباحثات التركية مع النظام السوري.
الباحث والمحلل السياسي حسن النيفي يرى أن السكوت الذي لا يزال يغلّف موقف المعارضة الرسمية السورية من خطوات التقارب التركي مع النظام السوري، يثير الدهشة والتساؤل من جانب كثير من السوريين.
وأوضح النيفي لعنب بلدي أن “سيرورة” العلاقة الناظمة للمعارضة مع الأتراك تؤكد أن هذا الصمت ربما يبدو طبيعيًا بحكم علاقة التبعية المطلقة التي تحكم مواقف المعارضة السورية، التي انحصرت مهمتها في دور وظيفي محدد لا تستطيع تجاوزه.
ويعتقد النيفي أن “الائتلاف” و”هيئة التفاوض” لا يستطيعان الإدلاء بأي رد فعل دون استشعار رأي الجانب التركي، ما يعني أن تلك المعارضة باتت عبئًا على القضية السورية، ولم تعد حاملًا لمشروع التغيير بسبب افتقادها للقرار الوطني، لافتًا إلى أن ما يمكن أن يقال عن المعارضة السياسية ينطبق في الوقت ذاته على الكيانات الأخرى، سواء كانت “الحكومة المؤقتة” أو قيادات “الجيش الوطني السوري”.
تركيا تطمئن المعارضة
وقال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، خلال مؤتمر صحفي في أثناء عودته من البرازيل اليوم، الثلاثاء 3 من كانون الثاني، إن تركيا لن تطبّع علاقاتها مع النظام رغمًا عن المعارضة السورية، لأن تركيا هي الضامن للمعارضة، بحسب وصفه، مشيرًا إلى أنه سيلتقي بقادة المعارضة اليوم، الثلاثاء.
وحول لقائه المرتقب بوزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، أوضح جاويش أوغلو أن روسيا تقدمت باقتراح لتحديد موعد، لكن بلاده ليست جاهزة في هذه التواريخ، إذ لن تكون الاجتماعات لمرة واحدة أو ليوم واحد، لافتًا إلى أن هناك استعدادات يتعيّن القيام بها حتى اجتماع وزراء الخارجية.
وفي 31 من كانون الأول 2022، قال جاويش أوغلو، إن الاجتماع المرتقب بوزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، قد يجري في النصف الثاني من كانون الثاني الحالي، وذلك بعد ثلاثة أيام من إعلان وزارة الدفاع التركية عن عقد لقاء ثلاثي جمع وزراء الدفاع التركي والروسي والسوري، في العاصمة الروسية موسكو.
وكان وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، ورئيس المخابرات التركية، هاكان فيدان، التقيا بوزير الدفاع الروسي، سيرجي شويغو، ووزير الدفاع السوري، علي محمود عباس، إلى جانب رئيسي أجهزة الاستخبارات الروسي والسوري.
وقال بيان لوزارة الدفاع التركية، إنه نتيجة للاجتماع الذي جرى في “جو بنّاء”، تم الاتفاق على استمرار اللقاءات الثلاثية، لضمان الاستقرار، والحفاظ عليه في سوريا والمنطقة ككل، وعلّق جاويش أوغلو على اللقاء بقوله، “يمكنني القول إنه كان لقاء مفيدًا”.
من جهتها، علّقت وزارة الدفاع في حكومة النظام السوري على الاجتماع في بيان لها، بأنه كان لقاء “إيجابيًا”، وجرى فيه بحث ملفات عديدة.
وفي 15 من كانون الأول 2022، أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أنه عرض على الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إجراء لقاء ثلاثي على مستوى الزعماء سيضم أيضًا رئيس النظام السوري، بشار الأسد.
وقال أردوغان حينها، إنه اعتبارًا من الآن، “نريد أن نتخذ خطوة كثلاثي سوريا وتركيا وروسيا”، مضيفًا أنه يجب أن تتحد الاستخبارات أولًا، ليجتمع بعدها وزراء الدفاع، ثم يجب أن يجتمع وزراء الخارجية، وبعد هذه الخطوات سيجتمع مع بوتين والأسد كقادة، موضحًا أن بوتين نظر إلى هذا العرض بـ”إيجابية”، مؤكدًا بدء سلسلة من المفاوضات.
اقرأ ايضًا: لقاء أردوغان والأسد.. حديث مبكر يعكس مصالح تركية- روسية
–