الأسد.. ورقة الانتخابات التركية والتسوية المستحيلة
عنب بلدي – خالد الجرعتلي
منذ بدء تشكّل ملامح الخطط الانتخابية التركية منتصف العام الحالي، تكرر الأحزاب السياسية في البلاد، بدءًا من حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، ووصولًا إلى أحزاب تأثيرها متواضع، تصريحاتها عن خطط للتوافق مع النظام السوري ورئيسه بشار الأسد، في إطار التسويق للمشاريع الانتخابية.
ولم توقف الحكومة التركية تصريحات مسؤوليها عن الاستعداد للتقارب، في حين وردت تصريحات مماثلة على لسان مسؤولين بأحزاب المعارضة التركية، تصب في نفس الإطار.
الأسد.. واجهة لـ”معاداة اللاجئين”
مع بداية كل انتخابات تشهدها تركيا، يتصدّر ملف اللاجئين السوريين المشهد، إذ تحاول أحزاب المعارضة تقديم قضية اللاجئين السوريين الذين يبلغ عددهم أكثر من 3.5 مليون على أنها من بين أكبر مشكلات البلاد، وأنها تسعى لتقديم حلول لها.
لكن في سياق التحضير للانتخابات المقبلة، يحتل الحوار مع الأسد أو الوصول إلى تسوية معه أو تطبيع العلاقات، حصة أكبر من الحملات الانتخابية السابقة.
وفي أحدث المواقف الرسمية، أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أنه عرض على نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، إجراء لقاء ثلاثي على مستوى الزعماء سيضم بشار الأسد، وقال أردوغان، إنه اعتبارًا من الآن، “نريد أن نتخذ خطوة كثلاثي سوريا وتركيا وروسيا”، وذلك في تصريحات صحفية أدلى بها عقب زيارة أجراها إلى تركمانستان.
الباحث السياسي والصحفي التركي ليفنت كمال، قال لعنب بلدي، إن رئيس النظام السوري، بشار الأسد، ليس قضية حاسمة فعلًا في الانتخابات التركية، على عكس ما تصوّره تصريحات السياسيين الأتراك من جميع الأطراف.
وأضاف أن الحديث عن الجلوس مع الأسد، أو تقديم تنازلات له، أو طرح مفاوضات معه، ما هو إلا “اتجاه مناهض للاجئين”، وهو ما حاولت المعارضة التركية الرفع من حدته خلال السنوات الماضية، وهي وجهة نظر “ضحلة للغاية”، تريد منها المعارضة معاداة الرئيس التركي.
وحاولت المعارضة خلال السنوات الماضية تعزيز هذا الموقف، من خلال “تحويل اللاجئين إلى أعداء”، وما نراه اليوم هو نجاح جزئي للمعارضة في “تسييس ملف اللاجئين”، لنرى اليوم حتى أردوغان و”دائرته المقربة” قد استسلموا لهذا الاتجاه “المناهض للاجئين”، بحسب ليفنت كمال.
وأوضح الصحفي والباحث أنه من خلال بناء موقفها المناهض للاجئين السوريين، تعمل المعارضة التركية في الواقع على تحويل معارضتها لأردوغان إلى “إطار سياسي يدعم الأسد”.
النظام السوري.. مضار أو فوائد لتركيا
أوحت التصريحات التركية في سياق التقارب مع النظام، وإعلان أحزاب معارضة إرسال وفود، وطلب اجتماعات في دمشق، بأن بشار الأسد يمكن فعلًا أن يقدم فوائد سياسية لأي حكومة تركية مقبلة، حتى لو اقتصر الأمر على صعيد الانتخابات المقبلة.
لكن ليفنت كمال يرى أن الأسد هو “زعيم لدولة فاشلة مقسّمة بين مساهمي السلطة”، وبالتالي ليس لديه ما يقدمه للأحزاب السياسية التركية من الناحية الاقتصادية أو السياسية أو الأمنية.
وأضاف أنه ليس لدى النظام السوري ما يقدمه سواء للمعارضة التركية أو للحزب الحاكم على حد سواء، لكن عداء المعارضة التركية لأردوغان “أعمى” لدرجة أن الأحزاب السياسية التي تصف نفسها بـ”الديمقراطية” لا تتردد في دعم “دكتاتور” لتحقيق مكاسب انتخابية.
وبالنظر إلى تجربة تقارب الأردن مع النظام السوري، يمكن رؤية مدى المضار التي خلّفها النظام على حدود الأردن الجنوبية من أخطار على صعيد الأمن القومي، وتحويل المنطقة إلى ممر للمخدرات.
وفي هذا الإطار قال الصحفي والباحث التركي، إن جميع الأحزاب السياسية التركية المنخرطة في سباق الانتخابات اليوم، بدءًا بالحزب الحاكم ووصولًا إلى أصغر الأحزاب السياسية، “لم تفكر حول هذه القضية بالتفصيل”.
علاوة على ذلك، فإن المصالحة مع النظام اليوم، أو حتى إحلال “السلام” معه، “ستكون له تكلفة طويلة الأجل على تركيا”، فالقضية ليست فقط “إرهاب المخدرات” عبر الجماعات المدعومة من إيران، إنما سوء تقدير أيضًا، إذ لن ينهي التقارب مع النظام علاقته مع حزب “العمال الكردستاني” (PKK) الممتدة منذ السبعينيات، وستجد تركيا”PKK” المحظور والمصنف إرهابيًا يتعاون مع دمشق وإيران على حدودها الجنوبية، ما سيؤدي بطبيعة الحال إلى مضاعفة أخطار اليوم.
وضرب مثالًا بالحالة العراقية اليوم، فبدعم من إيران وبغداد، لا يزال “العمال الكردستاني” يمثّل “مشكلة خطيرة ضد تركيا في العراق”.
“التسوية المستحيلة”
على الصعيد الميداني اليوم، بات جليًا أن العلاقات التركية مع النظام السوري أكثر تعقيدًا من أن تُحل من خلال اجتماع لوزراء الخارجية أو اجتماع استخباراتي مغلق.
وتطالب تركيا اليوم بانتقال سياسي للسلطة في سوريا، وتأمين بيئة آمنة لعودة اللاجئين السوريين، في حين يطالب النظام السوري تركيا بسحب قواتها من الأراضي السورية بالكامل.
وترى تركيا أيضًا أن وجود قواتها في سوريا أحبط مخططًا لإنشاء كيان كردي تديره مجموعات مصنفة على قوائم الإرهاب لديها، بالتالي فإن سحب قواتها من سوريا يعتبر مسألة خطر على الأمن القومي للبلاد.
الباحث والصحفي التركي ليفنت كمال أضاف، خلال حديثه لعنب بلدي، أن تطبيق خيار التقارب مستحيل في الوقت الحالي، إذ لا يستطيع أردوغان والأسد حل المشكلات في سوريا من خلال اجتماع بينهما.
وليس من الممكن للنظام السوري حل مشكلة “العمال الكردستاني” نيابة عن تركيا، ومن ناحية أخرى، من الصعب جدًا على تركيا التخلي عن المطالبة بتطبيق قرار الأمم المتحدة “2254” بشأن سوريا.
وأشار إلى أن العوائق التي تمنع تحويل مسار “أستانة” (تركيا من الدول الضامنة له إلى جانب روسيا وإيران) إلى عملية تتجاوز “2254” عالية جدًا، لذلك فحتى لو حصل لقاء بين الطرفين “لن يتمكنا من حل أي مشكلة في سوريا”.
وفسر الباحث خطوة أردوغان الإيجابية تجاه النظام، بأنها دليل على الطرح القائل إن الحزب الحاكم استسلم لتوجه المعارضة في معاداة للاجئين، وإن روسيا لها تأثير متزايد على أنقرة.
المعارضة قد تساوم على الانسحاب من سوريا
تحدثت مواقع إعلامية تركية، في 22 من كانون الأول الحالي، عن أن حزب “الشعب الجمهوري” التركي المعارض، أرسل “رسالة سرية” قدّم فيها تنازلات لبشار الأسد إذا ما فاز بالانتخابات التركية المزمع إجراؤها منتصف العام المقبل.
وقال موقع “haber7” التركي، نقلًا عن الصحفي الأرمني السوري الموالي للنظام سركيس قصارجيان، إن رسالة الحزب التركي “تضمنت تنازلات وتعويضات للنظام حال فوزه بالانتخابات”.
ليفنت كمال قال إن التيار القومي من المعارضة التركية يدعم العمليات ضد “العمال الكردستاني” في سوريا، لكن مع ذلك، لن يتردد في سحب الجيش التركي إذا قدم النظام وعودًا بإعادة اللاجئين.
في حين أن بقية الأحزاب السياسية (غير القومية) منفتحة على التفاوض والمساومة مع الأسد بشأن الجيش التركي، ويتضح هذا الاتجاه من البيانات التي أدلت بها هذه الأحزاب حتى الآن.
وفي الوقت نفسه، قال الصحفي ليفنت كمال، إن المعارضة التركية لا تملك حتى الآن برنامجًا واضحًا حول قضايا الأمن القومي التركي، ومع ذلك، يبدو أن حزب “الديمقراطية والتقدم”، الذي انسلخ عن “العدالة والتنمية”، وحزب “الشعب الجمهوري”، مستعدان لتقديم تنازلات لكل من حزب “الشعوب الديمقراطي” (التركي/ الكردي)، و”وحدات حماية الشعب” (الكردية) في سوريا.
وبالتالي يبدو أن هذه الأحزاب متجهة لربط “قضية المصالحة مع الجماعات الكردية”، باستخدام قضية اللاجئين السوريين، بدلًا عن قضايا الأمن القومي في الانتخابات، وهذه، بحسب الصحفي والباحث ليفنت كمال، “مشكلة خطيرة”، لأنها ستترك تركيا بمواجهة تهديد “العمال الكردستاني” من العراق إلى البحر الأبيض المتوسط.
موقف الأحزاب التركية من الأسد
صرح الأمين العام لحزب “وطن” (Vatan Partisi)، أوزغور بورسالي، في 17 من آب الماضي، عن نية حزبه إرسال وفد إلى سوريا، ولقاء رئيس النظام، بشار الأسد، وشخصيات “رفيعة المستوى”، وهو ما رفضه النظام لاحقًا.
بينما أعلن رئيس حزب “الديمقراطية والتقدم”، علي باباجان، في ذات اليوم، أن الحزب مستعد للقاء جميع الأطراف، وخصوصًا النظام السوري، وروسيا، والولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، لضمان الأمن في سوريا، وتهيئة الظروف لعودة السوريين إلى بلادهم.
بينما قال رئيس حزب “المستقبل” التركي، أحمد داوود أوغلو، في 13 من الشهر نفسه، إن اللقاءات التركية- السورية ممكنة وفق ثلاثة أهداف سياسية، أولها إظهار النظام إرادة الصلح مع شعبه، وسيطرته على الحدود مع تركيا، ووجود “رسالة إيجابية” من النظام بالنسبة لتركيا.
في حين يعارض حزب “الشعب الجمهوري” (أكبر حزب معارض) موقف حكومة “العدالة والتنمية” المناهض للنظام السوري، ويرى أن التطبيع مع النظام ضرورة لضمان عودة اللاجئين، وأنه جاهز لتحقيق هذا التطبيع في حال فوزه بالسلطة، وسبق أن قال رئيسه كليجدار أوغلو، “سأقوم بتأسيس مبادرة السلام في الشرق الأوسط، بالتعاون بين تركيا وإيران والعراق وسوريا”.
بينما لا يختلف موقف حزب “الحركة القومية” التركي عن موقف “العدالة والتنمية”، كونه حليفًا له في مشواره الانتخابي منذ سنوات، إذ أصدر بيانًا منتصف آب الماضي، واصفًا خطوات تقارب تركيا مع النظام بـ”القيمة والدقيقة”.
وعن حزب “الجيد” التركي، فيعتبر من أكبر الداعين إلى إجراء محادثات مباشرة مع النظام السوري، لكونه يعتقد أن هذه المحادثات تفتح الباب أمام السوريين للعودة إلى بلدهم، وسبق أن خاطبت رئيسته ميرال أكشنار أردوغان بالقول، “إذا لم تكن راغبًا في الحديث مع الأسد، فأرسلني إليه لأتحدث معه، كي يأخذ شعبه”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :