إدلب – هدى الكليب
تواجه النساء من ذوات الإعاقة ظروفًا قاسية خلال السنوت الأخيرة، إذ تضاعفت الأعداد جراء القصف وعمليات النظام السوري العسكرية، وزادت احتمالية تعرض الحالات للإهمال.
الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وتدني مستوى الرعاية الصحية في مخيمات النزوح، شمال غربي سوريا، لعبت هي الأخرى دورًا فاقم معاناة المرأة المصابة بالإعاقة، سواء قبل أو خلال الثورة.
جهينة البلاني (36 عامًا)، وهي نازحة من مدينة معرة النعمان، مقيمة في مخيمات “قاح” الحدودية، تعاني صعوبة في تأمين احتياجاتها الشخصية منذ بتر ساقها اليمنى، جراء قصف حربي من قبل قوات النظام، استهدف مدينتها أواخر عام 2017.
وترى جهينة، وفق حديثها لعنب بلدي، أن إقامتها في المخيم تزيد من صعوبة قيامها بأي نشاط، إذ تضطر للسير على عكازين بضعة أمتار حين يتطلب الأمر دخول دورات المياه، التي لا تراعي أصلًا بتصميمها وبنيتها مسألة الإعاقة.
عبء مادي
تحتاج جهينة كل عام أو عامين ربما إلى استبدال الطرف الصناعي، ما يتطلب نحو ألف دولار أمريكي لإتمام المسألة (الدولار يساوي 18.64 ليرة تركية حتى إعداد المادة).
وأمام مصاعب الحياة الاقتصادية والمعيشية، تتوق السيدة للحصول على فرصة عمل تعيد لها إيقاع حياتها الطبيعي، وتساعد عبرها على إعالة أسرتها المكوّنة من أربعة أبناء وزوج عاطل عن العمل.
رأسًا على عقب
جراء قصف قوات النظام لمدينتها كفرنبل، عام 2015، تعرّضت مها الحسيني (22 عامًا) لإصابات أسفرت عن بتر إحدى يديها وإحدى قدميها، بالإضافة إلى كسور متفرقة تعاني تبعاتها، وتجري عمليات جراحية كل مدة لتقويم عظام ظهرها المهشّمة.
على كرسيها المتحرك أمام باب خيمتها في مخيمات “باريشا”، شمالي إدلب، قالت مها لعنب بلدي، إن حياتها انقلبت رأسًا على عقب منذ تعرضها للإعاقة قبل سبع سنوات، لافتة إلى تأثير أكثر من جسدي، أبعدها عن طموحاتها وأحلامها الدراسية، ووضعها تحت الحاجة إلى دعم مادي ومعنوي غير متوفر، بسبب ظروف العائلة المادية الصعبة.
من جهتها، قالت المرشدة النفسية والاجتماعية لمياء الجراح، إن إعاقة النساء بوابة للعوارض والاضطرابات النفسية، كالاكتئاب والقلق، بسبب الشعور بالخسارة والفقدان، والعجز عن الرعاية الذاتية، ورعاية الأسرة أيضًا.
وأضافت الجراح لعنب بلدي، أن من أكثر المشكلات النفسية تأثيرًا على ذوات الإعاقة، الشعور بالنقص، والتوتر الداخلي، وعدم الاتزان الانفعالي، نتيجة سيطرة الإعاقة، والإحساس بالدونية، والانطوائية، وعدم إمكانية الاعتماد على النفس، وضعف الشعور بالانتماء.
كما لفتت المرشدة النفسية إلى تأثير هذه المشكلات على تكيّف المصابة وتوافقها مع المحيط، وصعوبة إقامة علاقات إنسانية مع الآخرين.
مشكلات بالجملة
وفي الوقت نفسه، ومع احتمال وجود مشكلات أخرى في حياة ذوات الإعاقة (عائلية، واقتصادية، وصحية، وتعليمية)، يتعزز لدى المصابة بالإعاقة الشعور بأنها عبء يومي على غيرها، انطلاقًا من التنقلات ضمن المنزل، وصولًا إلى التحرك في البيئة المحيطة بالمجتمع، وفق المرشدة النفسية.
ومن المفيد بهذا الصدد تفعيل دور المجتمع تجاه ذوات الإعاقة، مع التركيز على جميع الفئات العمرية دون استثناء، وتوفير البيئة التي تناسب إعاقاتهن، وتأمين برامج علاجية وتوعية مجتمعية وفرص عمل، وفق الجراح.
ولا تتوفر أرقام رسمية دقيقة تحصي النساء المصابات بالإعاقة في إدلب، لكن القصف الذي تتعرض له المناطق المأهولة، ويوقع جرحى وقتلى، يسهم بالضرورة في زيادة أعداد المصابات.
ووفق ما ذكرته منظمة “هيومن رايتس ووتش”، عبر تقريرها الصادر في 8 من أيلول الماضي، استنادًا إلى أرقام أممية، فإن لدى نحو 28% من السوريين إعاقة، أي حوالي ضعف المعدل العالمي.
وبحسب التقرير، تتراوح الأسباب بين إصابات الحرب وعدم تلقي الرعاية والخدمات، فغالبًا ما يكافح ذوو الإعاقة في سوريا للفرار من الهجمات، ولا سيما بسبب الافتقار إلى الأجهزة المساعدة، أو التحذيرات المسبقة الفعالة والشاملة.