يطرح الصحفي السوري ورد فراتي، في مجموعته القصصية “ناجيات”، وأول تجاربه الكتابية بأدب السجون، قصص نساء سوريات عشن تجربة الاعتقال، وحملن معهن حكاياتهن التي تعكس جزءًا من واقع آلاف المعتقلين السوريين.
“ربما ستنجو لكنك لن تعود كما كنت”، هذه العبارة المكتوبة في أولى صفحات المجموعة المكوّنة من سبع قصص، تُهيئ القارئ ليزور ذاكرة سبع سيدات سوريات، يحاولن أن يخبرن العالم أن الشيء الذي فقدنه في المعتقل لن يعود أبدًا.
وباختلاف التفاصيل التي عاشتها السيدات، وتفاوت قسوة العذاب الذي تعرضن له، تشترك القصص بشعور العجز الذي يعيشه المعتقل منذ اللحظة الأولى التي يدرك فيها أنه سيُساق إلى الفرع، لأجل “سؤال وجواب” قد يسرق من عمره سنوات طويلة، كما سُرق من عمر صاحبة قصة “إنسان مع وقف التنفيذ” التي بدأ اعتقالها بـ”سؤال وجواب”.
وتشترك القصص باستغلال السجان لكون المعتقلات سيدات، ما يجعل جنسهن بوابة لنوع آخر من التعذيب اللفظي في بعض الأحيان، والجسدي في أحيان أخرى، هذا العذاب الذي امتد أثره ليدمر محاولاتهن بالعودة إلى الحياة بعد النجاة من المعتقل.
ورغم الأذى الكبير الذي تركته تجربة الاعتقال عليهن جسديًا ونفسيًا، خصوصًا السيدات اللواتي تعرضن لاعتداءات جنسية، حمّلهن المجتمع ذنب ذلك، لتكون إحداهن ضحية زوجها الذي يقرر التخلي عنها، وأخرى ضحية دائرة معارفها التي تعتبر معرفتها “عارًا”.
سلّطت القصص الضوء على خذلان ما بعد المعتقل الذي عاشته السيدات السبع، ماديًا واجتماعيًا، بعد أن تُركن ليواجهن حياة لم تنتظرهن، رغم توقف الزمن لكل واحدة منهن عند لحظة ما داخل المعتقل.
من جانب آخر، تعكس القصص السبع الخوف الشديد الذي توارثه السوريون، وعرفته الناجيات، المتمثل بثقافة “الحيطان لها آذان”، دون أن يعرفوا عواقب أن تبوح الجدران بأسرار من واجهن تلك العواقب في معتقلات النظام السوري.
وثّقت المجموعة القصصية الشهادات عبر مقابلات بإشراف فريق مختص، وأعاد الصحفي السوري ورد فراتي صياغتها وتدوينها لتكون مجموعة قصصية كُتبت بحبر سبع ذاكرات وقلم واحد.
وأخفت القصص الهوية الحقيقية للناجيات، كما بدّلت بعض التفاصيل لحمايتهن وذويهن، لكن الحقيقي هو أماكن الاعتقال وأسماء السجانين والمناطق التي تنحدر منها الناجيات، ووجود مئات النساء اللواتي عشن أو ما زلن يعشن تفاصيل مشابهة.