"المعلم" أكبر المستفيدين..
“تسول مقنّع”.. أطفال في إدلب يمتهنون مسح السيارات
ضمن روتين عمله اليومي، يحمل الطفل إبراهيم الزريق (عشر سنوات) قطعة قماش قطنية ووعاء فيه مياه وصابون، يرشها على زجاج السيارات ويبدأ بالمسح متخذًا مكانه المعتاد عند دوار الساعة الرئيس في مدينة إدلب شمالي غربي سوريا.
بدأ الطفل إبراهيم العمل بمهنة مسح السيارات، حين عرض عليه شخص الانضمام لفريق من الأطفال الباحثين عن قوت يومهم، وهو ذات الشخص الذي يؤمّن لهم المعدات ويوصلهم بشكل يومي من منزلهم إلى مكان عملهم ذهابًا وإيابًا، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
وعن آلية عمله وما يحصل عليه من أجر، قال إبراهيم بابتسامة خجولة، إنه ما إن تقف سيارة للحظات حتى يبدأ بمسح زجاجها، وعند الانتهاء يقدم له السائق مبلغًا بسيطًا جدًا سقفه ليرة تركية، يفرح إبراهيم بها ويحرص على إدخالها في جيبه قبل أن تضيع منه، فيما ينهره آخرون للابتعاد عن سياراتهم.
يجمع إبراهيم مبلغ 20 إلى 50 ليرة تركية في اليوم الواحد، وتكون حصته منها 15 ليرة تركية، فيما يعطي الباقي لمن أسماه “المعلم”، أي من يدير العمل (كل دولار يقابل 18.5 ليرة تركية وسطيًا).
يعيش أطفال إدلب شمال غربي سوريا ظروفًا اجتماعية واقتصادية صعبة بعد مضي سنوات على الحرب، أفضت إلى واقع يسوده الفقر والنزوح والتسرب الدراسي، وراحت المنطقة تعج بأطفال الشوارع المتسولين، لدرجة أن تلك الظاهرة أضحت معتادة وطبيعية.
وظهر مؤخرًا تسول من نوع جديد أبطاله أطفال في أيديهم إسفنجة وقارورات تحتوي على منظفات، يترامون على السيارات المارة ويقومون بتنظيف زجاجها، مقابل حصولهم على بعض ليرات تركية غير آبهين بالخطر المحدق بهم في الشوارع.
ويعتبر الفقر المدقع الذي تعانيه الكثير من العائلات في إدلب، الدافع الأبرز وراء إرسال تلك العائلات أطفالها للعمل في الشوارع، لتغدو عملية مسح سيارات المارة واحدة من بين المهن التي يكسب من خلالها الأطفال قليلًا من المال يعولون به أسرهم القابعة في مخيمات النزوح.
أخطار تحيط بهم
يتعرض الأطفال في أثناء ممارسة مهنة مسح سيارات المارة لأخطار متعددة، منها الحوادث المرورية أو التحرش والاستغلال، أو العنف اللفظي والجسدي، دون أن تتحمل أي جهة حماية هؤلاء الأطفال.
تعرض الطفل إيهاب البرق (تسع سنوات) لكسر في قدمه اليسرى بعد تعرضه لحادث دهس من قبل سيارة حين ألقى بنفسه عليها لمسح بلورها الأمامي، ما أبقاه طريح الفراش لأكثر من شهر ليعود بعدها لعمله ذاته على الرغم من إمكانية تعرضه لحوادث مشابهة.
إيهاب لا يعمل مع أي جهة وإنما بمفرده، بحسب ما قاله لعنب بلدي، وذلك بعد أن لامس فقر والده المريض بالقلب، وعدم قدرته على تأمين حياة كريمة له ولإخوته الثلاثة، خاصة بعد نزوحهم عن مدينتهم معرة النعمان واستقرارهم في مخيمات إدلب العشوائية منذ قرابة الثلاث سنوات.
“أحصل على حوالي 50 ليرة تركية في اليوم من عملي هذا، ما يعود علينا بقوت يومنا وتغطية مصروف العائلة، فإن لم أعمل لن نأكل، ولذا لا يمكنني الاستغناء عن عملي هذا “، بحسب تعبير الطفل.
عامر الكردي (41 عامًا)، سائق في مدينة إدلب، أعرب عن استيائه من انتشار الظاهرة، وقال لعنب بلدي، إن هؤلاء الأطفال لا يتركون فرصة للقبول أو الرفض، وإنما يرمون بأنفسهم على السيارات ويقومون بمسحها مباشرة من دون سابق إنذار، وهو ما يدفعهم إلى إعطائهم المال تعاطفًا معهم، واضعًا اللوم على أولياء أمور هؤلاء الأطفال، ومتسائلًا عن قبولهم السماح لأبنائهم في هذا العمر بالعمل ضمن ظروف خطرة.
من جهة أخرى، قالت وفاء الكشتو (39 عامًا) لعنب بلدي، إنها مضطرة لإرسال ابنها إلى هذا العمل من أجل مساعدتها في المصروف الذي أنهكها وجعلها عاجزة عن تحمله بمفردها بعد وفاة زوجها بقصف طال مدينتهم سراقب أواخر عام 2018، تاركًا لها خمسة أبناء أكبرهم في الـ11 من عمره.
“شو جبرك على المر غير الأمر”، قالت وفاء في إشارة منها إلى الأوضاع المعيشية التي باتت في “غاية الصعوبة”، وسط الفقر الذي يحاصرها من كل جانب وقلة فرص العمل، ولا خيار بديل لديها عن الاعتماد على عمل ابنها الأكبر من أجل الحصول على حاجاتهم الأساسية، على حد تعبيرها.
“تسول مقنّع”
المرشدة الاجتماعية حنان عثمان (33 عامًا) أرجعت وجود ظاهرة ما أسمته بـ”التسول المقنّع المرتبط بتقديم خدمة ما”، إلى عدم جدوى طرق التسول التقليدية، ومحاولة ابتكار طريقة تسول جديدة لاستجرار عطف السائقين، وكل أنواع التسول مرتبطة بعوامل تفكك الأسرة وتدني التعليم، وافتقاد المعيل، وعدم اهتمام سلطات الأمر الواقع والمجتمع المدني والمحلي بهذه الفئة.
وأبرزت عثمان الأخطار التي يتعرض لها أطفال الشوارع عبر اكتساب عادات “غير أخلاقية، واستغلالهم كتجارة مربحة للعصابات التي تتاجر بالأطفال، عدا عن الأمور الأخرى التي يمكن أن يتعرض لها الطفل، والتي تجعله عُرضة للتحرش الجنسي، ما ينبئ بأجيال مسحوقة داخليًا وممتلئة بالكراهية والانتقام”، بحسب تعبيرها.
وألقت المرشدة اللوم على الآباء بالدرجة الأولى، الذين يجب عليهم مراقبة أطفالهم وإرشادهم إلى المدارس بدل الشوارع، ومنحهم حقوقهم كاملة في الرعاية والحماية، وعلى منظمات المجتمع المدني بالدرجة الثانية، التي لم تتعامل مع الأمر بشكل حقيقي، ولم تولِ هؤلاء الأطفال أي اهتمام، ولم تعمل على إعادتهم إلى مدارسهم وتحسين واقعهم وواقع عوائلهم المعيشية.
وبحسب فريق “منسقو الاستجابة”، بلغت نسبة العائلات الواقعة تحت حد الفقر 84% في الشمال السوري، وفقًا للأسعار الأساسية وموارد الدخل، ونسبة العائلات الواقعة تحت حد الجوع 36% من إجمالي العائلات الواقعة تحت حد الفقر، وذلك لعدة اعتبارات أهمها عدد أفراد العائلة العاملين، وأسعار الصرف المتغيرة، وعوامل أخرى.
وصنّف الفريق جميع القاطنين ضمن المخيمات المنتشرة في المنطقة تحت خط الفقر، كما يصنّف 18% من نازحي المخيمات ضمن حد الجوع.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :