“البقاليات” السورية في تركيا.. تنوع “غير متجانس” لإرضاء الزبون
أمام الوجود الطويل والمتواصل للاجئين السوريين في تركيا، افتُتحت كثير من “البقاليات” السورية لتلبية احتياجات الناس من المنتجات التي اعتادوا شراءها قبل اللجوء.
وإذا كان لبعض هذه المنتجات بدائل تركية، فبعضها الآخر يبقى دون بدائل لارتباطه بالعادات الغذائية والاستهلاكية للسوريين، فبعض الأطعمة مثلًا غير حاضرة على جدول الخيارات الغذائية في تركيا.
واستطاعت هذه المحال والدكاكين بمرور الوقت الحفاظ على حضورها، وتعزيز هذا الحضور عبر تقديم سلع ومنتجات لم تكن حاضرة من قبل لدى “البقاليات”.
أوانٍ منزلية وأعشاب، وأصناف أدوية ومستحضرات مقوية جنسيًا، وسمّاعات وشواحن للهواتف المحمولة، وعطورات، وكريمات للشعر، كلّها سلع ومنتجات غير متجانسة، قد تجتمع متجاورة على رفوف “بقالية” سورية واحدة، إلى جانب تحويل الأموال إلى سوريا، ما يجعل الدكان أو “البقالية” أشبه إلى حد ما بـ”مركز خدمات” للسوريين يمكنهم عبره الحصول من مكان واحد على كثير من الحاجات التي لا تجتمع عادة في مكان أو متجر واحد، لعدم تجانسها بطبيعة الحال.
كما أسهمت شعبية “البقاليات” وانتشارها أكثر من الدكاكين الأخرى بالاتجاه نحو “التنويع في العرض”.
تفضيلات الزبائن
أنيس، شاب سوري مقيم في اسطنبول يعمل في مجال بيع وشحن الحديد، أوضح لعنب بلدي أنه يفضّل شراء الأشياء من مصادرها “الطبيعية” مع مراعاة التخصص، وفق قوله.
وأبدى الشاب عدم اكتراثه بشراء العطورات مثلًا من “البقاليات”، لأن المسألة ليست من اختصاصها، موضحًا في الوقت نفسه أن المنتج الجانبي في “البقالية” غالبًا ما يكون تجاريًا وغير أصلي، تلبية لطلبات مستعجلة لا تهتم بالجودة، إذ يفضّل شراء العطورات من محل خاص بها، أو من فرع للماركة المنتجة للعطر نفسه.
انتقد أنيس أيضًا وجود منتجات في غير مواضعها لدى البقال، كالأدوية، مشيرًا إلى دخول زبون إلى إحدى “البقاليات” وصرفه وصفة طبية لم يقرأ أو يفهم البائع مكوّناتها، لكنه منح المريض بعض المسكنات وحبوب الالتهاب.
ويتفق نور، وهو رب أسرة مقيم في اسطنبول، مع رأي أنيس، إذ يفضّل الحصول على المنتجات من المكان المصدر، مكتفيًا بالحصول على المنتج السوري فقط من “البقالية” السورية.
وفيما يتعلق بالمنتجات الأخرى، أوضح الشاب أن شراءها من مصدرها يتيح الحصول على كفالة وضمان للجودة، على خلاف ما قد تضعه “البقاليات” السورية من منتجات ربما تكون ذات استخدام لمرة واحدة، باعتبار “البقالية” غير متخصصة في كل ما تبيعه.
وجهة نظر البائع
أحمد، بائع وصاحب “بقالية” سورية متنوعة المحتوى إلى حد ما، أوضح أن “البقالية” لا تأتي بمنتجات لا يمكن أن تربح بموجبها، مشككًا في الوقت نفسه بوجود بُعد سلبي لعملية تنويع المنتجات.
البائع تحدث لعنب بلدي عن الغرض من التنوع، محددًا هدفه بإرضاء الزبون أكثر من تحقيق الربح، فكثير من المنتجات التي تقدمها “البقالية” لا تُباع بشكل يومي، ولا يمكنها الإسهام في سد النفقات.
وينصبّ تركيز أي بائع أو صاحب “بقالية” سوري على الدخان من جهة والخبز من جهة أخرى، بحسب أحمد، كونها منتجات دائمة الطلب، وقادرة على تغطية نفقات يومية مفروضة على البائع، مثل تكاليف الكهرباء وإيجار المحل وغيرهما، والتي تكلف بشكل يومي لـ”بقالية” صغيرة ما لا يقل عن 500 ليرة تركية (دولار واحد يساوي 18.7 ليرة تركية).
وحول وجود أي صعوبات أو معوقات أمام حالة التنويع هذه، بيّن صاحب “البقالية” أن المسألة لا تتخللها عراقيل، فالبضائع بأنواعها تصل إلى أمام باب دكانه، ولا يتطلب الأمر أكثر من الجرد والحساب.
وخلال الفترة الأخيرة اتجهت المراكز التجارية التركية لتوفير بعض المنتجات الرئيسة والأساسية لدى المجتمع السوري، فلم يعد مستغربًا رؤية علبة “متة” معروضة عبر تطبيق “Hepse Burada”، كما أن مراكز مثل “BIM”، و”A101″، أتاحت عبر بعض فروعها منتجات سورية أيضًا، مثل الفلافل، والخبز السوري، والمتة، وغيرها.
للتنوع حدود
“في البقالية السورية يجد المشتري ما لا يجده لدى البقاليات أو الدكاكين التركية من حاجات تذكّره بسوريا، كقالب الفلافل مثلًا”، وفق ما ذكره خالد، صاحب “بقالية” سورية في مدينة اسطنبول.
وبحسب البقّال الذي يعمل في نفس الدكان منذ ثماني سنوات، فهناك فئة من السوريين تتعامل مع الشراء من دكان تركي وكأنه هاجس، بسبب عامل اللغة، فيخشى المشتري عدم وصول الفكرة، ما لم يدخل لشراء علبة سجائر مثلًا.
وبحسب خالد، فالمسألة تعدّت بيع المنتجات، مع تحول الدكان لدى السوريين إلى ما يشبه تجمعًا اجتماعيًا، فالبعض يسأل البقّال ما إذا كان يعرف عائلة ما ليتزوج إحدى بناتها، والبعض قد يسأل عن أدوات مستعملة برغب بشرائها، أو ربما يبدي رغبته بالعثور على منزل للإيجار مستندًا إلى خبرة صاحب “البقالية” في الحي.
واعتبر أحد مبررات ميل السوريين لـ”البقاليات” السورية إمكانية الحصول على حاجاتهم عبر الاستدانة أو الاقتراض أحيانًا، وتسديد الالتزامات مطلع كل شهر بعد تسلّم المعاش، كما فسّر تمسك السوريين ببعض المنتجات على أنه حالة عاطفية أكثر منها نفعية، مستشهدًا بأحد أنواع البسكويت التي كانت شعبية وذائعة الصيت في سوريا، لكنها في تركيا تُنتج بغير المواصفات القديمة، ما يفقدها مذاقها القديم، لكن الإقبال عليها متواصل، باعتبار أن الناس هنا لا يتلذذون بالطعم، بل بالذكرى، وفق خالد.
“الأطفال السوريون الذين ولدوا أو نشؤوا هنا لا يبدون ميلًا تجاه المنتج السوري، لكن الأجيال السابقة، والتي عاصرت المنتج في سوريا، هي التي تشتريه أيضًا في تركيا”، أضاف خالد.
تجنب مخاطر
التنوع ضمن حدود جيّد، والتجارة فيها ربح وخسارة، كما أن الخبرة مع الزمن تتكون وتتنوع، أضاف خالد، مؤكدًا أنه لا يوجد في “بقاليته” أدوية أو مركبات كيماوية قد تسبب لبعض المرضى مضاعفات صحية.
إلى جانب عمله في “البقالية”، فخالد خريج معهد طبي قسم صيدلة، كان يحقن الإبر للمرضى، لكنه أوقف هذه “الخدمة” خوفًا من الوقوع تحت مسؤولية ما.
كما لفت إلى وجود “بقاليات” تبيع مقويات جنسية، فالمحل السوري يجنّب الزبون حرج طلب هذه المنتجات من الصيدلية، لكن هذه المقويات التي تروّج تحت اسم عسل طبيعي، كما قال خالد، هي عبارة عن عسل مخلوط بحبوب “فياجرا” مطحونة قد تزيد تدفق الدم واحتمالية حدوث جلطات وارتفاع الضغط ولا تُعطى لكل الناس.
بلغ عدد السوريين في تركيا المسجلين ضمن “الحماية المؤقتة” ثلاثة ملايين و496 ألفًا و74 لاجئًا سوريًا، بحسب إحصائية إدارة الهجرة التركية، في 22 من كانون الأول 2022.
مسمّى اقتصادي؟
الباحث الاقتصادي أدهم قضيماتي أوضح أن محتويات “البقالية” توسعت مع مرور الزمن، فإذا كانت تحتوي في السابق المنتجات الأساسية والغذائية، تضم اليوم أيضًا أصنافًا أخرى، جعلت الدكاكين السورية في تركيا أكثر من “بقاليات”، ويمكن تصنيفها تحت اسم “ماركت” أو “ميني ماركت”، كونها تحوي مواد ليست فقط غذائية أو مواد “البقالية” بمدلولها العام.
زيادة “البقاليات” تعني زيادة المنافسة، وأرباحًا أقل، وبالتالي التنوع ضروري لتحقيق ربح يغطي الإنفاق.
الباحث الاقتصادي أدهم قضيماتي |
تنوع المواد ينوع الدخل، عبر عدم الاعتماد على مواد معينة لتحقيق نوع محدد من الربح، ولا سيما أن المواد الأساسية لـ”البقاليات” لا تحقق هامش ربح يغطي التكاليف الملقاة على عاتق صاحب “البقالية”، وهو ما اعتبره الباحث الاقتصادي أسبابًا تدفع البائع لإضافة مواد لا تمت لمحله بصلة، لكنها متممة للحياة اليومية التي يحتاج إليها السوري بشكل عام.
كما أن كثيرًا من المنتجات التي كانت تنتج في سوريا نقلت معاملها إلى تركيا، وهي تقدم منتجاتها بعد دفع الضرائب والواجبات الاقتصادية وغيرها، ما نشط جزئيًا الدورة الاقتصادية الموجودة في تركيا، وجذب بعض الأتراك أيضًا للشراء من “البقاليات” السورية.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :