“الإبادة الجماعية”.. تعريف “ضيق” لا يشمل جرائم النظام السوري
دفعت صور المدن المدمرة والمقاطع المصوّرة التي وثّقت الجرائم التي ارتكبها النظام السوري بحق المدنيين، العديد من السوريين لاعتقاد أن ما فعله النظام كان “إبادة جماعية”.
واستخدم السوريون مصطلح الإبادة الجماعية في الشارع السوري مرارًا خلال محاولات وصف ما يحدث في سوريا وتسليط الضوء على الأعمال العسكرية، بينما تتعارض الجرائم المرتكبة في سوريا مع المعايير القانونية لجرائم الإبادة الجماعية.
وبهدف إيضاح الفروق بين الإبادة الجماعية والجرائم المرتكَبة من قبل النظام السوري، قدّم “المركز السوري للعدالة والمساءلة” جلسة تدريبية حول جريمة الإبادة الجماعية وأركانها والقواعد الناظمة لها، في 29 من تشرين الثاني الماضي.
وباعتبار ما يحدث في سوريا نزاعًا مسلحًا غير دولي، يحاكَم أطراف النزاع استنادًا إلى “قانون النزاعات المسلحة”، وتُعنى “المحكمة الجنائية الدولية” بمحاسبة الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
“استهداف سياسي”
منذ بدء الصراع في سوريا، نقلت العديد من وسائل الإعلام السورية والصفحات المحلية أنباء عن استهداف النظام السوري مرارًا للطائفة السنية، وارتكاب العديد من المجازر بحقها، وهو ما استند إليه الشارع السوري لوصف جرائم النظام على أنها إبادة جماعية للسنة.
وخلال الجلسة التدريبية، طرح الحضور تساؤلات عديدة حول أسباب عدم توافق استهداف النظام السوري للسنة باعتبارهم “جماعة دينية” مع أركان جريمة الإبادة الجماعية.
المدير القانوني لـ”المركز السوري للعدالة والمساءلة”، روجر ليو فيليبس، قال لعنب بلدي، إن للإبادة الجماعية تعريفًا قانونيًا “ضيقًا” ومحددًا يتطلب نية واضحة لتدمير مجموعة محمية كليًا أو جزئيًا.
وتختلف جرائم الإبادة الجماعية عن الجرائم المرتكبة بحق السنة، بـ”قصد التدمير”، إذ استهدف النظام السوري السنة بسبب معارضتهم لحكومته، وليس بهدف تدمير هذه الجماعة، وفق ما قاله فيليبس.
ويتطلب تصنيف الجرائم على أنها إبادة جماعية وجود أدلة على “قصد التدمير” بشكل ممنهج، ما يمكن أن يؤدي إلى هلاك هذه الجماعة ضمن الجماعات الأربع.
ورغم أن التغيير الديموغرافي الذي عمل عليه النظام يمكن أن يكون مؤشرًا على ارتكاب جريمة إبادة جماعية في حال كان مصممًا لخلق ظروف معيشية تقضي على الجماعة، لا يعتبر هذا التغيير كافيًا لإثبات الجريمة إن لم يتوفر ركن “قصد التدمير” بشكل واضح، بحسب ما قاله المدير القانوني للمركز.
كما يتناقض مفهوم استهداف النظام السوري للسنة مع المفهوم القانوني للإبادة الجماعية، باعتبار النظام لم يستهدف كل شخص سني، واقتصر استهدافه لهم على مناطق محددة دون أخرى.
انتهاكات جسيمة تتطلب المحاسبة
ظهر خلال الجلسة التدريبية توجه العديد من السوريين لوصف جرائم النظام على أنها جرائم إبادة جماعية، بهدف تعزيز فرص المحاسبة وإحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية، ما يلغي الحصانة الدبلوماسية لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، وكبار مسؤوليه.
في المقابل، قال “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، إن انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا لا تقل أهمية عن جريمة الإبادة الجماعية.
ورغم أن مسؤولية النظام عن جرائم الإبادة الجماعية يمكن أن تسهم بخلق التزام دولي إيجابي تجاه مسار المحاسبة، تباطأ المجتمع الدولي باتخاذ إجراء بما يتعلق بالجرائم المصنفة على أنها إبادة جماعية، وفق ما قاله المدير القانوني لـ”المركز السوري للعدالة والمساءلة”، روجر ليو فيليبس.
وأضاف أن مسؤولية الحكومة السورية عن آلاف الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب واضحة للمجتمع الدولي.
وتوفر الأطر القانونية لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية مساحة واسعة لوصف “الفظائع” والانتهاكات، وفرض أحكام مطولة تتناسب مع الدمار الذي فرضه النظام على شعبه، وفق ما قاله فيليبس.
ويختلف تعريف جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وتحمل كل منها نظامًا قانونيًا مختلفًا وعقوبات مختلفة على المستوى الدولي.
ما جريمة الإبادة الجماعية؟
تعرف الإبادة الجماعية بـ”قتل أعضاء من الجماعة، وإلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة، وإخضاعهم، عمدًا، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليًا أو جزئيًا، وفرض تدابير تستهدف عدم إنجاب الأطفال داخل الجماعة، ونقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى”، وفق اتفاقية “منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقَبة عليها” الصادرة في 1948.
وتعدّ سوريا طرفًا من بين 140 دولة ضمن الاتفاقية، إذ صدّقت سوريا عليها عام 1955، ما يعني تعهدها بأن تتخذ التدابير التشريعية اللازمة لضمان إنفاذ أحكام الاتفاقية، خصوصًا وضع عقوبات بحق المدانين بارتكاب الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المنصوص عليها في الاتفاقية.
وتنص الاتفاقية على وجوب معاقبة الأشخاص الذين يرتكبون الإبادة الجماعية أو الأفعال الأخرى المذكورة أعلاه، سواء كانوا حكامًا مسؤولين دستوريًا أو موظفين عامين أو أفرادًا.
وتُحيي الأمم المتحدة ذكرى ضحايا جرائم الإبادة الجماعية، في 9 من كانون الأول من كل عام، بهدف زيادة الوعي باتفاقية “منع الإبادة الجماعية”، والاحتفاء بدورها في مكافحة ومنع هذه الجريمة وتكريم ضحاياها.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :