بعد سنوات من غياب جسم تمثيلي للطلبة السوريين في الخارج والمناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام، أسس “اتحاد طلبة سوريا” في تركيا، كتجربة يُفترض أن تكون مغايرة لـ”الاتحاد الوطني لطلبة سوريا”، الذي تحول إلى أداة بيد السلطة.
ومنذ انعقاد المؤتمر التأسيسي للاتحاد في تركيا في 2020، تباينت آراء الطلبة حول الاتحاد، إذ يشكك البعض بأهدافه وتوجهاته وفعاليته، ويرحب آخرون بهذه المبادرة التي تسعى لتوحيد الكيانات الطلابية.
تجربة “خجولة”
الأمين العام لـ”اتحاد طلبة سوريا”، محمد السكري، قال لعنب بلدي، إن الاتحاد ما زال تجربة “خجولة”، معتبرًا أن مضي عامين على تأسيسه ليس كافيًا لتحقيق جميع أهداف الاتحاد، والوصول إلى جميع الطلبة السوريين.
وأضاف أن الاتحاد يضم نحو 20 ألف طالب سوري، معظمهم في تركيا وشمال غربي سوريا، بالإضافة إلى بعض الطلبة في ماليزيا ولبنان، وهو من أبرز الإنجازات الملموسة التي استطاع الاتحاد تحقيقها، وفق قوله.
ويرى السكري أن التأسيس في حالة “اللادولة”، وغياب الاعترافات الرسمية بالاتحاد، بالإضافة إلى رفضه أن ينسب لأي جهة سياسية، حدّت من قدرته على تطوير هذه التجربة.
من جهته، قال الباحث المساعد في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، والمهتم بالعمل النقابي وأحد مؤسسي الاتحاد، يمان زباد، إن سنتين مدة قليلة جدًا بعمر المؤسسات النقابية، ما يجعل تقييم تجربة الاتحاد بشكل كامل بناء على هذه المدة غير صحيح.
وأضاف زباد، لعنب بلدي، أن معظم العاملين بالاتحاد هم طلبة بأعمار صغيرة ومتطوعون بشكل كامل، ما يجعل تجربتهم في بداياتها.
وتحاول المؤسسات النقابية السورية الناشئة بعد الثورة السورية “صناعة الواقع واستشراف المستقبل”، وفق ما قاله زباد، لافتًا إلى أن الطلبة العاملين بالاتحاد ليست لديهم ذاكرة عمل جماعي، معتبرًا أن تصحيح الصورة النمطية حول الفشل والخذلان تقع على عاتق الاتحاد.
مؤسسة نقابية بغياب الدولة
يحمّل جزء كبير من الطلبة السوريين الاتحاد مسؤولية حل المشكلات، لكن نشاطه يقتصر على التدخل في بعض الحالات، وبنجاح جزئي.
مساعد الباحث في مركز “عمران” يمان زباد، قال إن الحالة التي يعمل فيها “اتحاد طلبة سوريا” وغيره من المؤسسات غير الحكومية أجبرته على أن يحل محل الدولة.
وأوضح زباد أن ظروف المؤسسات السورية “استثنائية” جراء الفراغ الذي تركه غياب الدولة القوية، وعجز المؤسسات العاملة خارج الجغرافيا السورية عن الحصول على تراخيص من قبل السفارة أو القنصلية السورية.
من جهته، قال الأمين العام للاتحاد، محمد السكري، إن هناك العديد من المطالبات للاتحاد بممارسة دور الدولة، وهو ما لا يستطيع فعله بشكل دائم، خصوصًا في ظل وجوده بالمهجر، ومحدودية موارده المالية.
ويعتبر دور الاتحاد، بحسب رؤية السكري، “بناء وعي جمعي وإعداد كوادر لمستقبل سوريا، بالإضافة إلى إبقاء القضية السورية حاضرة”.
العمل النقابي ليس بديلًا عن الدولة، لكنه مسؤول عن ترشيد سلوكها تجاه الفئة التي يمثّلها والمطالبة بحقوق هذه الفئة.
مساعد الباحث في مركز “عمران” يمان زياد. |
جهود مشتتة في “المحرر”
يوجد “اتحاد طلبة سوريا” في تركيا بشكل أساسي، ورغم وجود مكاتب تابعة له في شمال غربي سوريا، ما زالت هناك فجوة بين الاتحاد والطلبة.
ومع مضي عامين على تأسيس الاتحاد، لم ينضم إليه طلبة جامعة “إدلب” وجامعة “حلب الحرة” وبعض أفرع جامعة “غازي عينتاب”، إذ تنشط في هذه الجامعات اتحادات منفصلة.
وبحسب استطلاع رأي أجرته عنب بلدي شمل 14 طالبًا في مختلف جامعات المناطق “المحررة”، ما زالت هوية “اتحاد طلبة سوريا” مجهولة بالنسبة للعديد من الطلبة.
في المقابل، لا يعرف آخرون آلية الانضمام للاتحاد أو الخدمات التي يقدمها، وتقتصر معرفتهم على وجود مكاتب للاتحاد في تركيا وداخل جامعاتهم.
أحمد المحمد، طالب في جامعة “غازي عينتاب” فرع مدينة الباب، قال لعنب بلدي، إنه لا يعلم إن كان منتسبًا بمجرد وجود مكتب للاتحاد في الجامعة.
وانتقد عدم إعلان مكتب الاتحاد في الجامعة عن آلية الانتساب، مشيرًا إلى أن الاتحاد أجرى بعض الأنشطة والتدريبات في الجامعة.
عضو مجلس الإدارة في “اتحاد طلبة سوريا” بالمناطق “المحررة”، محمد بطحيش، أرجع غياب التنسيق بين الكيانات الطلابية بالداخل ومحدودية وصول الطلبة للاتحاد، إلى أن مكاتب المناطق “المحررة” كانت بمرحلة تأسيسية خلال العام الماضي.
وأضاف بطحيش أن الاتحاد يسعى لتنسيق الجهود مع الكيانات الطلابية غير المنضوية تحت مظلته، لكن الأمر يتطلب تنسيقًا عاليًا.
وواجه طلبة المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة مشكلات عديدة خلال السنوات الماضية، بينها التضييق الأمني من قبل سلطات الأمر الواقع، ومشكلة الأقساط الجامعية، بالإضافة إلى مشكلة معادلة الشهادة (دينكليك).
وأسهم الاتحاد بحل مشكلة معادلة الشهادة لطلبة بعض الجامعات من خلال التنسيق مع “مؤسسة التعليم العالي” التركية (YÖK)، بحسب ما قاله بطحيش.
كما قدم خدمات على المستوى الثقافي، بينها مشاريع لتنمية المهارات الطلابية ومبادرات لتوعية الطلبة بالعمل النقابي وأهميته.
تأثير محدود في تركيا
يواجه الطلبة السوريون في تركيا معوقات عديدة خلال رحلة تعليمهم الجامعي، على رأسها أقساط الجامعات المرتفعة، ومشكلات مرتبطة ببطاقة “الحماية المؤقتة” (الكيملك)، وأخرى مرتبطة بالعنصرية التي يتعرضون لها داخل الجامعات.
وبحسب استطلاع رأي أجرته عنب بلدي شمل 20 طالبًا في مختلف الجامعات التركية، استفاد بعض الطلبة المنضمين للاتحادات الفرعية المنضوية تحت الاتحاد من الندوات والتدريبات والأنشطة التي يجريها الاتحاد.
بينما قال معظم الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع، إن الاتحاد لم يستطع تحقيق أثر فعلي في القضايا الكبيرة التي يعانيها الطلبة.
جليل ميلص (24 عامًا) طالب جامعة في تركيا، قال إن معرفته بالاتحاد اقتصرت على ما يراه على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ لا يعرف إن كان في جامعته اتحاد فرعي، مرجعًا ذلك إلى قلة اهتمام الاتحاد بالطلبة خارج اسطنبول.
كما انتقد عمر الدرة (24 عامًا) تأخر الاتحاد بالقيام بالإجراءات اللازمة لحل مشكلات الطلبة، معتبرًا وجوده أفضل من الغياب الكامل للتمثيل الطلابي.
ويرى عمر أن تأثير الاتحاد في الوقت الراهن ليس كبيرًا، لكنه قابل للتطوير لاحقًا.
وفي حين اضطر العديد من الطلبة إلى ترك جامعاتهم بعد قرار الجامعات الحكومية رفع أقساطها في أيلول 2021، انتقد العديد منهم غياب صوت الاتحاد، وتأخر تدخله.
وردًا على تلك الانتقادات، قال الأمين العام لـ”اتحاد طلبة سوريا”، محمد السكري، إن الاتحاد يواصل جهوده لحل تلك المشكلات من خلال التواصل مع الجهات المسؤولة.
وأضاف أن الاتحاد أسهم بحل العديد من المشكلات الطلابية في تركيا، بينها مشكلة رفع أجور السكن في مطلع كانون الأول الحالي، لافتًا إلى وجود خطوات قريبة تخص قضية الأقساط الجامعية.
واجتمع الاتحاد، في 8 من أيلول الماضي، مع المدير العام للطلبة الدوليين في “مؤسسة التعليم العالي” التركية (YÖK)، لمناقشة العديد من مشكلات الطلبة، بينها مشكلة الأقساط الجامعية.
بينما لم يترتب على ذلك الاجتماع أي تغيير ملموس في وضح الطلبة الذين ما زالوا يعانون المشكلات ذاتها.
أُسس خلال السنوات الماضية العديد من الكيانات الطلابية، أبرزها “هيئة طلبة سوريا” و”اتحاد الطلبة السوريين الأحرار”.
–