عنب بلدي – جنى العيسى
تراجعت قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي بنسبة وصلت إلى 100% على أساس سنوي خلال عام 2022، إذ شهدت الأشهر الستة الأخيرة من السنة تغيرات كبيرة على قيمة الليرة، ويعتبر انخفاض الليرة أمام الدولار عام 2022، الأكبر الذي يتم تسجيله في تاريخها.
وسجلت الليرة خلال شهر كانون الأول فقط تراجعًا بنسبة تجاوزت 23% على أساس شهري، وبنسبة قاربت 10% على أساس أسبوعي.
وفي 31 من كانون الأول 2022، وصل سعر مبيع الدولار إلى 7150 ليرة سورية، بينما بلغ في اليوم الأول من العام نفسه نحو 3600 ليرة.
انهيار الليرة بنسبة 100% خلال عام واحد، ترك أثره الواضح على معيشة المقيمين في سوريا بالمناطق التي تعتمد الليرة كعملة أساسية، لما رافقه من ارتفاع أسعار شبه يومي طال جميع السلع والمواد الأساسية.
ووسط هذه المتغيرات، لم تطرأ أي زيادة على دخل معظم العائلات، فلم يشهد عام 2022 في مناطق سيطرة النظام أي زيادة في الراتب الشهري الذي بقي على قيمته بالليرة السورية، لكنه انخفض بنسبة 50% قياسًا بقيمته أمام الدولار.
كما تأثرت قيمة الحوالات الخارجية التي اعتاد عدد من السوريين اللاجئين إرسالها إلى عائلاتهم لمساعدتهم في تغطية نفقاتهم، وذلك تأثرًا بالوضع الاقتصادي العام وارتفاع نسب التضخم في معظم دول اللجوء، ما أجبر بعضهم على تقليل قيمة الحوالة التي يرسلونها شهريًا إلى ذويهم.
الراتب انخفض بنحو 50%
لم تقابل حكومة النظام السوري الانخفاض الشديد لقيمة الليرة بتحسين قيمة الراتب، بل على العكس من ذلك، انخفضت قيمته قياسًا بالدولار خلال 2022 بنسبة 50%.
وباعتبار أن أسعار معظم المواد والسلع الأساسية تضاعفت تأثرًا بالدولار، انعكس ذلك بشكل مباشر على القوة الشرائية للمواطنين.
وكانت أحدث زيادة على الراتب أُقرّت في كانون الأول 2021، بموجب مرسوم رئاسي، تضمّن زيادة بنسبة 30% على أجور العاملين والموظفين، وبنسبة 25% على أجور المتقاعدين المدنيين والعسكريين.
وبحسب موقع “Salary explorer” المختص بأرقام سلم الرواتب والأجور حول العالم، بلغ متوسط الراتب الشهري في سوريا خلال 2022 نحو 146 ألف ليرة سورية، موضحًا أن 50% من الموظفين بلغ معدل رواتبهم 146 ألف ليرة أو أقل، بينما يكسب النصف الآخر أكثر من 146 ألف ليرة.
وبحسب الموقع، يبلغ الحد الأدنى للأجور في سوريا نحو 37 ألف ليرة شهريًا، بينما يصل الحد الأعلى إلى 663 ألف ليرة.
وبمقارنة قيمة متوسط الراتب الشهري البالغ 146 ألف ليرة مع سعر صرف الدولار خلال العام الماضي، كان متوسط الأجور مطلع كانون الثاني 2022 يساوي نحو 40 دولارًا أمريكيًا، بينما انخفضت قيمته نهاية كانون الأول 2022 لنحو 20.4 دولار.
ولا تشير أرقام الموازنة العامة للدولة لعام 2023، وكتلة الرواتب والأجور فيها، إلى احتمالية كبيرة لحدوث زيادة في قيمة الرواتب، إذ ربط وزير المالية، كنان ياغي، زيادة الرواتب بالإيرادات المحصلة لخزينة الدولة من جهة، وتحسن الواقع الاقتصادي من جهة ثانية.
من جهته، اعتبر الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو، في حديث سابق لعنب بلدي، أن المقيمين في سوريا بحاجة إلى زيادة بنحو 500% في الرواتب لتسمى زيادة فعلًا، وأي زيادة بنسبة 20 أو حتى 30%، لا تحمل التغيير الكبير في حياة المواطنين.
التحرك الحكومي “غائب”
لم تترافق حركة هبوط قيمة الليرة خلال 2022 بتحركات حكومية من شأنها لجم هذا الانخفاض وما يرافقه من ارتفاع في أسعار المواد، الأمر الذي اعتبره الباحث الاقتصادي زكي محشي مؤشرًا على غياب الأدوات المالية والنقدية لديها لوقف هذا التدهور، بالإضافة إلى عدم قدرتها على طرح الدولار في الأسواق، كونها استنفدت بشكل كامل الاحتياطي من العملة الأجنبية، بحسب ما قاله في حديث سابق إلى عنب بلدي.
ويرتبط سعر الصرف في ظل المعطيات الحالية في سوريا بعدة عوامل اقتصادية مجتمعة تؤدي إلى انخفاض قيمة الليرة، منها عدم وجود الإنتاج، وتراجع نمو الناتج المحلي، والاعتماد على الأسواق الخارجية، بالإضافة إلى العجز الكبير في الميزان التجاري، وميزان المدفوعات، والموازنة العامة للدولة، فضلًا عن هروب الاستثمارات الأجنبية، ووجود سوق “سوداء” واسعة لتصريف العملة عبرها.
وبحسب تقرير صادر عن مركز “جسور للدراسات” مطلع 2021، تفتقد الليرة السورية حدود المقاومة اللازمة للدفاع عن استقرارها، ومن الصعب أن تصمد أمام أي هزة مهما كانت صغيرة، ما يؤكد أنها عُرضة للانخفاض السريع.
وأضاف التقرير أنه غالبًا ما يكون أثر التحولات السياسية والاقتصادية في سعر صرف الليرة على شكل موجات ارتفاع واضحة، أي بانخفاض قيمة الليرة، الأمر الذي يجعل من الصعب تحديد المستويات التي يُمكن أن تحققها.