الحسكة – مجد السالم
يشتهر جلال الضحوي (68 عامًا) من ريف بلدة القحطانية جنوبي محافظة الحسكة، بجمع السبح النادرة والعتيقة، والعملات المعدنية التي ترمز للماضي.
يتلقى الرجل الستيني جلال بعض السبح القديمة كهدايا من دول الخليج العربي خاصة، وصارت بحوزته مجموعة قيمة يحتفظ بها في “حقيبة” بأرقام سرية، بعضها يصل ثمنه إلى 100 دولار تقريبًا.
يلجأ الرجل إلى حقيبة السبح والعملات عند أي ضائقة مالية، لكن أعدادها تتناقص مع كل طارئ.
وقال جلال لعنب بلدي، إن أغلب تكاليف ولادة ابنته جاءت من خلال بيع سبحة مطرزة بالفضة، بقيمة 50 دولارًا تقريبًا.
وما يحزن الرجل الستيني، عدم مقدرته على استرداد السبح والعملات القديمة التي يبيعها أو شراء غيرها، لغلائها مقابل سوء الأحوال المعيشية، بحسب قوله.
جمع هذه المقتنيات هواية لدى جلال، لكنها مكلفة عند الحديث عن أشياء قديمة أو نفيسة، فيما تغلب أولويات أخرى في الحياة مثل تأمين لقمة العيش.
يعرف جلال جميع المحال و”البسطات” التي تبيع وتشتري السبح والعملات وخواتم الفضة القديمة المنتشرة في سوق القامشلي وغيرها من مدن المحافظة، وأصحابها بدورهم يعرفونه، لكن تردده عليها أصبح لغرض البيع لا الشراء كما عُرف عنه.
مهنة المتعة والحظ
الشاب وليد الحسين (29 عامًا) كان يعمل مندوبًا للأدوية، وبحكم عمله فهو يتجول يوميًا في أغلب مدن المحافظة كالجوادية، والمالكية، ورميلان، واليعربية، والدرباسية.
زيارة “بسطات” ومحال هذه المقتنيات أصبحت جزءًا من عمل وليد أيضًا، وفق ما قاله لعنب بلدي، إذ صار وسيطًا لشراء أشياء محددة لأشخاص مقيمين خارج البلاد حتى مقابل نسبة معيّنة.
مع مرور الوقت، تفرغ وليد لهذه المهنة بشكل كامل، مستفيدًا من خبرته في السوق، وقدرته على جلب المقتنيات من مدينة ليبيعها في سوق مدينة أخرى.
يعد الشاب هذا العمل ممتعًا، لكنه يعتمد على الحظ أيضًا، فهو تارة يوفّق في “تجرة رابحة بيوم واحد تعادل أجر شهر كامل في عمله السابق”، ومرات يكون فيها أقل، لكن الخسارة شبه معدومة، بحسب قوله.
لا يكتفي الشاب بالبيع عبر المحال و”البسطات”، إذ وجد في مجموعات متخصصة على وسائل التواصل الاجتماعي سوقًا كبيرة تجمع الهواة من أنحاء العالم.
يعرض وليد ما يقتنيه على هذه المجموعات، ويعقد صفقات البيع عن طريق “الأونلاين” أحيانًا، لكنه يجد صعوبة باستقبال ثمن البضاعة في حال كان المشتري خارج سوريا.
15 عامًا قضاها علاء الحمدوش (45 عامًا)، صاحب “بسطة” لبيع وشراء السبح والعملات القديمة، في هذه المهنة، ويتفرد بعرضه لسبح مطعمة بالفضة إلى جانب أحجار كريمة، يصل سعر بعضها إلى مليون ليرة سورية.
وعن حركة البيع والشراء يؤكد أنها قليلة، وليست كما كانت سابقًا، فالناس “جوعى”، بحسب ما قاله لعنب بلدي، مضيفًا أن “اقتناء مثل هذه الأشياء بات ترفًا”.
أحيانًا، يمر الأسبوع دون أن يبيع علاء شيئًا، لكنه يوفق في مواضع أخرى يعوّض فيها خسارته الضمنية، رغم ذلك فإن العمل على “بسطة” لا يثقل كاهله بتحمل مصاريف الإيجار والضرائب، ما يعينه على الاستمرار في عمله.
يعاني أهالي محافظة الحسكة الغلاء المعيشي، وانخفاض قيمة الأجور والمعاشات الشهرية في القطاع الخاص والعام، ما يدفع العديد منهم للعمل بشكل مستقل.
وفي 30 من تشرين الأول الماضي، أصدرت “الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سوريا قرارًا برفع أجور العاملين الشهرية في مناطق نفوذها، بإضافة مبلغ 100 ألف ليرة سورية (17 دولارًا تقريبًا).
وتبدأ رواتب العاملين في “الإدارة الذاتية” بـ260 ألف ليرة سورية (42 دولارًا أمريكيًا)، وهي رواتب المعلمين، وترتفع تدريجيًا تبعًا للمؤسسة التي يعمل فيها الموظف أو المنصب أو الشهادة التي يحملها، حتى تصل إلى 900 ألف ليرة سورية (155 دولارًا تقريبًا).
وتشهد أسواق شمال شرقي سوريا موجة غلاء تشمل معظم المواد الأساسية، وفي مقدمتها البقوليات والحبوب والزيوت النباتية وبعض أنواع المعلبات المستوردة، ترافقها حالة من الاستياء العام لدى السكان.
قطاع خارج المساءلة
العملات القديمة الموجودة في السوق على قسمين، بحسب وليد الحسين، منها ما يُعد قطعًا أثرية، وهي ما يخشى الشاب الاتجار بها تفاديًا للمساءلة القانونية، ويقتصر في تجارته على العملات التي لا يتجاوز عمرها 100 عام.
أما السبح التي تدخل في صناعتها أحجار كريمة، فتكون بأغلبيتها مستوردة من العراق أو تركيا أو إيران إلى جانب دول الخليج العربي.
ومن أنواع هذه الأحجار، “الكهرمان” و”الفيروز” و”الكوك” عالية السعر لشغلها المتقَن، وفي المقابل، توجد في دمشق وحلب معامل لصناعة السبح، لكن إنتاجها يعتمد على الجانب التجاري، ولا يجذب الهاوين رغم انخفاض سعرها.
ولا توجد في المحافظة جهة أو مؤسسة تنظم هذا المجال، وفق ما قاله وليد، وعوضًا عن ذلك، يكون الاعتماد على أصحاب الخبرة الذين يلجأ إليهم التجار لتقييم مقتنياتهم.