حنين للأبناء وسعي للعيش.. الحرب تعصف بعجائز الحسكة
الحسكة – مجد السالم
يعاني كبار السن في محافظة الحسكة مجموعة من التحديات، في ظل التدهور الاقتصادي المستمر والوضع الأمني الهش، خصوصًا مع سفر الأبناء.
وتشتكي مجموعة من كبار السن قابلتهم عنب بلدي في المحافظة، الحالة الاجتماعية التي تغيرت جذريًا عقب سفر أبنائهم خارج البلاد.
وتحدث بعضهم عن أن الوضع المعيشي المتردي لم يترك مجالًا لهم للتفكير بمن غادروا، فتأمين معيشة اليوم هو ما يشغل بال الجميع.
العزلة وغياب “الأحباب”
من مرة في الأسبوع إلى زبون “شبه دائم” لأحد المقاهي القديمة في مدينة القامشلي، هكذا أصبح قدور مخيليل (71 عامًا) يقضي معظم وقته في المقهى، وسط “ضجيج الزبائن الذين يلعبون الورق دون توقف”.
يدرك العجوز قدور أن المقاهي التي تعج بدخان النرجيلة، وبقايا السجائر، غير مناسبة لصحته، لكنه المكان الوحيد الذي يملأ وقته، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
لدى قدور أربعة أولاد، لجأ ثلاثة منهم إلى أوروبا خلال السنوات الخمس الماضية، بحثًا عن مستقبل أفضل، بينما بقي رابعهم في مدينة القامشلي، وهو مشغول بالسعي وراء معيشته.
بجسده الهزيل ولباسه التقليدي الذي يبدو ثقيلًا، كان قدور يشير يمينًا وشمالًا، واصفًا أسباب رفضه هجرة أبنائه إلى خارج سوريا.
وجهة نظره، أن أبناءه صغار في السن، لم يتزوجوا بعد، كان عليهم الانتظار قليلًا، وتأجيل السفر.
وفي الوقت نفسه، كان يعي أن عليه الاختيار بين العيش في “شوق دائم لهم”، أو القلق الدائم عليهم من “التجنيد الإلزامي، وتدهور الوضع الأمني”، إذ قُتل إثر ذلك الكثير من الشباب، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
يتحدث قدور مع أبنائه بين الحين والآخر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي وصفها بـ”النعمة”، رغم أنه لا يجيد استخدامها، ويساعده في ذلك ابنه الذي بقي إلى جانبه في القامشلي.
يرى قدور أولاده من خلال ميزة الاتصال المرئي، وقال، إن رؤيتهم، ولو عبر شاشة صغيرة وصورة غير واضحة، “يهدئ من الشوق والقلق”.
وسبق أن شهدت سوريا موجات نزوح داخلي وخارجي إلى تركيا والدول الأوروبية، أثّرت في حياة السكان، وتسببت الظروف والملاحقات الأمنية في تشتيت العوائل.
واضطر أكثر من 13 مليون شخص إما للفرار خارج البلاد، وإما للنزوح داخل حدودها، بحسب أحدث إحصائية صادرة عن الأمم المتحدة.
بينما يحتاج حوالي 5.9 مليون شخص ممن بقوا في سوريا إلى المساعدة من أجل تأمين المسكن الآمن لهم، ولا يزال الكثيرون يواجهون تحديات من حيث الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية.
تحديات صحية “بالجملة”
عبد الله محمد (41 عامًا) يدير مخبرًا للتحاليل في مدينة القامشلي شرقي سوريا، قال لعنب بلدي، إن معظم من يأتي إلى المخبر لإجراء تحاليل، هم من كبار السن الذي يعانون أمراضًا مزمنة “بالجملة”، كالضغط والسكري والتهاب البروستات وآلام المفاصل وغيرها.
وأضاف أن الوضع المادي المتدني للعائلات التي تضم فردًا كبيرًا بالسن، ينعكس بوضوح على الرعاية المقدمة لهم، فهم يعانون “سوء التغذية”، وعدم المواظبة بشكل منتظم على الأدوية.
واعتبر أن هذه العوامل تأتي نتيجة عدم القدرة على تأمين ثمن الأدوية بشكل دائم، خصوصًا بعد الارتفاع الأخير في أسعارها، إذ وصل سعر علبة دواء الضغط إلى نحو عشرة آلاف ليرة سورية.
وسبق أن رفعت حكومة النظام السوري أسعار الأدوية في مناطق سيطرتها، بينما تأثرت مناطق نفوذ “الإدارة الذاتية” بهذا الارتفاع، بحسب ما تحدثت عنه مواقع موالية للنظام، وأكدته مصادر محلية لعنب بلدي.
ارتفاع الأسعار، وعدم وجود معيل، دفعا ببعض المسنين إلى اللجوء للمنظمات الدولية والجمعيات المحلية، لتأمين الأدوية اللازمة مجانًا أو بأسعار رمزية، إلا أن هذا الخيار ليس متاحًا دائمًا أو للجميع.
وسبق أن توقفت بعض أنشطة المنظمات في محافظة الحسكة وتحديدًا في مدينة القامشلي خلال السنوات الماضية، مثل منظمة “أطباء بلا حدود”، التي كانت تقدم أدوية الأمراض المزمنة لكبار السن بشكل مجاني ودوري، ثم نقلت نشاطها إلى الحسكة المدينة بالإضافة لمخيم “الهول”.
أحد العاملين في جمعية محلية ناشطة بريف القامشلي (تحفظ على اسمه واسم الجمعية لأسباب أمنية) قال لعنب بلدي، إن ضعف الاهتمام بهذه الفئة بشكل عام من “جميع الجمعيات والمنظمات في المنطقة”، يفاقم من وضعها الصحي والنفسي.
وكمثال على ما سبق، قال المصدر، إنه خلال فترة عمله مع زملاء في القطاع الإغاثي والطبي على مدار السنوات الأربع الماضية، نفذوا برنامجًا واحدًا يخص المسنين، ووزعوا خلاله كراسي متحركة للعجائز منهم، إضافة إلى فراش خاص لقسم من المسنين العاجزين عن الحركة بشكل كامل.
وفي ظل غياب الإحصائيات الرسمية عن عدد المسنين الذين هم بحاجة إلى رعاية في المحافظة، قال المصدر، إن الجمعية أحصت نحو 1500 مسن في كامل الريف الجنوبي للقامشلي ومنطقة تل حميس، وهي إحصائية “لا تشمل بقية مناطق المحافظة بما فيها المدن”.
أوضاع “مزرية” تجبرهم على العمل
على الرغم من بلوغه سن 70 عامًا، لا يزال محمد السطام (أبو سعدة) يقف خلف عربته في سوق “الهال” يبيع بعض أنواع الخضار، منذ شروق الشمس وحتى المغيب.
وبحسب ما قاله لعنب بلدي، يعمل محمد على هذا النحو منذ تسع سنوات، ومع تدهور قيمة الليرة السورية والغلاء المعيشي، زادت حاجته إلى العمل أكثر “في الوقت الذي يفترض فيه أن يرتاح بعد هذا العمر”.
تأمين حاجات المنزل من طعام وشراب ومحروقات وغاز وخبز وغيرها، بحسب محمد، يتطلب من جميع أفراد العائلة العمل، فالرواتب والأجور اليومية “متدنية” ولا تفي بالغرض.
وبحسب السبعيني محمد، فإن سوق “الهال” تحوي الكثير من كبار السن، ممن يعملون على الرغم من تجاوزهم سن التقاعد، إذ تجبرهم الظروف على البحث عن فرص عمل رغم تقدمهم في السن.
ورصدت عنب بلدي العديد من المهن التي يعمل فيها رجال تخطوا أو اقتربوا من الـ70 من العمر، كالعمل في حراسة أبنية قيد الإنشاء، أو بيع أوراق “اليانصيب” سيرًا على الأقدام في الشوارع وبين الحارات، أو على “بسطات” لبيع الدخان، أو بيع الخضار، أو الألعاب.
حسب إحصائيات المكتب المركزي للإحصاء، التابع ل، تبلغ نسبة العمال الذين تتجاوز أعمارهم الـ50 سنة 26.2% من القوى العاملة بين الذكور، أي أكثر من الربع، في ظل هجرة الشباب.
وفقًا لأرقام “الإحصاء”، فإن 11.7% من القوى العاملة بين الذكور، يتراوح حكومة النظام السوريعمرها ما بين 50 و54 عامًا، و7.3% ما بين 55 و59 عامًا، و4.1% ما بين 60 و64 عامًا، و3.1% فوق 65 عامًا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :