المونديال وابن سلمان وبورقيبة

  • 2022/12/25
  • 11:38 ص
خطيب بدلة

خطيب بدلة

خطيب بدلة

يحتاج تنظيم المونديال، ببساطة، إلى مال كثير، ومؤكد أنه ينجح عندما تنظمه دولة غنية، سواء قطر، أو الإمارات، أو السعودية، أو ألمانيا، أو أمريكا. هذه هي المسألة، وما يقال غير ذلك نوع من الهذر.

الهذر يترافق، عادة، مع كل المونديالات، وخاصة عند الشعوب المهزومة، الناطقة بالعربية، ولعله قد بلغ الأوج في مونديال 2022، فمن كثرة اللغط، صرنا نتخيل أن الإنسان المحظوظ هو مَن يغلق صفحاته على وسائل التواصل الاجتماعي طوال المونديال، ويفتحها بعد يومين من المباراة النهائية، ليعرف أن فريق الأرجنتين فاز. كيف؟ ولماذا؟ الإجابات لا تهم. وأما نحن، المدمنين على “فيسبوك”، و”تويتر”، و”إنستجرام”، و”تيك توك”، فقد صرع اللغط رؤوسَنا، وجعلنا نترنح، وندوخ، ولولا أن تداركنا الله برحمته، لكنا وقعنا على الأرض، مثل أكياس الخردق.

النصر، نصر الأمة العربية ذات الأمجاد الكبرى، تعلق، خلال المونديال، بأقدام يوسف المساكني، وعيسى ليدوني، ويوسف نصيري، وأما هدفا صالح الشهري وسالم الدوسري، فلم يكتفيا بإعادة أمجاد قحطان وعدنان وذبيان، بل إنهما رفعا راية الإسلام عالية في شتى أنحاء الأرض، وأعادا إلى الأذهان انتصارات حطين، وذات السواري، والقادسية العادية، وقادسية صدام.

وبما أن معادلة الانتصار، في أي معركة، تحتاج إلى طرفين، فلا بد من الإقرار بأن المنتصر في المونديال، هو نحن، العرب والمسلمون، لأننا لعبنا بشرف، وخساراتنا كانت مشرفة، وكان لتعادلاتنا طعم الانتصار الساحق، وأما الطرف المهزوم، فمن يكون، يا حزركم؟ إنه، بلا شك، وتحصيلًا لحاصل، أمريكا، وأوروبا، وكل الدول القوية، المعادية لنا نحن أبناء يعرب، وأحفاد صلاح الدين الأيوبي.

هناك أناس ينظرون إلى الانتصار في المونديال نظرة مسطحة، فيقولون إنه لا يعدو أن يكون نصرًا رياضيًا عابرًا. إن أولئك الأغبياء يتجاهلون العمقَ الاستراتيجي للمسألة، وهي أن نصر الفريق التونسي على فرنسا، مثلًا، هو رد الصفعة لفرنسا الاستعمارية الصليبية التي احتلت سوريا في العشرينيات، وقصفت برلمانها بالمدافع في الأربعينيات، واحتلت لبنان الأخضر، وتسببت باستشهاد مليون جزائري، ويتناسون قول أمير الشعراء العظيم، الذي كنا وما زلنا ندرسه لأبنائنا في المدارس:

دمُ الثوار تعرفه فرنسا  وتعلمُ أنه نور وحق

وللحرية الحمراء باب  بكل يد مضرجة يدق

تشجيعك لفريق عربي، أخي العربي، عبر شاشة التلفزيون، يشبه، إلى حد بعيد، أن يكون أحد أفراد أسرتك مصابًا بمرض عضال، وأنت لا تكتفي بأن تدعو له بالشفاء، بل وتضيف موضحًا: شفاء تامًا لا يغادر سقمًا. ومع ذلك، فأنا، محسوبكم، أقدّر عاليًا ما قاله ولي العهد السعودي للاعبي منتخبه: إنكم تقابلون فرقًا كبيرة، قوية، لذلك العبوا، واستمتعوا، ولا تهتموا للفوز والخسارة. إن هذا الكلام الواقعي، المتوازن، يشبه ما قاله الرئيس التونسي الأسبق، الحبيب بورقيبة، مخاطبًا معمر القذافي الذي كان يصيح ويزعق متحديًا أمريكا، ومَن يقف وراءها، داعيًا إلى وحدة عربية ساحقة، ماحقة، لا تبقي ولا تذر:

– اسمع مني يا أخ معمر، تونس دولة صغيرة، وليبيا دولة صغيرة، فيا حبذا لو نتخلص من هذه الأوهام، وكل واحد يعمل لبلده، وعلى قده.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي