تعا تفرج
لا تشد على بغلتك
خطيب بدلة
كان أهلنا، إذا رأوا شخصًا فهيمًا، يحاول شرح فكرة صعبة لأناس بسطاء، يقولون له: لا تشد كتير على بغلتك! فكأنهم يتخيلونه قائدَ عربة تجرها بغلة، يشد عليها لتمشي بسرعة، رغم وعورة الأرض.
الأرض عندنا ليست وعرة وحسب، بل وفيها كثبان رملية متحركة، قد تغمر الأشخاص الذين يحاولون السير إلى الأمام، فتميتهم، وتمحو آثارهم، ويبقى الأغبياء والجاهلون على قيد الحياة، يعيشون بهناء، يأكلون، ويشربون، ويتناكحون، ويتكاثرون، ويقعون على الأرض من شدة الضحك، فإذا عيرتهم أقوامٌ أخرى بأنهم متخلفون، لا يساهمون في صنع الحضارة الإنسانية، ينتفضون في وجوههم، ويقولون لهم: كان عندنا أناس أذكياء، رائعون، عظماء، ولكن ما باليد حيلة، فقد ابتلعتهم الرمال.
نحن، يا صاحبي، نتبنى “عكسَ” ما حصل مع العالم غاليلو، الذي توصل، قبل ستمئة سنة، إلى أن الأرض تدور حول الشمس، فاستنفر المسطحون (أي القائلون بأن الأرض مسطحة)، وجرجروه إلى المحاكم، وحكموا عليه بالإعدام، ولم يصادفهم سوى مشكلة واحدة، هي أنه كان واثقًا من صحة معلوماته، فقال، وهو يتلقى الحكم الجائر: ومع ذلك فإنها تدور! نحن الآن، نقول لمن يجادلنا في قضية الأرض: ومع ذلك فهي مسطحة!
أربأ بكم، أيها القراء الأعزاء، أن تذهب بكم الظنون إلى أنني أقول هذا الكلام على سبيل التشبيه، أو المجاز، أبدًا، إنه يجري على أرض الواقع، بحرفيته، فقبل بضعة أشهر، يعني في سنة 2022 ما غيرها، كنا في مجلس يضم بعض الشبان، وجاءت سيرة التطور العلمي الذي وصل إلى سبر أعمق أعماق هذا الكون المترامي، وتحليل مكوناته، وبحث العلاقة السببية بين مجراته، وإذا بشاب وسيم، كان ساكتًا، وحكى، وقال: والله يا شباب، أنا سمعت من شيخي، أن الأرض مسطحة، وأن “المازونية” (يقصد الماسونية) اخترعت هذه الأكذوبة لكي تخرجنا عن ديننا!
يومها، ودون أن أكون مهيأ لسماع مثل هذا الكلام، وجدتُ الحاضرين ينظرون إلي، يريدون أن أرد عليه، ولكنني احترتُ في أمري، لأنني أعرف مدى رسوخ المعلومات التي يتلقاها أمثالُ هذا الشاب المراهق من شيخه، فقد كنت مثله ذات يوم، آخذ من شيخي أن اليهود والنصارى مشركون، وأن الحجاب فرضه الله تعالى على كل مسلمة، وأننا الآن تخلفنا لأننا تركنا ديننا، بينما الأمريكان والصينيون والأوروبيون واليابانيون أخذوا عاداتنا العظيمة، فتطوروا بها، وأعطونا عاداتهم فتخلفنا، ولم أكن أفهم في الدين، ولا في العلوم الدنيوية، لأقول له إن كل ما تعلمنا إياه، يا شيخي العزيز، غلط، فاليهود مؤمنون بربهم، والنصارى شرحه، والشيعة مسلمون، ليسوا كفارًا، ولا توجد آية في القرآن تنص على أن المرأة يجب أن تضع على رأسها قماشًا اسمه الحجاب، وأن الدول التي تقدمت، لم تتقدم لأنها استبدلت دينًا بدين آخر، بل لأنها احترمت الأديان، وتركتها للمتدينين، وراحت تفكر وتخترع وتعمل في تطوير الصناعة والتجارة والزراعة والتكنولوجيا…
والحقيقة أن أكثر مَن أزعجني مؤخرًا، هو ذلك الدكتور المناضل، الذي سخر، مؤخرًا، من اكتشافات “ناسا”، وأكد أن النجوم ليست سوى زينة سماوية تُرجم بها الشياطين.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :