التنجيم في زيارة الزعيم

  • 2023/01/01
  • 12:03 م
الكاتب السوري إبراهيم العلوش

الكاتب السوري إبراهيم العلوش

إبراهيم العلوش

زيارة الرئيس الإيراني لدمشق صارت في مجال التخمين والتنجيم بعد أن كانت متوقعة يوم الثلاثاء الأخير من العام 2022، فهل يبدأ رئيسي زيارته إلى دمشق مع العام الجديد؟

ذكرت صحيفة “الشرق الأوسط” أن الرئيس الإيراني رئيسي سيزور دمشق، وتوقعت أن يحمل معه شروطًا قاسية يجب أن يوقعها رئيس النظام، بشار الأسد، منها مثلًا عدم محاكمة الإيرانيين الموجودين في سوريا إلا أمام القضاء الإيراني، بالإضافة إلى معاملة الإيرانيين مثل السوريين، طبعًا عدا التجويع والتهجير اللذين هما امتيازات خاصة بالسوريين من قيادة بلدهم.

تنتشر برامج التنجيم في القنوات التلفزيونية مع نهاية العام، ويبدأ الارتزاق بقراءة الأقدار والتخمينات، وتنتشر كتب الأبراج التي تتوقع لك حياتك في العام الجديد، ويتكسب هؤلاء بإثارة توقعات من غير المطلوب البرهان على صحتها أو منطقيتها.

وقد بدأت التخمينات حول نظام الأسد مبكرًا، وانتشرت الشائعات عن انتقال عائلة بشار الأسد إلى البرازيل، واحتمال التخلص منه من قبل الروس والإيرانيين بعد تفاقم فشله في إدارة البلاد، وعدم قدرته الوصول إلى توافقات مع الذين أيدوه أو كانوا على الحياد على الأقل، فما بالكم بفشله في التوصل إلى صفقة معقولة مع بعض من المعارضة الرمادية أو المستسلمة لأي تيار تجرفها إليه رغبة الدول الداعمة!

والتخمينات انتشرت حول زيارة إبراهيم رئيسي إلى دمشق منذ أن انتشر مقال الصحفي والمحلل إبراهيم حميدي في “الشرق الأوسط” قبل عدة أيام، وأنباء الزيارة أزالت من الواجهة إشاعات انتقال عائلة بشار الأسد إلى خارج البلاد، وأبعدت احتمال تنصيب إيران ماهر الأسد الذي يعتبر أكبر مندوب لها في دمشق، واستعملته إيران ورقة ضغط حتى على بشار الأسد وزوجته أسماء التي أزاحت رامي مخلوف عن عرشه الاقتصادي، واستعمله الروس أيضًا وهم يهددون دول الخليج التي تطالب بإزاحة بشار عن الحكم، بردهم على تلك الدول بأن البديل المتوفر هو ماهر الأسد وفرقته الجرارة التي تنصب الحواجز وتنهب المارة.

كان من المتوقع أن يبدأ المنجمون تخميناتهم حول زيارة إبراهيم رئيسي إلى دمشق مع بداية العام، إلا أن الاحتمال انخفض بسبب عدم دعوة وزير الدفاع الإيراني إلى اجتماع وزراء الدفاع في روسيا وتركيا وسوريا مع قادة المخابرات، الذي عُقد بموسكو في 28 من كانون الأول 2022.

الطلبات التي قال إبراهيم حميدي في مقاله إن رئيسي  سيجلبها معه صارت أقل قيمة، ولو كانت مسلحة بقطع البترول عن السوريين، وذلك بسبب غياب الفاعلية الإيرانية، واستبعادها عن اجتماع مهم مثل اجتماع موسكو الذي يعتبر انعطافًا كبيرًا، إذ لم يحصل اجتماع بهذا الوزن مع النظام منذ سنوات طويلة، وهو أهم اجتماع بين مسؤولين سوريين وأتراك منذ بداية الثورة، حين تدفق إلى دمشق قادة أتراك كبار، وقدموا سيناريوهات للحلول المتوقعة، ورفضها نظام الأسد بكل عنجهية، واعتبر أنه قادر على سحق السوريين مثلما فعل في الثمانينيات، حين تحوّل الكثير منهم إلى جوقات تهتف بحياة القائد وعظمة القائد من أجل علبة سمنة، أو كيلو قهوة، أو معلومة بسيطة عن معتقل غابت أخباره منذ سنين طويلة عن أهله.

بقي لدى المنجمين تخميناتهم حول ساحة “السبع بحرات”، لماذا تم تخريبها وهي أحد رموز دمشق وعمرانها، هل هذا التخريب هو من أجل إدخال الحضارة والتقدم إلى هذه الساحة كما تقول سلطات النظام، أم أن العملية تمت من أجل سبب آخر على المنجمين تخمينه، كأن يكون من أجل بناء مرصد فلكي على اعتبار النظام يحب التقدم والتطوير والتحديث، أو من أجل وضع تمثال لحافظ الأسد من تلك التماثيل التي تم تخزينها في بداية الثورة عندما صارت تلك التماثيل هدفًا للمتظاهرين والمحتجين على عائلة الأسد، أم أن الأمر متعلق بزيارة إبراهيم رئيسي إلى دمشق، وقد يكون من شروطها وضع تمثال لقاسم سليماني في ساحة “السبع بحرات”، أو لعلي خامنئي، أم سيكون الأمر ذا صبغة محلية بوضع تمثال لحسن نصر الله، وهذا حل قد يرضي الحزب “القومي السوري” وحزب “البعث” باعتبارهما حليفي “حزب الله” في لبنان وسوريا وفي مشارق العالم العربي و مغاربه.

وتستطيع السيدات والسادة المنجمون أن يخمنوا أيضا نتائج الاجتماع بين وزراء الدفاع الثلاثة الذي عُقد في موسكو، رغم أن رامي مخلوف قد سبقهم بالتنجيم، في 21 من كانون الأول 2022، وقال إن الحل قادم، وعلى المؤيدين توخي الحذر وعدم انتقاد النظام، وكذلك عدم الاحتجاج على الجوع والفقر والبرد فإن الفرج قادم، وكان الرجل خاشعًا كأنما ستعود إليه ثروته التي نهبها ماهر الأسد وأسماء الأخرس.

سوريا اليوم ساحة غنية للمنجمين، ويستطيع أي واحد أو واحدة من ضيوف التنجيم على الفضائيات إطلاق العنان لخياله حولها، وإن كانت صور بشار الأسد هي الموضوع الوحيد الذي يتجنبونه بسبب المصائب الكبيرة التي حلت على السوريين جميعًا من مؤيدين ورماديين ومعارضين، ويعرفون أن إزالة هذه الصور هو الحلم الوحيد الذي يحقق إجماع السوريين اليوم ولا يحتاج إلى منجمين!

ومع ذلك، فموضوع زيارة رئيسي سيظل قيد التنجيم لأن فيه الكثير من التكافؤ، وإن كانت جرائم بشار الأسد أكبر بكثير من جرائم إبراهيم رئيسي الذي ابتدأ عمله المهني في القضاء بإعدام خمسة آلاف إيراني في محاكم الموت التي كان رئيسها، وهو اليوم باشر بإعدام المتظاهرين ضد نظام حكمه احتجاجًا على إعدام مهسا أميني وغيرها، وأوعز إلى السلطات القضائية ألا ترحم أحدًا ممن يعترضون على استمرار حكم الملالي في إيران!

هل سيبدأ إبراهيم رئيسي عامه الجديد بزيارة بشار الأسد؟ سؤال لا يزال يتردد، وعلى المنجمين الإجابة عنه، وهل ستكون هذه الزيارة فأل خير، أم ستبعث برسالة إلى الإيرانيين وإلى العالم بأن نظام الملالي في إيران لا يقل سوءًا وفشلًا عن نظام الأسد في سوريا؟

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي