فيلم “من أجل سما” يجيب عن سؤال لماذا غادر السوريون أرضهم

من أجل سما

camera iconالجمهور يستمع إلى الجلسة الحوارية بين مخرجة وبطلة فيلم "من أجل سما" وعد الخطيب، وزوجها بطل العمل الطبيب حمزة الخطيب، ومدير فريق "هارموني" بعد عرض الفيلم- 20 من كانون الأول 2022 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عرض فريق “هارموني” مؤخرًا الفيلم السوري “FOR SAMA”، أو “من أجل سما” بالعربية، مجددًا في اسطنبول بحضور بطلة ومخرجة العمل وعد الخطيب، وزوجها، بطل الفيلم أيضًا، حمزة الخطيب، إلى جانب مشاركة شخصيات من أحزاب تركية مختلفة، وحضور طاغٍ من فئة الشباب.

يشكّل الفيلم بطاقة تعريفية عن معاناة السوريين التي خلقها النظام السوري، وجوابًا مصوّرًا عن سؤال لماذا غادر السوريون بلادهم، وكيف استنزفت ماكينة القتل التي سخرها النظام وحليفه الروسي طاقة البشر على البقاء، ما فتح أبواب الرحيل على مصراعيها، أمام حالة عدم تصالح مع العيش “تحت رحمة الأسد”.

رصدت وعد بكاميرا محمولة واحدة دخول الثورة إلى جامعة “حلب”، وتنقلها في شوارع المدينة محتضنة الأهالي في صفوفها، دون إهمال حالة القصف العنيف الذي تعرضت له في سبيل تطويعها بالحديد والنار.

يبرز في العمل حمزة، الزوج والطبيب الذي رفض مغادرة المدينة، وسخر طاقته للعمل الميداني، ما يعني بالضرورة الانتقال من مستشفى إلى آخر، كون قصف المستشفيات والمراكز الطبية ثيمة بارزة استخدمها النظام لنسف أسباب ومقومات الحياة في المكان ما لم يكن ضمن سيطرته.

واقعية العمل تفوق السينما الإيطالية بمراحل، فـ”من أجل سما” غير مقتبس عن قصة حقيقية، إنه القصة ذاتها كما حصلت، والسيناريو ما يقوله الناس، وما يواجهونه من خوف شكّل استجابة طبيعية ممن لا يدركون ما ينتظرهم، أمام اكتفاء العالم بالشجب والإدانة والتباكي على حلب في حصارها، وحتى مشاهد الدم والإصابات والألم جاءت لتضع المشاهد في قلب الحدث دون تجميل، طالما أن الواقع الذي تصوره كان بعيدًا أي ملمح جمالي.

الكاميرا تلاحق المصابين، وتتنقل بين المستشفيات، وتصوّر القصف والخوف، والتجويع خلال حصار حلب عام 2016، قبل أن يستعيدها النظام تحت اسم “التحرير”، وجزء من الحديث يدور من طرف واحد بين أم توثّق معاناة مدينة وشعب، وابنتها التي أطلت للتو على عالم قلق وفوضوي، واستقبلتها بأحضان “موثقة”.

كل هذه المعطيات أسهمت ليس في نقل الفكرة للجمهور فقط، بل وفي إشراكهم بالمشاعر، متيحة الفرصة لرصد ردود الفعل مباشرة ودون تجميل.

وعد الخطيب.. الوجع جماعي

عنب بلدي التقت مخرجة وبطلة العمل وعد الخطيب، التي أبدت سعادتها بحضور الفئات الشابة للعرض، موضحة أن معالجة العمل لقصتها الشخصية لا ينفي تقاطعه مع قصص شبان وشابات آخرين مروا بظروف مشابهة أو مختلفة.

“ربما هناك وجع جماعي نشعر به كلنا ونتشاركه بشكل أو بآخر”، قالت وعد، مبيّنة في الوقت نفسه عمق الحاجات في القضية السورية، لكن تجدد اللقاء بتزامن غير مقصود مع الذكرى السادسة لما وصفته بـ”سقوط حلب” (في إشارة إلى ذكرى التهجير)، وإحياء الذكرى بطريقة مختلفة، أمر جيد.

وعد الخطيب

المخرجة السورية وبطلة فيلم “من أجل سما” وعد الخطيب- 20 من كانون الأول 2022 (عنب بلدي)

“يجب أن نكون لطيفين مع الألم الذي نحمله كسوريين، آمل أن تكون هناك مساحات مشتركة للحديث أكثر حيال قضايانا”، أضافت المخرجة.

وحول تغيّر مطالب السوريين بفعل عوامل وظروف مختلفة مرّت بها الثورة، اعتبرت وعد أن المطالب واحدة وإن بدت مختلفة، وتتلخص في إسقاط النظام السوري، والتوصل لبلد حر يحيا فيه الناس بكرامة، فما يحمله الناس داخلهم لم يتغير، لكن هناك فجوة عدالة حصلت على مدار سنوات.

تأمل وعد أن يتواصل عرض “من أجل سما” للتوعية وسد الفجوة بين المجتمعات المضيفة والسوريين، كما تأمل إتاحة مساحة ليروي الناس قصصهم بعد العروض ليبقى الفيلم وثيقة للسوريين.

وعلى مدار سنوات الثورة السورية التي اندلعت في 2011، يعتبر الإنتاج السينمائي الذي عالج تفاصيل من هذه القضية شحيحًا نسبيًا، لكن المخرجة ترجّح أن تحمل الفترة المقبلة غزارة بتقديم المحتوى الذي يروي قصص السوريين، بالنظر إلى وجود قصص كثيرة تستحق أن تبصر النور، وفق رأيها.

“الواقع أكبر من السينما، والثورة لا تحتاج إلى ما ينصفها، ولا يوجد فيلم، أيًا كان نوعه، قادر على الإحاطة بالثورة، وحين أنظر إلى (من أجل سما) أقول إن حلب لدي، حتى لو لم أكن هناك، ولدي أيضًا سوريا التي حاولت حمايتها في هذا الفيلم”، وفق وعد الخطيب.

من أجل سما

وعد وزوجها حمزة خلال الجلسة الحوارية مع مدير فريق “هارموني” بعد العرض- 20 من كانون الأول 2022 (عنب بلدي)

“هذا سيمحينا”

وحول توجه سياسي لدى بعض الدول للتقارب مع النظام السوري، أكدت المخرجة ضرورة التعامل بجدية مع الحالة من خلال إعادة إحياء السرديات ونقل القصص وروايتها، “فمن المخيف أن يتعامل العالم مع الأسد وكأن شيئًا لم يكن، هذا الشيء سيمحينا”، بحسب تعبيرها.

وفي الوقت نفسه، بيّنت المخرجة أن المحتوى الذي قدمته الثورة لنقل روايتها يتخطى بمراحل ما صنعه النظام والماكينة الدرامية أو السينمائية الداعمة له، فالمحتوى الذي ينتجه النظام لتسويق روايته فشل حتى داخليًا، لأنه غير صادق، والناس غير مقتنعة بالرواية، على خلاف الأعمال التي قدمتها الثورة ووصلت إلى منابر ومنصات عالمية.

حلب أول بيت عشت فيه، البيت الذي ولدت فيه سما، والمستشفى حيث كان يعمل زوجي حمزة، وحيث كنا وكان أصدقاؤنا، عفراء وسالم وأولادهما، المجتمع الذي كنا نحلم به منذ بداية الثورة، أتمنى أن نعود يومًا ما.

المخرجة وعد الخطيب

صرخة بوجه النظام

“بدلًا من الأسف على الماضي، أتينا لنبقى صرخة بوجه النظام، فما جرى في سوريا سلسلة جرائم حرب، ونحن مستمرون بنقل حقيقة ما جرى في سوريا”.

هكذا وصف الطبيب حمزة الخطيب، بطل الفيلم، تزامن العرض مع ذكرى تهجير حلب، مشيرًا في الوقت نفسه إلى ضرورة الاستمرار في إخبار الناس بما عاشه ويعيشه السوريون.

وأضاف لعنب بلدي، “كنا نعتقد أن الناس يعرفون ما جرى، لكنك ستفاجَأ بالعكس، حتى في تركيا، بالنظر إلى كونها دولة جوار، يعرفون أن هناك قصفًا وحربًا لكنهم لا يدركون بشاعة الجرائم التي مورست بحق السوريين”.

الطبيب السوري حمزة الخطيب بطل فيلم "من أجل سما"_ 20 من كانون الأول 2022 (عنب بلدي)

الطبيب السوري حمزة الخطيب بطل فيلم “من أجل سما”- 20 من كانون الأول 2022 (عنب بلدي)

حمزة الخطيب، الذي رصدته الكاميرا بين الجرحى في المستشفيات الميدانية، وتحت القصف، وبظروف عمل طارئة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مصابين، اعتبر الثورة السورية صراع سردية، وحرب ذاكرة، بين النظام الذي يتهم معارضيه بالإرهاب، ومعارضيه من متظاهرين سلميين ومدنيين، وهذا يتطلب مواصلة الثورة وفق حمزة، فمن الضروري أن يعي من يكبرون بعيدًا عن أرضهم حقيقة ما جرى.

كما دعا إلى تسخير القدرات، كل في مجاله، لنقل الحقيقة، عبر الأبحاث والسينما والتوثيق وغير ذلك، كون الثورة غنية بالأحداث، وما عاشه الناس خلالها يعادل حياة كاملة قبلها أو بعدها، ومن الصعب تأريخه بعين السينما، وفق رأيه.

“الفيلم جزء مما عشناه فعلًا وحاربنا في سبيله بكامل طاقتنا، وهناك أمور لا يمكن نسيانها مطلقًا، وما يلمسني من الداخل عند المشاهدة هي لحظات السعادة لا الحزن، لأنها لحظات حُرمنا منها، وأحلام هناك من يحاول كسرها (…) آمل أن نعود يومًا ما ونزور قبور من ودعنا، وأن ترى ابنتاي المستشفى الذي كنت أعمل به”.

لا بكاء حينها

مدير منظمة “الدفاع المدني السوري”، رائد الصالح، الذي حضر عرض الفيلم أوضح في حديث لعنب بلدي، أن المشاهدة تذكير بلحظات عاشها ويعيشها “الدفاع المدني” تحت القصف.

“مشاهدة الفيلم عن بعد تتيح الفرصة للبكاء. تحت القصف لا وقت حتى للبكاء، شعور غريب أن ترى مجددًا ما عشته عبر الشاشة، إنها استعادة للحالة السابقة ذاتها”.

مدير منظمة "الدفاع المدني السوري" رائد الصالح_ 20 من كانون الأول 2022 (عنب بلدي)

مدير منظمة “الدفاع المدني السوري” رائد الصالح- 20 من كانون الأول 2022 (عنب بلدي)

ومن وجهة نظره كمتفرج، اعتبر الصالح أن ما يميز الفيلم تقديمه قصة حقيقية واقعية مصورة بيد صاحبتها، كما بيّن أن أعمالًا من هذا النوع تعكس حالة فقدان الأمل التي عاشها السوريون، وتمكّن الآخرين من فهم الحالة، والإحساس بالآخر ربما.

رائد الصالح شدد أيضًا على أن وجود النظام الذي ارتكب ما عرضه “من أجل سما” يتعارض كليًا مع الحديث عن العودة إلى سوريا، فالبلاد لم تتغير بين تولي الأسد الأب للسلطة وبداية الثورة، والفترة التي عالجها الفيلم (توقفت بالكاميرا عند 2016)، وبين الوقت الحاضر، “سوريا غير آمنة مطلقًا”، أضاف الصالح.

التغيير ممكن

وعلى هامش عرض الفيلم، التقت عنب بلدي مدير فريق “ملهم التطوعي”، عاطف نعنوع، الذي اعتبر عرض الفيلم إحدى طرق تعريف الشارع بالنظام السوري.

نعنوع أشار إلى حالة تأثير يفرضها العمل على صنّاعه ومن شاهدوا العرض سابقًا، ما يعني أن يتأثر بالضرورة من لم يشاهد العمل مسبقًا ومن لا يعرف الكثير عن حقيقة معاناة السوريين في الحصار وتحت القصف.

“كل شخص سينقل الرسالة لغيره، يمكن أن يحدث التغيير، وأن يفهم العالم أن سوريا غير آمنة على أهلها،  ولو كانت كذلك فعلًا لعاد الناس إلى العوالم الخاصة التي تركوها خلفهم”.

مدير "فريق ملهم التطوعي"، عاطف نعنوع_ 20 من كانون الأول 2022 (عنب بلدي)

مدير “فريق ملهم التطوعي”، عاطف نعنوع- 20 من كانون الأول 2022 (عنب بلدي)

وحول إمكانية عرض الفيلم في مخيمات النزوح داخل سوريا، أوضح نعنوع أن المخيمات لا تعيش واقعًا أفضل، والأهم توجيه الرسالة لمن يجهل حقيقة ما يجري فعلًا في سوريا.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة