الخوف يسافر مع طالبي اللجوء السوريين إلى بريطانيا
عنب بلدي – لجين مراد
بعد رحلة شاقة مع مشاعر قلق استمرت نحو أربعة أشهر، وصل الشاب العشريني “سالم” (اسم مستعار لأسباب أمنية) إلى بريطانيا، منتصف عام 2022، طلبًا للأمان الذي فقده في مدينته، ليواجه خوفًا آخر، سببه اتفاقية ترحيل اللاجئين إلى رواندا.
حكاية من بين العشرات للاجئين سوريين في بريطانيا غادروا بلادهم هربًا من الموت، ليجدوا أنفسهم مهددين بخطر الحرمان من حق اللجوء الذي يكفله القانون الدولي الإنساني لهم.
بعد أشهر من العيش تحت رحمة القرارات والتصريحات المتضاربة، شكّل حكم المحكمة العليا في لندن، في 19 من كانون الأول 2022، بمشروعية خطة ترحيل اللاجئين، “الضربة القاضية” بالنسبة لـ”سالم” وغيره من اللاجئين الذين ما زالوا بانتظار قرار اللجوء، وفق ما قاله الشاب لعنب بلدي.
أمان مؤقت
غادر “سالم” درعا، مطلع العام الماضي، باتجاه المناطق “المحررة”، تاركًا وراءه زوجته وأبناءه في ظروف صعبة تهدد مستقبل أبنائه، وفق تعبيره.
وبعد رحلة آمنة نسبيًا، باعتبار التهريب في سوريا مرتبطًا بتعبير محلي دارج “كله بالمصاري بصير”، دخل “سالم” إلى تركيا ومنها إلى اليونان.
“نحن راحت علينا بس الأولاد لسا في فرصة يكون مستقبلهم أحسن”، عبارة كررها “سالم” بلهجة حوران التي ينحدر منها، ليؤكد إصراره على متابعة الطريق رغم خطورته.
وضمن خطط كثيرة للحد من رحلات اللجوء “غير الشرعي” إلى أرضها، عرقلت الاتفاقية البريطانية- الفرنسية لمنع عبور اللاجئين بحر المانش، محاولات وصول الشاب إلى بريطانيا مرارًا.
وبعد محاولات متكررة، واجه فيها خطر الغرق، وصل “سالم” إلى وجهته التي سبقه إليها العشرات من أقاربه، وحملت منذ سنوات صورة الأمان في مخيلته، بحسب ما رواه الشاب.
“بعد أيام من وصولي، بدأت أشعر أن الأمان تلاشى، وأدركت أنني مهدد بخطر جديد”، تابع “سالم” متحسرًا على واقع السوريين الذين يحملون معهم الخوف أينما رحلوا، وفق تعبيره.
وفي حين أعطى تراجع بريطانيا عن ترحيل أول دفعة للاجئين، في حزيران 2022، إثر قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، أملًا لحوالي 40 ألف لاجئ وصلوا عبر القناة الإنجليزية في العام نفسه، سلبهم قرار المحكمة العليا ذلك الأمل.
مصير مجهول
ينتظر “سالم” وغيره من اللاجئين قرارًا مصيريًا يمكن أن يمنحهم فرصة للاستقرار الذي حلموا به، أو يتركهم في مواجهة مصير مجهول.
وفي غرف الفنادق المخصصة لأصحاب طلبات اللجوء المعلّقة، يمضي الشاب أيامه محاولًا البحث عن خيارات تجنّبه أخطار الانتقال إلى “سوريا أخرى”، وفق ما قاله الشاب في إشارة إلى رواندا.
ويعيش الأربعيني “غياث” (اسم مستعار لأسباب أمنية) لحظات مشابهة، تطارده فيها مخاوف من زنزانة تنتظره في سوريا التي غادرها هربًا من الاعتقال.
عانى “غياث” ملاحقات أمنية جراء عمله في منظمات غير مرخصة، ونجا بدفع المال لمسؤولين في الأجهزة الأمنية، وفق ما قاله لعنب بلدي.
