الصحفي السوري غيث حمّور يفتتح مشواره الأدبي بـ”أبيض قانٍ”
أطلق الصحفي السوري غيث حمّور روايته الأولى “أبيض قانٍ”، في حفل توقيع بمنطقة الفاتح، وسط مدينة اسطنبول التركية، حضره مثقفون وصحفيون عاملون في وسائل إعلام مرئية ومكتوبة ومسموعة، وذلك مساء السبت 24 من كانون الأول.
وألقى الصحفي الشاب كلمة قصيرة تطرّق خلالها إلى رحلة معاناة جمعته بمنتجه الأدبي البكر على مدار سنوات، قبل كتابة الكلمة الأخيرة وإطلاق العمل للنشر.
غيث حمّور صحفي سوري من مواليد دمشق عام 1982، حاصل على بكالوريوس في الإعلام من جامعة “دمشق”، وماجستير في التلفزيون والسينما من جامعة “بهشة شهير” في تركيا.
وتشكّل “أبيض قانٍ” أول أعمال حمّور الأدبية، لكنها لن تكون الأخيرة، وفق ما بيّنه خلال حديث إلى عنب بلدي على هامش حفل توقيع الرواية.
لماذا “أبيض قانٍ”؟
حول سبب تسمية الرواية بهذا الاسم، أوضح غيث حمّور أن الشخصية الرئيسة في الرواية “سناء” ذات قلب أبيض (كناية عن نقاء القلب)، وتبدأ أحداث الرواية بارتدائها الأبيض، لكن وخلال مسيرتها ضمن العمل يطغى اللون “الأحمر القاني”، وهو لون الدم، إلى جانب الألم الذي يرافق بطلة الرواية طوال الوقت.
وكما يفسرها الكاتب، تنطلق أحداث الرواية في ريف دمشق، وتنتهي في بلاد اللجوء، وتحديدًا السويد، وهي رحلة عمرها عشر سنوات تتنقل خلالها “سناء” من مكان لآخر، رافضة الاستسلام، وباحثة في الوقت نفسه عن سلامها الشخصي.
وبالحديث عن الإنتاج الأدبي الذي يعالج قضايا الثورة السورية، اعتبر حمّور أن ما صدر خلال الثورة غير كافٍ، ولم يغطِّها من كل الجوانب كمًا أو نوعًا، وعزا ذلك إلى ظروف التمويل والدعم المادي، ووجود أو عدم وجود دور نشر داعمة، وشركات منتجة تمضي نحو ترجمة النص للغات أخرى، أو تحويله إلى عمل بصري.
ويعني استمرار الكتابة مواصلة محاولة إسماع الصوت السوري للعالم، لافتًا إلى توجهه لترجمة “أبيض قانٍ” للإنجليزية، على أمل وصولها إلى أكبر عدد ممكن من القرّاء على اختلاف ثقافاتهم ولغاتهم الأم.
الجمهور حكم
على مدار السنوات القليلة الماضية، ظهرت العديد من الأعمال الأدبية التي لم تمنح أصحابها مفاتيح الاستمرارية في الإنتاج الأدبي، الأمر الذي شبهه بعض القراء بـ”الموضة”، وبيّن حمّور أن القارئ فقط قادر على التمييز في هذه الحالة ومعرفة من يكتب عن مقدرة أم ضمن “ركوب للموجة”.
كما أوضح في الوقت نفسه أن الكتابة ليست حكرًا على أحد، وكل من لديه قصة أو حكاية يريد أن يرويها يمكنه تفريغها على الورق، لكن ما يختلف هو المستوى والتأثير.
“كان لدي كتابات كثيرة من قبل لم أنشرها، حتى جاءت (أبيض قانٍ) فنشرتها لأنني راضٍ عنها”، ومن الصعب أصلًا نشر أي رواية دون دعم، ما يعني أن دار النشر هي من يقرر إذا ما كان العمل يستحق الطباعة أم لا، وفق حمّور.
وحول المنتج الأدبي الذي رافق الثورة، لفت الصحفي إلى أعمال الروائي فواز حداد، وهي روايات توثيقية تفضح النظام ومؤسساته العاملة ضد السوريين، ومنها “السوريون الأعداء”، ورواية الكاتب خالد خليفة “لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة”، معتبرًا أن نتاج الكتّاب الكبار يفرض نفسه، إلى جانب الأسماء الشابة التي تحاول أن تفتح طريقها الأدبي، ما اعتبره حركة لإغناء الشارع الثقافي والرواية العربية عمومًا.
وتتطلب بداية أي كاتب جديد مرحلة تأسيس عبر القراءة والاطلاع على الكتب والروايات، لكن مسألة خلق مكان ومكانة بين الكتّاب الكبار مسألة صعبة مرتبطة نسبيًا بعامل الزمن، وكثافة المنتج، وجودته أولًا، كما أن الفضاء الإلكتروني أصبح مفتوحًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وصار بإمكان الراغب بطرح منتجه البحث عن طريقة إبداعية لترويجه وجذب الناس، وفق الكاتب.
جهد سنوات
ينوي حمّور المتابعة في المجال الأدبي، مشيرًا إلى أن كتابه الثاني سيصدر قريبًا، وهو دراسة عن السينما تحت عنوان “الثقافة والسلطوية في ظل الأنظمة السلطوية، السينما السورية بعد 2011 نموذجًا”، كما بدأ كتابة روايته الثانية التي تدور أحداثها في عالم أجهزة المخابرات السورية، محاولًا عدم تأطير نفسه بجنس أدبي محدد.
وليس من السهل تأطير الكاتب ضمن فئة معيّنة من الموضوعات وحصره في إطارها، فهو ليس مغنيًا أو ممثلًا، ومقتني الكتاب يعتمد على اختياراته الموضوعية، وفق الصحفي.
واستغرقت رواية “أبيض قانٍ” جهد ثلاث سنوات، منذ عام 2019، والفكرة حاضرة من قبل في نطاق التطوير، لكن مع بداية تفشي فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، وضع الكاتب مخططًا عامًا لروايته، وتسلسل أحداثها ومكوّنات فصولها، قبل الانطلاق للكتابة.
“في وقت ما توقفت عن الكتابة وكان ممكنًا ألا أتابع، لأنني كنت أتعب، فعيش هذه اللحظات باستمرار وتخيّل المشاهد باعث على الألم، ما دفعني للابتعاد قليلًا، لكنني قررت المتابعة في نهاية المطاف”.
الدراما ممكنة
يبدي الكاتب غيث حمّور رغبة بتحويل الأدب إلى دراما وسينما، موضحًا أن “أبيض قانٍ” يمكن أن تكون مسلسلًا من عشر حلقات تتناول كل منها سنة من حياة البطلة ضمن تغريبتها الشخصية التي تعد جزءًا من تغريبة السوريين بالمجمل.
كما يعتبر أن النتاج الثوري في المنحى الأدبي، وإن كان توثيقيًا جزئيًا، فهو رسالة للأجيال القادمة وسرد أحداث ليعرف الآخرون ما الذي جرى في سوريا، وما الذي اختبره السوريون في حياتهم، مشيرًا إلى أن الأدب انعكاس للواقع، ولا يجب تصنيفه ضمن خانات ومسميات، من قبيل أدب مهجر أو غربة ولجوء.
ويمكن للكلمة أن تلعب دور الكاميرا إذا كانت قادرة على تصوير الحدث ونقل المشاعر للقارئ، ونقله إلى حيث يريد الكاتب تمامًا، ليعيش القارئ معاناة الكاتب، فالتأثير بوابة لرد الفعل، ما يتطلب مواصلة محاولة تحقيق التأثير، وفق حمّور.
الكاتب لا يناصر النظام
بالنظر إلى الحالة الثقافية في صفوف الثورة من جهة، ولدى النظام السوري من جهة أخرى، يرى غيث حمّور أنه لا يوجد حاليًا روائي سوري ثقيل الوزن أدبيًا يقف إلى جانب النظام، مستشهدًا بأسماء عدد من الكتّاب السوريين المعارضين، ومبينًا في الوقت نفسه، أن هؤلاء الكتّاب معارضون حتى لو لم يكونوا منسجمين مع صورة الثورة بواقعها الحالي، وهم مغتربون لأنهم مناهضون للنظام، كما أن الكتّاب تحت جناح النظام تابعون ويعملون بشكل آلي لخدمة روايته، وبالتالي لا يمكن أن يكونوا مبدعين.
حمّور ركّز أيضًا على توجيه العمل الأدبي الذي يتناول الثورة بصورة ما لغير السوريين، على اعتبار أن عملية الإقناع ونقل الرسالة في هذه الحالة لا تستهدف السوريين الذين يعلمون حقيقة ما يجري، بل الأطراف الأخرى من الغرب والعرب الذين يعلمون جانبًا فقط من القصة، مبينًا أن النظام لا يولي قطاع الإنتاج الأدبي اهتمامًا حقيقيًا.
كما يأمل الكاتب أن يأتي وقت يتمكن فيه من توقيع رواياته المستقبلية في سوريا، حين تتحول إلى وطن يحترم الجميع، وفق تعبيره.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :