في 9 من كانون الأول الحالي، أقام مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” ومقره اسطنبول، أول مؤتمر بحثي من نوعه حول سوريا، إذ ناقش المؤتمر عدة أوراق بحثية تمحورت حول موضوع “الحوكمة في سوريا ما بعد 2011.. التحديات والفرص”.
عُقد المؤتمر، الذي حضرته عنب بلدي، في مبنى جامعة “ميدبول” التركية، وحضره عدد من الباحثين السوريين على اختلاف تخصصاتهم واهتماماتهم، فيزيائيًا، وافتراضيًا.
وناقش المؤتمر ثماني أوراق بحثية، كان بعضها مشتركًا بين اثنين من الباحثين، وعلى الطرف المقابل اختار المركز عددًا من الباحثين الحاضرين لتحكيم الورقة البحثية، والتعليق على محتواها من حيث طريقة البحث، وجمع المعلومات، وطريقة اختيار الموضوع، وأهميته في السياق السوري حاليًا، وغيرها من الملاحظات.
العنوان العريض.. الحوكمة
تناولت الأوراق البحثية المقدمة ضمن المؤتمر العديد من الموضوعات المتعلقة بالشأن السوري حاليًا، إذ قدمت الباحثة السورية رغداء زيدان ورقة بحثية بعنوان “مبادئ وضمانات الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد في الدستور السوري مستقبلًا”، حكّمها الباحث نجيب الغضبان.
كما قدّم الباحث علي حلاق ورقة بعنوان “واقع حوكمة المهجرين في الحكومة السورية المؤقتة وبعض النقابات العلمية ما بعد عام 2011″، حكّمها الباحث إسماعيل الخلفان، بينما قدّم الباحث محمد صخر بعث ورقة بحثية بعنوان “قوى الأمن والانتخابات في سوريا، البنى والأدوار، التحديات ووسائل الإصلاح”، حكّمها الباحث معن طلاع.
وعلى الجانب الاقتصادي، قدّم كل من الباحثين محمد العبد الله ونجمة عبد الغني ورقة بحثية مشتركة بعنوان “حوكمة القطاع المالي في مناطق شمال غربي سوريا.. الواقع والتحديات”، حكّمها الباحث عبد الناصر الجاسم.
كما ناقش الباحث أنس الدبس ورقة بعنوان “واقع حوكمة الشركات بالمناطق المحررة في سوريا بعد عام 2011.. الفرص والتحديات”، حكّمها الباحث ياسر الحسين.
وعن “دور اقتصاد الحرب في تراجع مؤشرات الحوكمة في القطاع العام السوري”، قدّم الباحث يحيى السيد عمر ورقة بحثية ضمن المؤتمر، حكّمها الباحث سنان حتاحت.
بينما ناقش الباحث سمير عليوي ورقة بعنوان “حلم دولة القانون والحوكمة الرشيدة في سوريا منذ العام 2011.. بين النص والتطبيق وآفاق المستقبل”، حكّمها الباحث نجيب الغضبان.
كما قدّم كل من الباحثين مجيب خطاب وناجي رضوان ورقة بحثية مشتركة، حكّمتها الباحثة سمية المالاتي، بعنوان “تحديات وفرص الحوكمة في قطاع التعليم ما قبل الجامعي بشمال غربي سوريا في مدينة اعزاز”.
الأبحاث “فقيرة”
تعرّف الحوكمة على أنها مجموعة القواعد والقوانين والأسس التي تضبط عمل المؤسسات والشركات، وتحقق الرقابة الفعالة على إدراتها، وتنظم العلاقة بينها وبين أصحاب المصلحة، وذلك بهدف تحقيق الشفافية والعدالة ومكافحة الفساد. |
وحول اختيار الحوكمة عنوانًا لهذا المؤتمر، الذي تمحورت حوله جميع الأوراق البحثية المقدّمة، قال المدير التنفيذي لمركز “عمران”، الدكتور عمار القحف، في حديث إلى عنب بلدي، إنه موضوع “فقير” على مستوى الأبحاث، فمن النادر ما يكتب عنه كجذر من جذور الصراع وانتفاضة الشعب السوري ضد النظام الحاكم.
وتتمثّل رؤية مركز “عمران” في هذا السياق، بحسب ما أوضحه القحف، بأن من أهم أسباب الثورة السورية، غياب مشاركة الشعب بصنع القرار، وعدم توضيح العلاقة الصحيحة بين دور الشعب ودور نظام الحكم سواء كان نظام الحكم المحلي أو على مستوى المحافظة وغيره، مضيفًا أنه في سوريا لا يوجد دور فعال لمشاركة الشعب في السلطة والقرار وإدارة الموارد واختيار ممثليه وإدارة التنوع المجتمعي.
وأوضح القحف أن لبّ تفتيت هذا الاستبداد يكمن في تطوير رؤى سورية تقنية تعنى بشكل الحوكمة في مستقبل سوريا، وهي جزء من استعادة السوريين للقرار.
ومن المهم، برأي الدكتور عمار القحف، رغم قلة الأبحاث وضعف المصادر في قطاع الحوكمة، تشجيع الباحثين السوريين بشكل أساسي للعمل على تطوير أبحاثهم في هذا السياق، وإشراك الباحثين غير السوريين من جهة ثانية ليكونوا على اطلاع بعمق الأزمة الحقيقية في بنية نظام الحكم بسوريا، حيث لا يوجد مكان إطلاقًا لمشاركة الشعب في القرار والسلطة وإدارة الموارد وكل أنواع الإدارة على اختلافها.
ويرى القحف أن هذا النوع من المؤتمرات مهم لفتح المجال أكثر أمام السوريين والسوريات، للمشاركة بمساهماتهم الجامعية، على اختلاف تخصصاتهم، وتعزيز ثقافة العمل البحثي لديهم، للمساهمة في تطوير زخم معرفي غني يسهم ببناء تصورات لمستقبل سوريا.
لماذا الحوكمة؟
الباحث في المجال الاقتصادي وسياسات التنمية بمركز “عمران”، محمد العبد الله، قال إنه في ضوء المشهد الحوكمي الجديد الذي ألمّ بالواقع الحوكمي في سوريا بعد عام 2011 بمختلف مناطق النفوذ، تأتي أهمية البحث في جانب الحوكمة، ومحاولة تشخيص هذا الواقع من مختلف الأبعاد والزوايا، بحيث يمكن البناء على ذلك لتقديم فهم حقيقي لهذا الواقع.
وأضاف العبد الله، في حديث إلى عنب بلدي، أن محاولة استعراض الواقع الحوكمي في قطاعات عدة عبر الأوراق البحثية التي قُدمت خلال المؤتمر، عززت أهمية النتائج التي توصلت إليها الأبحاث، بحيث تعكس الواقع الحوكمي عن قرب، وتقدّم توصيات لسياسات ملائمة من شأنها معالجة الاختلالات الحوكمية في القطاعات المبحوثة بالحاضر والمستقبل.
واعتبر العبد الله أنه لهذه المؤتمرات البحثية دورًا مهمًا ومحوريًا في واقعنا السوري، من حيث تناولها القضايا والإشكاليات التي تمس هذا الواقع، وبالتالي، فإن النجاح في مثل هذه الفعاليات البحثية ينبع من مدى ملامستها لهذه الإشكاليات البحثية.
كما يحفّز هذا النوع من المؤتمرات، برأي الباحث محمد العبد الله، الباحثين السوريين للخوض في الجوانب البحثية المتعددة، وبما يخدم الملف السوري من جانب بحثي ومن مختلف الزوايا، وإتاحة الفرصة لجميع المهتمين من الباحثين وذوي المصلحة للقاء الجماعي وتبادل الأفكار حول ما يتم طرحه من نتائج وتوصيات.
–