منذ دخول قانون “قيصر” حيز التنفيذ قبل حوالي عامين، يطالب النظام السوري وحلفاؤه برفع العقوبات باعتبارها أحد أسباب تدهور الوضع الاقتصادي والإنساني في سوريا.
وفي 20 من كانون الأول الحالي، أجرت وزارة الخزانة الأمريكية تعديلات على قانون العقوبات لتحسين تقديم المساعدات الإنسانية من خلال توسيع التصاريح في العقوبات الأمريكية.
وتداولت صفحات محلية أنباء عن أن التعديلات يمكن أن تشمل قانون “قيصر” الذي يمكّن الولايات المتحدة الأمريكية من فرض عقوبات متعددة على النظام السوري وكل من يتعامل معه على أساس قانوني.
ما قانون “قيصر”؟
هو مشروع قانون أقره مجلس النواب الأمريكي، في 15 من تشرين الثاني 2016، ووقّع عليه الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، في 21 من كانون الأول 2019، ودخل حيز التنفيذ في حزيران 2020.
وينص القانون على معاقبة كل من يقدم الدعم للنظام السوري، ويلزم رئيس الولايات المتحدة بفرض عقوبات على الدول الحليفة للأسد.
وتعود تسميته إلى الضابط السوري المنشق عن النظام، والذي سرّب 55 ألف صورة لـ11 ألف معتقل عام 2014، قُتلوا تحت التعذيب، أكد مكتب التحقيق الفيدرالي (FBI) صحتها، وأثارت الرأي العام العالمي حينها، وعُرضت في مجلس الشيوخ الأمريكي.
ويشمل القانون كل من يقدم الدعم العسكري والمالي والتقني للنظام السوري، من الشركات والأشخاص والدول، حتى روسيا وإيران، ويستهدف كل من يقدم المعونات الخاصة بإعادة الإعمار في سوريا.
ملفات اقتصادية لأهداف “إنسانية”
شهد الواقع الاقتصادي والمعيشي في سوريا خلال عام 2022 تدهورًا غير مسبوق، وسجلت الاحتياجات الإنسانية أرقامًا قياسية.
ومع كل أزمة تشهدها سوريا، أو حديث عن الظروف الاقتصادية والمعيشية، يبرر مسؤولو النظام ذلك بـ”العقوبات الغربية المفروضة على سوريا”، وتحديدًا عقوبات “قيصر”.
وقالت وزارة الخزانة الأمريكية في بيان لها، إن القرار يسهم بالحد من أثر العقوبات على الظروف الإنسانية في جميع أنحاء العالم.
وشملت التعديلات، الأعمال الرسمية لحكومة الولايات المتحدة والأعمال الرسمية لبعض المنظمات والكيانات الدولية، بالإضافة إلى بعض المعاملات الإنسانية لدعم أنشطة المنظمات غير الحكومية، وتوفير السلع الزراعية والأدوية والأجهزة الطبية.
الباحث في مجال الاقتصاد السياسي والإدارة المحلية في سوريا بمركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” أيمن الدسوقي، قال لعنب بلدي، إن التعديل يمنح تفويضًا للمنظمات غير الحكومية للانخراط بأنشطة غير ربحية.
ويهدف التعديل لتحسين الأوضاع الإنسانية وبناء الديمقراطية في سوريا، وفق ما قاله الدسوقي.
من جهته، قال الدكتور في القانون ونائب رئيس مجلس إدارة “التحالف الإغاثي الأمريكي من أجل سوريا” (ARCS)، ياسر تبارة، لعنب بلدي، إن التعديلات على القانون ستؤثر على بعض الملفات الاقتصادية في سوريا، لتسهيل الأمور الإنسانية على الشعب السوري.
ويرى تبارة أن التعديلات جزء من استراتيجية الرئيس الأمريكي، جو بايدن، التي تضع الوضع الإنساني أولوية.
