أمام ضغط التكاليف وتردد مزارعين
موسم القمح.. ظروف المحصول الأهم للسوريين
عنب بلدي – خاص
تشكّل مادة القمح أحد موارد الغذاء الرئيسة للسوريين، لارتباطها بالعادات الغذائية القائمة على استهلاك كميات كبيرة من مشتقات المادة.
المحصول الذي يتراوح موعد زراعته بين 15 من تشرين الثاني و15 من كانون الأول، تأثر خلال السنوات الأخيرة بفعل الجفاف وصعوبة الري.
وفي شمال شرقي سوريا، أوضح المزارع محمود الكريم (65 عامًا)، من أهالي ريف بلدة جزعة جنوب القحطانية، لعنب بلدي، أن الموسمين الزراعيين السابقين تأثرا بالجفاف، لدرجة بات صعبًا معها أن ينجو الفلاح من الديون، مدفوعًا برغبته بزراعة أرضه.
محمود بيّن أن صعوبة تأمين المحروقات تقف عائقًا أمام تشغيل الآبار وري المحاصيل، ففلاحو ريف القامشلي الجنوبي لم يحصلوا على حصصهم من المازوت لتشغيل آبار الري، ما يدفع للمغامرة بالزراعة البعلية بعد استدانة ثمن البذار وتكاليف الفلاحة، وغيرها من أساسيات الزراعة.
“هيئة الاقتصاد والزراعة في إقليم الجزيرة” تعتمد منذ 2021 آلية توزيع المحروقات للفلاحين على دفعات، وعلى أساس أن يخصص للآبار بعمق 50 مترًا 20 ليترًا من المازوت للدونم الواحد، وللآبار بعمق 51 مترًا إلى 100 متر 25 ليترًا للدونم، وللآبار بعمق أكثر من 101 متر 35 ليترًا من المازوت للدونم، دون أن تخلو العملية من تأخر في التسليم وعدم استكمال الكمية المتفق عليها، ما يدفع الفلاح نحو تشغيل البئر على الطاقة الشمسية، أي الحاجة إلى نحو عشرة آلاف دولار أمريكي لتجهيز البئر (الدولار الواحد يساوي 7150 ليرة سورية بتاريخ إعداد المادة).
وناقشت عنب بلدي في تقرير سابق العراقيل التي تضعها مؤسسة “إكثار البذار” التابعة لـ”الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سوريا أمام تعاقدها مع المزارعين، بغية تزويدهم بالبذار بسعر مدعوم يبلغ 2300 ليرة للكيلوغرام، و200 كيلوغرام من السماد للهكتار (عشرة دونمات)، تُمنح للمزارعين من “ذوي الآبار” حصرًا، إذ يتطلب الأمر عملية معقدة وإنجاز سندات كفالة ورخصة زراعة من “مديرية الزراعة”.
إقبال في الشمال
ماجد سليمان مزارع في سهل الروج الذي يشكّل سلة الغذاء لإدلب، أوضح لعنب بلدي أن زيادة في الإقبال على زراعة القمح يشهدها الموسم الحالي، وهي زراعة بعلية بأغلبيتها.
المزارع أوضح أن أبرز العقبات التي تقف أمام زراعة القمح هي أسعار الأسمدة، مشيرًا إلى شراء الكيس (50 كيلوغرامًا) خلال الموسم الماضي بـ47 دولارًا أمريكيًا، إلى جانب ارتفاع أسعار المرشات والمبيدات أيضًا، وانعدام فعاليتها تقريبًا.
كما يبلغ سعر الطن الواحد من البذار 500 دولار أمريكي، ويحتاج الدونم الواحد إلى ما يتراوح بين 25 و30 كيلوغرامًا منه، ويتطلب المحصول الرش بالأسمدة لمرتين في شباط، وكل رشة تتطلب من عشرة إلى 15 كيلوغرامًا من السماد للدونم الواحد.
