تطورت بنية المؤسسات الإعلامية السورية المستقلة التي ظهرت بعد 2011، والتي اتسم العديد منها بتقديم معلومات ونشرات أخبار موضوعية، تميزت بالمهنية، وتعدد الآراء، كما شارك بعضها بتأسيس آليات للتنظيم الذاتي، وفي مسعاها لإيجاد البنية الداخلية المثلى للعمل الإعلامي، عُقد منتدى طُرحت فيه مشكلات الإعلاميين والمؤسسات فيما يخص المساءلة الداخلية، نحو أداء مهني أفضل.
واختُتم المنتدى الحواري الذي نظمته هيئة “ميثاق شرف للإعلاميين السوريين”، بالتعاون مع “رابطة الصحفيين السوريين”، في 17 من كانون الأول الحالي، والذي جاء بعنوان “تفعيل أدوات المساءلة الداخلية”، حيث وُضعت توصيات شارك في صياغتها نحو 25 من العاملين وصنّاع القرار بالمجال الإعلامي، بالإضافة إلى عاملين بمنظمات المجتمع المدني.
وناقش المشاركون الطرق التي تضمن حقوق الموظفين والمؤسسات، بما في ذلك دور “الرابطة”.
وأشار الحضور إلى ضرورة مراعاة المؤسسات الإعلامية حقوق الصحفيين والعاملين فيها، من خلال العدل في الأجور، وساعات العمل، وشفافية عقود العمل، والسياسات والأنظمة الداخلية ومدونة السلوك التي لا تطبق فعليًا في بعض المؤسسات.
وأدار الحوار رئيس “رابطة الصحفيين السوريين”، سمير مطر، الذي طرح النقاش حول مشكلات المساءلة الداخلية في مؤسسات الإعلام ومنظمات المجتمع المدني السورية، كما تطرق إلى تجربته في وسائل الإعلام الألمانية بخصوص المساءلة والعمل النقابي.
في عام 2015، صدر عن مجموعة من وسائل الإعلام السورية البديلة عن وسائل إعلام النظام السوري، ميثاق جامع ينظم عملها، تحت اسم “ميثاق شرف للإعلاميين السوريين”، ضمن منظمة مستقلة غير حكومية لا تتبع لأي جهة.
وأنشأت هيئة الميثاق نظامًا خاصًا بالشكاوى مستقلًا عن إدارة الميثاق، في مطلع شباط الماضي، بهدف تطوير الممارسة الإعلامية، ورفع الجودة المهنية للمحتوى الصحفي المنشور في وسائل الإعلام السورية المختلفة، وللتعامل مع الشكاوى الواردة من مستخدمي هذه الوسائل بشأن الانتهاكات المحتملة لأخلاقيات الصحافة. شُكّلت “رابطة الصحفيين السوريين” في شباط 2012، ويتبنى أعضاؤها داخل وخارج سوريا رؤية تتمحور حول تمكين الصحافة المهنية والأخلاقية، وإيجاد بيئة مستقلة للعمل في قطاع الإعلام السوري من خلال التدريب المتواصل، وإلغاء القوانين التي تقيّد الصحافة وتؤثر على أداء الصحفيين السوريين، بهدف تطوير الحوار الاجتماعي، وتعزيز الوعي بالصحافة كسلطة رابعة مسؤولة عن التطور دون معوقات، بحسب الموقع الرسمي للرابطة. |
تطوير العلاقة بين المؤسسة والفرد
طرح المشاركون في المنتدى تجاربهم الشخصية لناحية التوظيف والعقود، ومنها ما ترافق بانعدام العقود أو غموضها في حال وُجدت، أو عدم الالتزام بالشفافية، وما ينتج عن ذلك من “علاقة مضطربة” بين العاملين وإدارة المؤسسة، وصلت في بعض الأحيان إلى رفع دعاوى من قبل الموظف المستقيل بحق إدارة وظيفته السابقة.
أكد رئيس “رابطة الصحفيين”، سمير مطر، لعنب بلدي، أهمية هذه الجلسة الحوارية في القطاع الإعلامي، كونها تصب في مصلحة المؤسسات الإعلامية والموظفين، لتطوير العلاقة السليمة وحوكمتها بينهما، في مواجهة التحديات التي تقف بوجه بذل الموظف كل الجهد اللازم لتطوير عمل المؤسسة.
وأكد مطر الحاجة إلى المساءلة الداخلية، التي تتمثل بضرورة وجود ووضوح نقاط عقد العمل، وإطلاع الموظف على كل واجباته وحقوقه، وأن تكون لديه الإمكانية لتقديم شكوى في حال إساءة استخدام السلطة داخل المؤسسة.
وبحسب تجربته الإعلامية في ألمانيا، يرى مطر أن الظروف التي توجد فيها وسائل الإعلام السورية في بلاد اللجوء، لا يمكن مقارنتها مع ظروف الاستقرار في البلدان الغربية، لكنه قال، إنه يمكن على الأقل أن تطمح المؤسسات الإعلامية السورية في تركيا لأن ترقى إلى مستوى العلاقة المهنية بين الموظف والمؤسسة بما يضمن حقوق الطرفين.
من جانبه، قال مدير البرامج في شبكة “درعا 24″، المنضوية ضمن “ميثاق شرف للإعلاميين”، حسن خلف، لعنب بلدي، إن إقامة المنتدى تنبع من حاجة لدى المؤسسات الإعلامية، بحيث يشكّل مظلة تجمع المؤسسات الإعلامية والمدنية المستقلة للتنسيق وتبادل الخبرات بينها.
وأضاف أن تحقيق المساءلة الداخلية يتطلب وجود بيئة عمل صحية، وتحقيق معايير العمل المؤسساتي، وهو ما ليس موجودًا في العديد المؤسسات الإعلامية السورية، مشيرًا إلى ما تتطلّبه بيئة العمل السرية، وعدم الظهور لسلامة الأفراد العاملين في الداخل السوري أو أقاربهم للعاملين في بلاد اللجوء، وضعف الحالة القانونية المطلوبة في البلد المضيف.
ما دور “الرابطة” و”الميثاق”؟
اقترح المشاركون في المنتدى وجود طرف ثالث للوساطة بين المؤسسة الإعلامية والصحفي، يُحتكم إليه في حال حدوث خلاف بين الطرفين، وأن يكون هناك توافق على الطرف الثالث من قبل الموظف والمؤسسة.
رئيس “رابطة الصحفيين السوريين”، سمير مطر، بيّن لعنب بلدي أنه لا يوجد حاليًا دور بشكل مباشر للرابطة بما يخص المساءلة الداخلية، وإنما لديها دور توعوي يكمن في رفع المستوى المعرفي والحقوقي للصحفيين، بحيث تكون لديهم المعرفة الكاملة لحقوقهم قبل دخولهم في شراكة مع أي مؤسسة إعلامية، على حد قوله.
منسق لجنة الشكاوى ضمن “ميثاق شرف للإعلاميين”، إبراهيم حسين، أوضح بدوره لعنب بلدي، أن نظام الشكاوى يختص حصرًا بمدى التزام المؤسسات الإعلامية بمدونة السلوك الإعلامي في المحتوى الذي تقدمه عبر منصاتها المختلفة، ولا دور للجنة الشكاوى في الخلافات بين المؤسسات وموظفيها.
وحول إمكانية تطور دور اللجنة لتلقي مثل هذه الشكاوى، يعتقد حسين أنه لا حاجة إلى تعديل نظام الشكاوى لتوسيع صلاحيته بحيث يشمل المشكلات الناجمة عن العلاقة الوظيفية، باعتبار أن هناك جهات أخرى يمكن لها تأدية هذا الدور، مثل “رابطة الصحفيين السوريين”، التي تمارس ضمن أدوارها المختلفة دورًا نقابيًا.
حسين لم يستبعد أن يتعاون “الميثاق” مع “الرابطة” وجهات حقوقية سورية، لتشكيل لجنة خاصة تلعب دورًا في حل الخلافات الناجمة عن الوظيفة في حال تعاون المؤسسات الإعلامية وقبولها بذلك.
ويرى العامل في شبكة “درعا 24” حسن خلف، أن مسؤولية تفعيل أدوات المساءلة الداخلية تقع على المؤسسة بإدارتها وموظفيها، عن طريق تفعيل نظام داخلي يراعي المساءلة، مثل إحداث قسم “Internal audit”، الذي يساعد المؤسسة في تحقيق أهدافها من خلال اتباع أسلوب منهجي ومنظّم في تقويم وتحسين فاعلية عمليات إدارة المخاطر والرقابة والحوكمة، مع إمكانية وجود “كيان خارجي” بدور استشاري، مثل “الرابطة”.
تعقيدات قانونية
عرض موظفو المؤسسات الإعلامية المشاركون في المنتدى حالات لمؤسسات لا تتبنى تسجيل موظفيها بشكل قانوني في تركيا، بسبب التكاليف المالية المترتبة مقابل ضعف التمويل.
وفي المقابل، ناقش إداريو عدد من المؤسسات الإعلامية حالات رفض بعض الموظفين تسجيلهم بشكل قانوني بعقود نظامية ضمن التأمينات الاجتماعية، بحجة إلغاء كرت “الهلال الأحمر” في حال حصولهم على التأمين، أو لأن بعض عقود العمل قصيرة المدة، وتجعل من الصعب على المتطوع في المؤسسة والعامل في مجال آخر أن يترك عمله خوفًا من فقدان الاستقرار المالي بعد نهاية عقد العمل.
منسق لجنة الشكاوى في “الميثاق”، إبراهيم حسين، قال، إن المؤسسات الإعلامية السورية تصطدم بجملة من الصعوبات التي تمنعها من توفيق أوضاعها مع القوانين في تركيا، وخاصة فيما يتعلق بقوانين العمل.
وعزا حسين هذه الصعوبات لدى المؤسسات لأسباب مالية وموضوعية، مثل شرط تعيين عدد من الموظفين الأتراك مقابل كل شخص سوري يعمل لديها، فتضطر لتشغيلهم دون عقود نظامية.
وتابع أن معظم هذه المؤسسات لم تتمكن من الحصول لكل موظفيها على “إذن العمل” الذي يشترط القانون التركي أن يحصل عليه الأجنبي كي يعمل بصورة قانونية في البلاد، وذلك إما بسبب “التعقيدات الكثيرة” التي ترافق عملية طلب “إذن العمل”، وإما بسبب “المعايير غير المفهومة” أحيانًا، والتي يستند إليها الجانب التركي في رفض الطلب، ما يجعل الموظف السوري يعمل بشكل مخالف للقانون، على حد قوله.
ومن ناحية المؤسسات، أوضح المحامي حسين وجود “صعوبات” في تسجيل المؤسسة بالسجلات الرسمية التركية بصفتها “مؤسسات إعلامية”، لذا يجري اللجوء للحصول على تراخيص تحت مسميات أخرى، تكون إجراءاتها أسهل وتبعاتها المالية أقل.
وتسهم الإجراءات التي يشترطها القانون التركي بمجال الحوالات المالية والتعامل مع الحسابات البنكية، في عدم قدرة المؤسسات الإعلامية السورية على التقيد بالقانون “بشكل كامل”، بحسب حسين، في ظل “العلاقة المعقدة” التي يفرضها وجود داعم أجنبي يمنح المال في سياق مشروع له ميزانيته المحدودة، التي لا تراعي التكاليف الإضافية التي يرتبها التزام المؤسسة بالقانون، لجهة دفع التأمينات والضرائب عن أجور موظفيها أو المصاريف التي يتطلبها عملها.
ما التوصيات؟
توافق المشاركون في المنتدى على عدة نقاط، أبرزها السعي لوجود مذكرة تفاهم بين “رابطة الصحفيين السوريين” والمؤسسات الإعلامية السورية، لتكون “الرابطة” وسيطة بين العاملين ومؤسساتهم، بالإضافة إلى ضرورة صياغة مدونة سلوك ناظمة للعمل، تضمن حقوق المؤسسة والصحفي، مع مراعاة إشراك الصحفيين في صياغتها.
وأضاف المشاركون مقترحات حول ضرورة مشاركة “الرابطة” بدورها في تدريب وتطوير أدوات ومهارات الصحفيين، وتشكيل لجنة “مسلكية” مختصة لحل المشكلات والقضايا العالقة بين الموظفين والمؤسسة.
وشدّد الصحفيون على ضرورة وجود صندوق شكاوى في كل مؤسسة، يوصل الشكوى للإدارة وممثل عن “الرابطة” ينتخبه الصحفيون وتوافق عليه المؤسسة الإعلامية أيضًا، ما يسهم في حل كثير من القضايا العالقة بين الطرفين، مع التركيز على أهمية أن تكون عقود العمل واضحة بين المؤسسة والصحفي، وتراعي الحقوق والواجبات، ومنح العاملين كافة الحقوق وفق الشرعة الدولية وقوانين العمل، وأكدوا ضرورة حماية الموظفين من الفصل التعسفي.
ويعتقد منسق لجنة الشكاوى، إبراهيم حسين، أن التوصيات لم تصدر عن فراغ، بل جاءت نتيجة نقاشات مستفيضة شارك فيها حقوقيون وممثلون عن مؤسسات إعلامية، إضافة إلى إعلاميين يعملون ضمن المؤسسات، ووصفها بـ”الواقعية ويمكن تطبيقها” إن كانت هناك متابعة وتعاون.
أما مدير البرامج في “درعا 24″، حسن خلف، فوصف التوصيات بـ”الجيدة”، لكن قابليتها للتطبيق ترتبط بوضع المؤسسة، من حيث بيئة العمل أمنيًا وقانونيًا، ونظامها الداخلي.
–