ملف المساعدات لن يتأثر
جاء في البيان الذي نشرته وزارة الخزانة، أن القرار يهدف لحماية وصول المساعدات الإنسانية وإزالة العوائق أمام تقديم المساعدات الإنسانية المشروعة في جميع أنحاء العالم.
الدكتور في القانون ياسر تبارة قال إن المساعدات الإنسانية مستثناة من العقوبات، ما يعني أن ملف المساعدات في سوريا لن يتأثر بالتعديل على القانون، موضحًا أن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، المسؤول عن إعطاء رخص للعمل بأماكن معيّنة خاضعة للعقوبات، أعطى رخصة إنسانية مسبقًا للعمل الإنساني في سوريا.
ولا تعد العقوبات المفروضة على سوريا جديدة، إذ فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على النظام السوري لمحاسبته على ضلوعه بدعم الإرهاب في المنطقة، وفق ما قاله تبارة، لافتًا إلى أن العمل الإنساني لم يتأثر بتلك العقوبات.
وفي نيسان 2021، نشرت وزارة الخزانة الأمريكية توضيحات تفيد بأن فرض العقوبات بموجب قانون “قيصر” على المتعاملين مع النظام السوري، لا يشمل مساعدة السوريين بالأغذية والأدوية، موضحة أنها تواصل دعم العمل الحاسم للحكومات، وبعض المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية، والأفراد الذين يقدمون الغذاء والأدوية والإمدادات الطبية والمساعدات الإنسانية للمدنيين في سوريا، ووصول المساعدة إلى محتاجيها.
النظام مستفيد
أثبتت العديد من التقارير استغلال النظام السوري مساحات عمل المنظمات غير الحكومية لتحقيق مكاسب، بالإضافة إلى عمله على تسييس العديد من الملفات الإنسانية.
ويرى الباحث في الاقتصاد السياسي أيمن الدسوقي، أن التعديل الذي أجرته وزارة الخزانة الأمريكية يثير مخاوف حول التعقيدات المرتبطة بتطبيق الآلية، ومرونة وتجاوب الأطراف ذات الصلة.
وأرجع ذلك إلى أن النظام السوري وحليفه الروسي يعملان على استغلال الملفات الإنسانية لتحقيق مكاسب سياسية، لافتًا إلى أن النظام قادر على الاستفادة من خلال تخفيف حدة الأزمات الخدمية والإنسانية التي يواجهها.
وفي حين يؤكد النظام السوري باستمرار أهمية المساعدات الأممية ومشاريع “التعافي المبكر” ودورها في دعم “صمود سوريا”، يسعى النظام من خلال ذلك إلى الالتفاف على العقوبات المفروضة عليه وتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية.
وفي 24 من تشرين الثاني الماضي، أجرت وزارة الخزانة الأمريكية تعديلًا على قانون العقوبات المفروضة على سوريا لتستثني منظمات غير حكومية، وتوسع التفويض الحالي المتعلق بأنشطة معيّنة لمنظمات غير حكومية في سوريا، ما أثار مخاوف مشابهة من دعم العديد من المنظمات غير الحكومية للنظام السوري.
ولا يعد النظام السوري ورجال الأعمال المقربون متضررين بشكل كبير من العقوبات، إذ خلص تقرير سابق أعدته عنب بلدي بعنوان “عقوبات قيصر.. تأثر السوريون ولم يسقط النظام”، إلى أن العقوبات لم تؤثر على حجم تجارتهم وأعمالهم الداخلية.
وخلال جلسة استماع أجراها مجلس الشيوخ الأمريكي حول سوريا في حزيران الماضي، أعرب السيناتور الأمريكي من الحزب “الجمهوري” جيم ريتش، عن مخاوفه من أن تكون إدارة بايدن موافقة ضمنيًا على التواصل مع النظام، معتبرًا أن تطبيق عقوبات “قيصر” كان غائبًا خلال الفترة الماضية.
–