“تعرضتُ للابتزاز المادي، كنت أدفع المال مقابل سلامتي، وكان مصيري المرهون بذلك سببًا كافيًا للبحث عن بلد آخر يمنحني الأمان الذي فقدته، وكانت بريطانيا الخيار الأمثل لي”، تابع “غياث” الذي يواجه اليوم مستقبلًا مرهونًا بقرارات حكومية ترفض وجوده.
خطة مؤجلة
يمتلك “سالم” و”غياث” وغيرهما من اللاجئين فرصة رفع ملفاتهم إلى محكمة الاستئناف في حال رُفضت طلبات لجوئهم، وهو ما يخططون لفعله.
وفي حال تكرر الرفض من قبل محكمة الاستئناف، يمكن لطالبي اللجوء رفع ملفاتهم إلى المحكمة العليا ليحصلوا على القرار النهائي بالرفض أو القبول.
ورغم أن قرار المحكمة العليا كان مخيبًا لآمال اللاجئين، وانتصارًا للحكومة، تتنافى احتمالية انطلاق رحلات ترحيل إلى رواندا مع وجود احتمالية استئنافات جديدة لقرار المحكمة، بالإضافة إلى أن أمر المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، يمنع أي عمليات ترحيل فورية حتى الانتهاء من الإجراءات القانونية لطالبي اللجوء.
سفير “أسبوع اللاجئين” في بريطانيا لعام 2022، سليمان شويش، قال لعنب بلدي، إن من غير المتوقع تطبيق قرار المحكمة بوقت قريب، خصوصًا في ظل رفض المنظمات الإنسانية خطة الترحيل.
ويرى شويش أن اتفاقية الترحيل إلى رواندا تهدف بالدرجة الأولى لتحذير من ينوي الوصول إلى بريطانيا بطريقة “غير شرعية” من المستقبل الذي ينتظرهم.
ورفعت المنظمات الإنسانية عدة عرائض للبرلمان البريطاني، للمطالبة بإعادة النظر بالقرار، لما يشمله من انتهاكات لحقوق الإنسان وقوانين اللجوء، وفق ما قاله شويش، محملًا مسؤولية حماية اللاجئين للمنظمات الدولية والإنسانية.
ترحيل “غير قانوني”
تخطط بريطانيا من خلال الاتفاقية التي وقعتها مع رواندا بتكلفة 120 مليون جنيه إسترليني، لنقل ملتمسي اللجوء إلى رواندا، لانتظار قرار بريطانيا بشأن طلبات لجوئهم.
وتستمر التصريحات الحكومية البريطانية بتأكيد عزمها على تطبيق الخطة، وبعد صدور قرار المحكمة العليا، قالت وزيرة الداخلية البريطانية، سويلا برافرمان، إن تركيز الحكومة الآن ينصب على المضي قدمًا في سياسة الترحيل بأسرع وقت ممكن، وإنها مستعدة للدفاع ضد أي طعون قانونية أخرى.
في المقابل، تتناقض الخطة مع اتفاقية “دبلن” لتوزيع اللاجئين، المبرمة عام 1990، والتي توجب على الدولة التي يصل إليها طالبو اللجوء أولًا أن تنظر في طلبات لجوئهم، وأن تقبل عودتهم إليها في حال غادروا إلى دولة أوروبية أخرى.
وبموجب “دبلن”، تؤخذ بصمات أي طالب لجوء في أول دولة أوروبية يدخلها، وتُدرج في قاعدة البيانات المشتركة لتحديد ما إذا كان صاحبها تقدم بطلب لجوء في دولة أوروبية أخرى، وفي حالة قيامه بذلك، تعتبر الدولة الثانية غير مختصة بطلب لجوئه، ويُعاد إلى الدولة الأولى.
وتنص المادة رقم “33” من اتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، على أنه “لا يجوز لأي دولة متعاقدة أن تطرد لاجئًا، أو أن تعيده قسرًا بأي صورة من الصور إلى حدود الأقاليم التي تكون حياته أو حريته مهددتين فيها بسبب عرقه، أو دينه، أو جنسيته، أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معيّنة، أو بسبب آرائه السياسية”.
وبموجب الاتفاقية، لا يُسمح للدول المتعاقدة احتجاز طالبي اللجوء في مراكز اعتقال بشكل تعسفي، ما لم يرتكبوا جرائم.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :