عنب بلدي – جنى العيسى
تتخذ حكومة النظام السوري من دعم التصدير وتحفيزه، مقابل تقليص فاتورة الاستيراد، سياسة تتبعها منذ سنوات، تدعمها بقرارات تصب في مصلحة هذه السياسة بالدرجة الأولى، بحسب إعلاناتها.
ومنذ سنوات، لم تنتهِ انتقادات التجار والصناعيين في سياق مطالباتهم بتسهيل عملية التصدير أكثر، ومنحهم المزيد من الحوافز على ذلك، بينما بدا أثر هذه السياسة واضحًا في السوق المحلية على أسعار العديد من المنتجات التي تم تصديرها بكميات لا تراعي حجم الطلب الداخلي عليها.
ويثير إصرار الحكومة على هذه السياسة التساؤلات حول جدواها وأثرها على السوق المحلية، في ظل أرقام عالية من العجز يسجلها الميزان التجاري في سوريا.
قرارات تروّج.. الواقع مغاير
خلال السنوات الماضية، اتخذت حكومة النظام العديد من القرارات بهدف “دعم وتنمية الصادرات”، كان آخرها وعودًا تتعلق ببدء العمل على دعم الحصول على شهادات الجودة العالمية الخاصة بالتصدير، وتأمين وحدات الخزن والتبريد لكل المنتجات المعدّة للتصدير، من خلال منح التسهيلات اللازمة للاستثمار في هذا المجال.
كما وجهت الحكومة المخابر للإسراع بإصدار نتائج تحليل العيّنات المرسَلة لها من البضائع المعدّة للتصدير، خصوصًا الزراعية والغذائية، بالإضافة إلى منح قروض ميسّرة لمراكز الفرز والتوضيب، ووضع آلية مناسبة لتفتيش البضائع بحيث لا تؤدي إلى التلف.
بينما لا يبدو أن هذه القرارات وغيرها تسهم بدعم التصدير، الأمر الذي يتضح من خلال انتقادات الصناعيين والتجار المتكررة، آخرها تصريح رئيس “غرفة تجارة دمشق”، أبو الهدى اللحام، بأن المنتج السوري “الذي يتغنى به كثيرون”، غير قادر، بوضعه الحالي، على المنافسة عالميًا.
وأضاف اللحام في حديث لموقع “غلوبال” المحلي، في 11 من كانون الأول الحالي، أن أسباب ذلك تعود إلى ضعف دخل المواطن، وضعف أجور العمال الذين باتوا يعملون بأجور ورواتب منخفضة لا تتناسب مع الأعمال التي يقومون بها.
وبحسب اللحام، يقتصر التصدير من سوريا حاليًا على المواد الغذائية والمعلبات فقط، دون أن ينجح أي من المعامل في تصدير منتجاته، إلا الشركات التي أنشأت معامل في دول الجوار كالأردن ومصر، والتي أساسًا تصدّر من تلك الدول، بحسب قوله.
واعتبر اللحام أن جودة المنتج لوحدها لا تكفي، مضيفًا أن ما يلزم المنتج السوري لتصديره، جودة مبيعات، وجودة تسليم، وجودة حركة النقل ونفقاتها، لكي يستطيع التنافس مع الدول الأخرى، التي تتغلب عليه بالجودة أساسًا.
“لم تنجح” في سوريا
تبرر الحكومة اتباعها سياسة “زيادة الصادرات”، بتأمين القطع الأجنبي لاستيراد العديد من المواد والسلع الأساسية الضرورية لاستمرار وتشغيل المنشآت الإنتاجية بطاقات إنتاجية مقبولة، بحسب إعلان سابق لوزير الاقتصاد، محمد سامر الخليل، مطلع كانون الأول الحالي.
الباحث في الاقتصاد السياسي الدكتور يحيى السيد عمر، قال لعنب بلدي، إنه من بديهيات تحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي، العمل على زيادة كمية وقيمة الصادرات، وتقليص كمية وقيمة الواردات، مشيرًا إلى أن كل الحكومات تسعى لتعزيز صادراتها وتقليل وارداتها.
وأضاف السيد عمر أن هذا الأمر في حال تم بنجاح، من الممكن أن ينعكس إيجابًا على طيف واسع من المؤشرات الاقتصادية، كالميزان التجاري وميزان المدفوعات، والناتج المحلي الإجمالي وقيمة العملة الوطنية، ومعدل البطالة وغيرها من المؤشرات.
وحول الواقع في سوريا، أوضح السيد عمر أن حكومة النظام تسعى أيضًا لزيادة صادراتها والتقليل من وارداتها، لكنها لم تنجح في هذا، فالأمر لم يخرج عن حدود القرارات، ولم يكن له تطبيق فعلي على الأرض.
وأشار الباحث إلى أن الحكومة نجحت فقط، وبشكل نسبي، في التقليل من الاستيراد من خلال نشرات دورية تحدد المواد المحظور استيرادها، وحتى في هذا لم تنجح نجاحًا تامًا، فالعديد من المواد المحظور استيرادها دخلت البلاد عن طريق التهريب.
ونهاية حزيران الماضي، صرح وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية، محمد سامر الخليل، أن الوزارة تمكنت من خلال سياسة “ترشيد المستوردات” من خفض فاتورة الاستيراد منذ عام 2011 ولغاية 2021، بنسبة 77%، بينما انخفضت قيمة الفاتورة منذ مطلع العام الحالي وحتى نهاية أيار الماضي بنسبة 14%، قياسًا بالفترة نفسها من العام الماضي.
انخفاض قيمة فاتورة الاستيراد انعكس سلبًا على التجار من جهة، الذين باتوا يجاهرون بإدخال منتجاتهم وموادهم الأولية عن طريق “التهريب”، مطالبين بالحلول لذلك، وعلى المواطنين من جهة أخرى، وسط ارتفاع أسعار معظم المواد الاستهلاكية الأساسية، نتيجة قلة العرض وارتفاع الطلب عليها.
اقرأ أيضًا: فاتورة الاستيراد السورية تتقلص.. والتجار يجاهرون بالتهريب
لا دعم للمنتجين
لم تتمكن حكومة النظام من دعم صادراتها إلا في حدود دنيا غير ملحوظة، بحسب ما يرى الدكتور يحيى السيد عمر، مؤكدًا أنها المسؤولة بشكل شبه تام عن هذا الفشل، فدعم الصادرات يتطلب دعم المنتجين الصناعيين والزراعيين، ولكن على العكس من ذلك، دائمًا ما يتم الضغط عليهم.
وفي القطاع الصناعي، لم تتمكن حكومة النظام من توفير المحروقات أو الكهرباء اللازمة للإنتاج، إضافة إلى ممارسة “أمراء الحرب” الضغوطات على الصناعيين، وفقًا للباحث.
وفي القطاع الزراعي، لم يتم دعم المزارعين كما هو مطلوب، وسط صعوبات عديدة تؤثر في حجم إنتاجهم، كالزيادة المستمرة بتكاليف الزراعة، آخرها رفع أسعار الأسمدة بنسبة 50%، بالإضافة إلى كساد بعض المنتجات الفائضة وعدم العمل على تصديرها، كمادة التفاح مثلًا، التي اضطر مزارعوها لبيعها دون سعر التكلفة، وهو ما سبب خسائر كبيرة لهم.
بغض النظر عن الحاجة
ينعكس توجه الحكومة بزيادة الصادرات سلبًا على المواطنين، إذ تدفع قلة توفر المادة إلى رفع أسعارها، كما حدث مؤخرًا مع مادة زيت الزيتون، ففي 11 من تشرين الأول الماضي، أصدرت حكومة النظام قرارًا يقضي بالسماح بتصدير 45 ألف طن من زيت الزيتون كحد أقصى.
وزير الزراعة، محمد حسان قطنا، برر القرار حينها بأن إنتاج سوريا المتوقع لهذا العام يقارب 125 ألف طن، مشيرًا إلى أن الكميات الموافق على تصديرها هي من “فائض الإنتاج”، بحسب قوله.
لكن القرار أسهم برفع أسعار مادة زيت الزيتون، رغم حديث حكومي عن وجود كميات وفيرة منها، إذ وصل سعرها إلى 275 ألف ليرة سورية للتنكة (العبوة) بسعة 16 ليترًا بعد ما كان سعرها لا يتجاوز العام الماضي نحو 225 ألف ليرة.
الباحث السيد عمر، برر سياسة الحكومة هذه بهدف “ترميم النقص الحاد في قيمة الصادرات”، لذا تلجأ لتصدير بعض المنتجات لا سيما الزراعية منها، بغض النظر عن إشباع السوق من هذه المنتجات.
ومطلع العام الحالي، قالت معاونة وزير الاقتصاد لشؤون التنمية الاقتصادية والعلاقات الدولية، رانيا أحمد، إن سياسة الوزارة تركّز على ترشيد الاستيراد والتركيز على الأولويات، وتنمية الصادرات، مضيفة أنه في نهاية عام 2021، بلغت قيمة الصادرات السورية 664 مليون يورو.
بينما بلغت قيمة عجز الميزان التجاري في عام 2021 نحو 3.33 مليار يورو.
الدكتور يحيى السيد عمر أكد أن العجز المستمر بالميزان التجاري يترك آثارًا واضحة على قيمة الليرة السورية ومستوى المعيشة من جهة، وعلى قدرة الحكومة على القيام بواجباتها تجاه الأفراد من جهة ثانية.