ويشكّل تفاوت الأسعار بين البيع والشراء عامل إزعاج للمزارعين، فخلال الموسم الماضي، سلّم الفلاحون محصول القمح لحكومة “الإنقاذ” بـ400 دولار للطن، وربما أقل، لكن سعر طن البذار الذي توزعه “الإنقاذ” قيمته 500 دولار، ويتراوح إنتاج الدونم الواحد كمعدل بين 370 و400 كيلوغرام، تقريبًا، وفق المزارع.
وحول موعد الزراعة، وإمكانية التأخر وتأثيراتها على محصول القمح، أوضح المهندس الزراعي موسى البكر لعنب بلدي، أن مستوى طول النبات بلغ نحو 15 سنتمترًا حاليًا للقمح في سهل الروج، باعتبار أن بعض الفلاحين بدؤوا الزراعة منذ بداية الفترة، موضحًا أن تأخير الزراعة قد يضاعف تأثر النبات بالصقيع، إلى جانب ضعف الإنبات أصلًا وتأثر الإنتاجية.
البكر أشار أيضًا إلى دعم بعض المنظمات فلاحي بعض القرى بالأسمدة والأدوية الزراعية، ومع ذلك فأسعار الأسمدة لا تزال مرتفعة، لكن القمح لا يحتاج وقت الزراعة إلى رشه بالسماد، بل بعد نحو شهر ونصف تقريبًا، ويتطلب الدونم الواحد 25 كيلوغرامًا في الرشة، ما يعني 50 كيلوغرامًا من سماد “يوريا” في الموسم.
وفي ريف حلب، يختلف الوضع بالنسبة للفلاحين الذين يعتمدون أيضًا على الزراعة البعلية للقمح، فطن البذار لدى “الحكومة المؤقتة” يتراوح بين 400 و420 دولارًا، أما في السوق السوداء فسعر الطن 500 دولار، أما طن السماد فيتراوح بين 900 و950 دولارًا، وهو سعر قريب من سعر الأسمدة لدى “الإنقاذ” في إدلب.
الجنوب يتردد
وفي جنوبي سوريا، لا تعتبر ظروف زراعة القمح أفضل، إذ لم يتشجع بعض فلاحي درعا على الزراعة بسبب زيادة أجور حراثة الأرض المرتبطة بارتفاع أسعار المحروقات، وهي أزمة متفاقمة في مناطق سيطرة النظام، إلى جانب ارتفاع أسعار البذار والأسمدة أيضًا.
المزارع فيصل (45 عامًا) لفت في حديث لعنب بلدي إلى ارتفاع تكاليف الزراعة للضعف عما كانت عليه عام 2021، كما ارتفع سعر ليتر المازوت في المنطقة لنحو عشرة آلاف ليرة، مسجلًا قفزة بمعدل أربعة آلاف ليرة تقريبًا عن سعر الليتر الواحد حتى تشرين الثاني 2022.
وتتطلب حراثة دونم واحد من الأرض الزراعية في المنطقة عبر الجرار الزراعي 50 ألف ليرة سورية، بعدما كانت 20 ألفًا فقط في موسم عام 2021.
وعلى مستوى البذار، فالأسعار تتجاوز تلك المعلَنة في شمال شرقي البلاد، إذ وصل سعر الكيلوغرام من البذار الذي سلمته الجمعيات للفلاحين إلى ثلاثة آلاف ليرة.
وتتطلب زراعة دونم واحد من القمح ما بين 30 و40 كيلوغرامًا من البذار، وفق ما ذكره محمد خير (60 عامًا)، وهو مزارع من سكان منطقة تل شهاب، ويرغب بزراعة أرضه (50 دونمًا) بالقمح.
وفي 30 من تشرين الثاني 2022، سجّلت أسعار الأسمدة قفزة بمعدل 20% عن سعرها السابق، بعد ثلاثة أشهر فقط من رفع أسعارها.
وبموجب ذلك، فسعر الطن الواحد من سماد “يوريا” يبلغ ثلاثة ملايين ليرة سورية، بعدما كان 2.4 مليون ليرة.
كما بلغ سعر الطن من سماد “سوبر فوسفات” مليوني ليرة، والطن من سماد “نترات الأمونيوم” (سماد آزوتي) 1.6 مليون ليرة.
ويعتبر الحد الأدنى من سماد “نترات الأمونيوم” و”سوبر فوسفات” الواجب استخدامه، 15 كيلوغرامًا لكل دونم من كل نوع (الجمعيات الفلاحية تقدّم خمسة كيلوغرامات فقط للدونم)، وكلما زادت الكميات انعكس ذلك على جودة المحصول، وفق ما أوضحه مهندس زراعي يقيم في درعا لعنب بلدي.
السوق “لا يرحم”
وعلى الضفة الأخرى، فالأسعار غير المدعومة في الأسواق المحلية، ترتفع لأكثر من الضعف أحيانًا، ما يجعل طن سماد “يوريا” بـ5.5 مليون ليرة سورية، وطن “سوبر فوسفات” بـ2.5 مليون.
وحتى 16 من كانون الأول 2022، بلغت المساحة المزروعة بالقمح في درعا، بأسلوبي الزراعة، المروي والبعلي، 39 ألف هكتار، وفق ما نقلته الوكالة السورية للأنباء (سانا) عن مدير الزراعة في درعا، رستم الحشيش.
هذه المعطيات سبقها، في تموز 2022، حديث وزير الزراعة في حكومة النظام، محمد حسان قطنا، في مقابلة مع وكالة “سبوتنيك” الروسية، عن تراجع في إنتاج القمح عما كان متوقعًا للموسم الماضي ليبلغ 1.7 مليون طن، رغم حاجة البلاد إلى 3.2 مليون طن من القمح.
وفي ظل عدم كفاية المنتج المحلي، يفتح النظام أبوابًا بديلة للحصول على حاجة مناطق سيطرته من القمح، أحدها القمح “المنهوب” من أوكرانيا.
وبحسب تقرير نشرته وكالة “رويترز”، في 17 من كانون الأول 2022، فإن كمية القمح التي وصلت إلى سوريا من شبه جزيرة القرم الأوكرانية (ضمتها روسيا بشكل غير رسمي في 2014 لأراضيها)، زادت بمقدار 17 ضعفًا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 من شباط 2022.
وفقًا لبيانات الشحن التي لم يُبلّغ عنها سابقًا، تجاوزت كمية القمح المشحون 500 ألف طن، لتشكّل ثلث إجمالي واردات النظام تقريبًا من الحبوب.
تفاؤل في مكان.. مخاوف في آخر
وزير الاقتصاد في “الحكومة السورية المؤقتة”، عبد الكريم المصري، أوضح أن النظام لا يملك قدرات لاستيراد القمح، وليست لديه كميات مخزنة قادرة على تغطية حاجات الفلاحين.
وقال المصري لعنب بلدي، إن الإنتاج خلال الموسم الماضي في مناطق الشمال لم يكن بأفضل حالاته، لكنه على الأقل، لم يسبب أزمة طحين وقمح.
وبيّن أن الأمطار عززت الزراعة في الشمال، وزُرعت مساحات مروية من الأنهار، بينما يتراجع الإقبال في مناطق سيطرة النظام، لعدم توفر القطع الأجنبي والمحروقات والبذار، كما زُرعت مساحات مروية أيضًا.
المصري اعتبر موسم القمح مبشرًا بوفرة المحصول خارج سيطرة النظام، وهي المساحات الأكبر والتي تشكّل سلة القمح السورية، بينما تعتمد مناطق النظام على مياه الأمطار، التي لا يشكّل تساقطها كفاية في الإنتاج، ما يعني اللجوء للبدائل، كالقرصنة بالتعاون مع الروس لسرقة القمح الأوكراني.
وشكّك المصري بامتلاك مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سوريا فائضًا من القمح لتصديره للنظام، ما يعني أن صعوبات قادمة قد يواجهها النظام فيما يتعلق بالقمح، كون البذار والمحروقات والأسمدة غائبة أو باهظة الثمن، بالإضافة إلى أن الكثير من الأهالي هاجروا تاركين أراضيهم وزراعتهم، ما ينعكس بالضرورة على حجم الإنتاج.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :