“كيف الشعب السوري عايش؟”
نبيل محمد
“ديالا ووارف” صفحة ذات شعبية واضحة على “يوتيوب”، طالما قدّم من خلالها اثنان من منشئي محتوى الفيديو مواد شائعة النشر في سوريا خلال السنوات الأخيرة، تلك التي تبحث عن أي محتوى قادر على تحقيق متابعة، بغض النظر عن وجود هوية واضحة لذلك المحتوى، أو عن احترافية الكوادر التي تنشره.
كغيرها من عشرات الصفحات السورية، قدّمت الصفحة سابقًا مواد فيديو تندرج ضمن فئة مواد “سوريا بخير”، من تغطية فعاليات حفلات ومهرجانات، وزيارة مدن وقرى سورية، وتوجيه الكاميرات بعيدًا عن واقع الحياة الحقيقية هناك، وصولًا إلى جولات داخل “مولات” وأسواق دبي. في واحد من تلك الفيديوهات، لبست المقدّمة 13 كيلوغرامًا من الذهب بقيمة ثلاثة ملايين دولار.
مؤخرًا، بدأت القناة بنشر شكل جديد من المحتوى، بعيد عما اعتادت نشره في السابق، بل وغريب وجوده بين عشرات الفيديوهات الساذجة والرخيصة التي اعتادت نشرها سابقًا، تحت عنوان “كيف الشعب السوري عايش؟”، تنطلق من فكرة أن يقوم مقدّم البرنامج “وارف”، بممارسة مهنة ما لمدة يوم كامل، ومعايشة ممتهني تلك المهنة، ورصد حياتهم القاسية، والحديث عن المبالغ التي يتقاضونها يوميًا، ومحاولة تأمين وجبة غذائية بـ”اليومية” التي يتقاضاها المقدّم، بعد عمله يومًا كاملًا.
بعيدًا عن كون الفيديوهات ضعيفة فنيًا، وغير احترافية إطلاقًا، ولا تخلو من العادات التجارية لـ”يوتيوبرز” من هذا الطراز، من محاولة البحث عن أي نكتة، أو تسوّل المتابعة و”اللايك” بين وقت وآخر، أو إضفاء الجانب الخيري على المحتوى، إلا أن فكرة البرنامج سوف تأخذنا بالفعل إلى عوالم نعرف تمامًا أنها كثيفة الحضور في سوريا حاليًا، لكننا نفتقد إلى كاميرا واقعية قادرة على معايشتها.
يعمل “وارف” في أحد الفيديوهات بغسل الصحون في أحد المطاعم. يقضي ثماني ساعات خلف “المجلى”، في مكان لا يتسع إلا له وللأطباق التي يغسلها، تحت تهديد أن كسر أي صحن يعني الخصم من “يوميته”، ثم يتقاضى عن هذا العمل ثمانية آلاف ليرة سورية، لا تكفي لوجبة غداء واحدة في سوريا اليوم.
فيما يبلغ الأسى أشدّه خلال عمله في تنظيم غرف أحد الفنادق الرخيصة، إلى جانب طالب جامعي يعمل في الفندق الذي يؤمّن له المنامة وخمسة آلاف ليرة يوميًا. عامل يحلم منذ سنوات بأن يتمكن يومًا من تناول وجبة غداء داخل مطعم مع أصدقائه. في نهاية يوم العمل، يشتري مقدّم البرنامج وجبة بطاطا مقلية لثلاثة أشخاص بقيمة تزيد على 17 ألف ليرة سورية، أي أكثر من “يومية” العمال الثلاثة.
يشتري بائع الفول السوداني في كل صباح ثلاثة كيلوغرامات منه، يقوم بتسخينها على دراجته الهوائية، ويطوف بها في شوارع المدينة يومًا كاملًا، ليجني حوالي 37 ألف ليرة سورية، يدفع عشرة آلاف منها أجرة لغرفة الفندق الذي يعيش فيه، ويرسل ما يبقى لأسرته المكوّنة من زوجة وأربعة أبناء يقيمون في درعا. لا يمكنه أن يستأجر منزلًا، فتلك البيوت على الرغم من رطوبتها وعتمتها، وأثاثها المهترئ، وصعوبة توفير مواصلات تقل السكان إليها، والتي يستعرض أحدها البرنامج في إحدى حلقاته، هي بعيدة المنال عن بائع الفستق، أو عامل النظافة، أو عتّال سوق “الهال”.
ترصد الكاميرا، غير متقنة الحركة، وجوهًا في الشوارع وباصات النقل الداخلي، أناسًا يعيشون العذاب اليومي في مدينة بهذه الوحشة والقسوة والفقر. معدمون يعملون بمئات المهن البسيطة، التي تعرّضهم للإصابات والأمراض وقبل كل شيء للكآبة، ولا يمكن لأي منها أن تجمع مكوّنات سندويشة فلافل واحدة.
هم بحاجة إلى أضعاف ما يتقاضونه للحصول على غذائهم اليومي، فكيف “يعيش السوريون؟”، هكذا يسأل البرنامج، وهو السؤال الذي سيتردد بالأذهان في كل مشهد. أما الجواب عن السؤال، فهو بالتأكيد أن السوريين لا يعيشون اليوم، إنهم فقط لا يريدون موتًا علنيًا في الشوارع لا أكثر.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :