إدلب – هدى الكليب
يعاني معظم النازحين من ساكني المخيمات في محافظة إدلب شمالي سوريا، انتشار الأمراض الجلدية جراء قلة المياه اللازمة كأحد الاحتياجات الأساسية.
ومع صعوبة تأمين المياه لارتفاع تكاليفها، يلجأ العديد منهم إلى استخدام الحمامات المشتركة التي تفتقر إلى الخصوصية، فضلًا عن كونها بيئة خصبة للإصابة بـ”الليشمانيا” والجرب والعدوى الفطرية.
ترشيد ينبئ بكارثة
تُجبَر النازحة فداء البرهوم (33 عامًا) على الاقتصاد في كميات المياه المستهلَكة يوميًا لأدنى حد ممكن، ولا سيما في الاستحمام، نتيجة ظروف عدة أهمها توقف دعم قطاع المياه في مخيم “مورك” بدير حسان شمالي إدلب.
فداء قالت لعنب بلدي، إنها تحرص على ترشيد المياه، بتقليل مرات الاستحمام وغسل الملابس لتصل إلى مرة واحدة في الأسبوع، لكون الكميات التي يحصلون عليها من الماء تكفي للشرب والاحتياجات الأساسية.
نتيجة لذلك، تعاني فداء انتشار القمل في رؤوس أطفالها الأربعة، ومما يزيد الأمر سوءًا تراكم النفايات على مقربة من المخيم، وانتشار عدوى الأمراض الجلدية.
لا تستطيع الأم أن تمنع أطفالها من اللعب أمام المخيم الذي طالما تكون طرقاته طينية ومليئة ببرك المياه، ما يجعلهم يعودون متسخين، في حين لا توجد مياه كافية لتنظيف ملابسهم.
لفتت فداء إلى أن مخصصات المياه التي يحصلون عليها قليلة جدًا، إذ تقتصر على برميلين أو ثلاثة أسبوعيًا، وهي كمية تكفي للطبخ والغسل، كما أنه ليست لديهم القدرة على شراء المياه.
يُباع برميل مياه الشرب في المخيمات بسبع ليرات تركية، وتحتاج العائلة المكوّنة من سبعة أفراد إلى حوالي 20 برميلًا أسبوعيًا.
تعاني مخيمات شمال إدلب شح المياه الذي ينعكس سلبًا على حياة النازحين ونظافتهم الشخصية، جراء ترشيد استخدام المياه في ظل غلائها وتردي الأحوال الاقتصادية للنازحين.
كما باتت الأنشطة اليومية، مثل الاستحمام، شبه معدومة في مخيمات النزوح التي تفتقر للقواعد الصحية العامة، إلى جانب عدم توفر مياه صالحة للشرب أو أنظمة صرف صحي محكمة.
وكانت منظمة “أطباء بلا حدود” حذرت، منذ أيلول 2021، من أزمة مياه حادة في شمالي سوريا، يواجهها ملايين الأشخاص.
وذكرت المنظمة عبر بيان لها، حينها، أن الحرب التي دامت عقدًا من الزمن تسببت في تدمير البنية التحتية للمياه والصرف الصحي وإهمالها، وأن أكثر من ثلاثة ملايين شخص يواجهون أزمة مياه لها عواقب صحية وخيمة.
وأوضح البيان أن انخفاض التمويل أثّر في استجابة الجهات الفاعلة، إذ تحاول المنظمات الإنسانية سد الثغرات والاستجابة للاحتياجات العديدة، إلا أن الوصول إلى مرافق المياه والصرف الصحي لا يزال مشكلة.
بيئة مهددة
في مخيم “تل الكرامة” شمالي إدلب، تعمل وفاء المحمد (27 عامًا) على تجميع الملابس المتسخة لمدة أسبوع كامل من أجل غسلها مرة واحدة، حرصًا على كميات المياه المتوفرة لديها، كما أنها تستحم مع أطفالها مرة أسبوعيًا فقط.
تكفي كمية المياه التي يحصلون عليها لمدة ثلاثة أيام فقط، وفي حال كان لدى زوجها الذي يعمل بالمياومة ثمن المياه، يمكن أن تؤمّن العائلة احتياجها لبقية الأسبوع.
وتضطر وفاء لشراء خمسة براميل كل أسبوع، وفي حال عدم توفر ثمنها، تقصد الحمامات العامة للاستحمام، التي عادة ما تكون متسخة وأبوابها معطلة وليس فيها خصوصية.
وبالتزامن مع حلول فصل الشتاء، لا تجد مريم القرجي (31 عامًا)، التي تعيش في مخيمات “كللي” شمال غربي إدلب، سبيلًا لحماية أبنائها الخمسة من الإصابة بالقمل، مع قلة المياه ووسائل تسخينها.
توجد حمامات عامة في المخيم، لكنها بالغالب تكون مختلطة وبعيدة عن الخيام، ما دفعها وزوجها لإنشاء حمام خاص بخيمتها بالإمكانيات المحدودة المتاحة لهم، حسب تعبيرها.
وفقًا لإحصاءات نشرها فريق “منسقو استجابة سوريا“، في 26 من أيار الماضي، بلغت نسبة المخيمات “المنتظمة” التي تعاني تأمين الاحتياجات اليومية من المياه 55% من إجمالي عدد المخيمات، كما أن 85% من المخيمات “العشوائية” تعاني العجز عن تأمين تلك الاحتياجات.
وناشد الفريق المنظمات الإنسانية في الشمال السوري العمل على تأمين مياه الشرب للنازحين، منعًا لانتشار الأمراض والأوبئة ضمن المخيمات.
وبلغ عدد المخيمات المحرومة من الحصول على المياه النظيفة والمعقمة 590 مخيمًا من أصل 1450، مع احتمالية زيادة العدد في حال توقف مشاريع المياه عن مخيمات جديدة.
وتعاني 42% من المخيمات انعدام المياه منذ أكثر من خمس سنوات، و37% من المخيمات منذ سنتين، و21% من إجمالي المخيمات المذكورة تعاني منذ ستة أشهر أزمة المياه.
وتنفق العائلات النازحة في المخيمات نحو 20% من دخلها على المياه في الشتاء، لترتفع النسبة إلى 33% في فصل الصيف.
وفيما يتعلق بالصرف الصحي، تعاني 78% من المخيمات انعدام سبل الصرف الصحي، بالإضافة إلى أن العديد من المخيمات لديها دورة مياه واحدة لكل 65 شخصًا.
خطة علاج
مسؤول الصحة المجتمعية في مديرية الصحة بإدلب، الطبيب زهير القراط، قال لعنب بلدي، إن علاج القمل والجرب يعتمد على استخدام مركب “البيرمثرين” بعياراته وتركيبته سواء كان “شامبو” أو محلولًا أو مرهمًا حسب حالة المريض.
سجلت المديرية أكثر من ثلاثة آلاف إصابة بالداءين ضمن المدارس والمخيمات، ما اضطرها لوضع خطة مباشرة من خلال توزيع ثلاثة آلاف عبوة علاج في الأماكن المبلّغ عنها، بحسب الطبيب القراط.
كما تعمل المديرية مع منظمة “ريليف إنترناشونال” لإجراء تقييم مباشر وتقديم الرعاية الصحية لسبع مناطق “موبوءة”، منها المدارس لكونها المصدر الأكبر لانتشار المرض.
وأوضح الطبيب القراط أن المديرية وفرت العلاج لحوالي 20 مدرسة وتجمعًا حتى الآن، كما أوصى باتباع أقصى درجات النظافة، للوقاية من انتشار المرض والإبلاغ الفوري عن أي إصابات.