فجر كل يوم يستيقظ حسين (35 عامًا) ليتوجه إلى عمله في منطقة باغجلار من مكان إقامته في حي الفاتح بإسطنبول، وخلال رحلته اليومية التي يبلغ طولها أكثر من خمسة كيلومترات، دون أوراق ثبوتية أو بطاقة “حماية مؤقتة” (كيملك)، يتخللها دعوات وآمال ألا يصادف نقطة تفتيش للشرطة في طريقه.
ورغم أنه وصل إلى مدينة اسطنبول عام 2016، لم يستخرج بطاقة “الحماية المؤقتة” نظرًا لعدم أهميتها في ذلك الوقت، بحسب ما قاله لعنب بلدي، ثم تحولت الأمور من أوراق ثبوتية “ثانوية”، إلى أوراق يعاقب من لم يستخرجها بالترحيل خارج البلاد.
مع استمرار تحديث القوانين المتعلقة باللاجئين السوريين في تركيا بشكل دوري، وتضييق النطاق الجغرافي المتاح لإقامة السوريين في تركيا بات من الضروري بالنسبة للعائلات السورية أن تكون قيودهم القانونية صادرة عن الولاية نفسها.
وتعتبر ولاية اسطنبول الأعلى كثافة من حيث عدد السوريين، بينما تعتبر الإجراءات القانونية للمعيشة فيها صعبة بالنسبة لحملة بطاقات “الحماية المؤقتة”.
كانت ولاية اسطنبول أولى المدن التركية التي أوقفت استخراج بطاقات “الحماية” للسوريين، وعندما قدمت زوجة حسين من سوريا عام 2018، كان استخراج البطاقات متوقفًا، وبالتالي صار قلقًا من ترحيله وزوجته لسوريا.
ومع مرور الوقت رزق حسين بطفلة، ورزق بـ”كملك” لزوجته التي أجرت ولادتها في مستشفى حكومي تركي، ما دفع المستشفى للتقدم بطلب واستخراج الأوراق لزوجته، إلا أنه لم يتمكن من استخراج أوراق لنفسه.
مئات الكيلومترات لإثبات الحضور
قال حسين إنه في عام 2020 صدر قرار عن دائرة الهجرة يسمح باستخراج “كملك” للمقيمين في تركيا بشكل غير قانوني، ما دفعه إلى التوجه برفقة صديقه (تركي الجنسية) إلى توزلا التابعة لولاية اسطنبول لاستخراج الكيملك.
وصف حسين لعنب بلدي المشهد بأن مبنى إدارة الهجرة في المنطقة كان “يغرق” بين المراجعين لكثرتهم، إذ لم يتمكن من الدخول حينها نظرًا لأعداد المخالفين الكبيرة.
بعد مرور أكثر من شهر عاد حسين إلى توزلا مجددًا للسؤال عن استخراج أوراق ثبوتية، وهناك أبلغه الموظف أن عليه الذهاب إلى ولاية توكات شمالي البلاد، حيث سيتمكن من إجراء معاملاته القانونية.
ورغم أن مدينة توكات تبعد عن اسطنبول أكثر من 650 كيلومترًا، قرر حسين التوجه إليها لاستخراج “كملك”، فعلى الأقل لن يتعرض لترحيل مفاجئ في حال أوقفه شرطي في الطريق، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
عند وصوله إلى توكات، أخذ الموظف جواز سفره وإثبات هويته الصادر من سوريا ليثبت، ثم أبلغه أن عليه الحضور إلى دائرة الهجرة في توكات خلال 15 يومًا للتوقيع على أوراق تثبت حضوره في الولاية، وفي حال أتم عددًا غير محدد من التواقيع، سيحصل على بطاقة “الحماية المؤقتة”.
وأضاف حسين، لعنب بلدي، أن آماله كانت معلقة على عدد من التوقيعات التي يجب إجراؤها لمدة زمنية يجهلها، لكنه واصل الذهاب إلى توكات بشكل دوري، على أمل الحصول على أوراق ثبوتية.
ومع مرور ستة أشهر من مراجعة دائرة الهجرة كان الموظف يبلغ حسين أن عدد التوقيعات أو المدة الزمنية التي يجب عليها الانتظار فيها للحصول على قيود لا تزال مجهولة، ما دفعة للتوقف عن مراجعة الولاية وعاد ليقيم بشكل غير قانوني في اسطنبول.
“دفع” نحو السماسرة
عام 2021، أتاحت دائرة الهجرة التركية إمكانية نقل قيود أفراد العائلة إلى ولاية أخرى يقيم فيها شخص آخر من أفراد العائلة نفسها (أقارب الدرجة الأولى)، وهو ما دفع حسين إلى مراجعة دائرة الهجرة في بيازيد باسطنبول، لكن الموظف أبلغه أن خيارات النقل متوقفة بالنسبة لمن لا يملكون أوراقًا ثبوتية بالمجمل.
ويعتبر خيار النقل متاحًا بالنسبة لمن يملكون أوراقًا ثبوتية مستخرجة من دوائر الهجرة في الولايات التركية الأخرى، ما دفع حسين إلى العودة لولاية توكات للسؤال عن آلية حصوله على بطاقة “حماية مؤقتة”، ليخبره الموظف حينها، أن عليه استخراج “كملك” من ولاية اسطنبول كون عائلته تقيم فيها، وهو ما ينص عليه القانون.
ومع تقاذف دوائر الهجرة لحسين بين الولايات التركية، قال لعنب بلدي إنه دُفع للبحث عن سمسار يمكن أن يستخرج له “كملك” مقابل مبلغ مالي، لكن المبالغ التي طلبت منه في هذا الصدد كانت “خيالية”.
ووصلت مطالب السماسرة لاستخراج كملك صادر عن ولاية اسطنبول إلى 2000 دولار أمريكي، وهو ما يعادل راتبه الشهري لنحو خمسة أشهر، مع احتمالية أن تكون الأوراق الصادرة عن طريق السمسار “مزورة أو غير قانونية”.
ما “الحماية المؤقتة”؟
تمنح بطاقة “الحماية المؤقتة” من قبل الحكومة التركية للاجئين السوريين، فضلًا عن الأشخاص عديمي الجنسية، الذين جاءوا إلى تركيا بسبب الأحداث في سوريا بعد 28 أبريل 2011.
وتعتبر المديرية العامة لإدارة الهجرة هي الهيئة الحكومية المسؤولة عن جميع إجراءات اللجوء في تركيا، بما في ذلك نظام “الحماية المؤقتة”.
كجزء من نظام الحماية المؤقتة، يقبل المواطنين السوريين واللاجئين وعديمي الجنسية القادمين من سوريا، ممن يطلبون الحماية من السلطات التركية في ظل الظروف العادية، ويمكن بعد ذلك طلب والحصول على “الحماية المؤقتة”.
و في ظل الظروف العادية لا تتم إعادتهم إلى سوريا ما لم يطلبوا أنفسهم أن يفعلوا ذلك، بحسب التعريف الذي وفره موقع مفوضية اللاجئين التابع للأمم المتحدة عن “الحماية المؤقتة“.