سجلت قيمة الليرة السورية انخفاضًا شديدًا أمام العملات الأجنبية، خلال الأشهر القليلة الماضية، إذ خسرت نحو نصف قيمتها قياسًا بقيمتها مطلع العام الحالي، دون أي تحرك معلَن من قبل حكومة النظام أو مصرف سوريا المركزي لوقف التدهور المتسارع.
وبحسب موقع “الليرة اليوم” المتخصص بأسعار صرف العملات الأجنبية، سجل سعر مبيع الدولار اليوم، الأربعاء 21 من كانون الأول، 6300 ليرة سورية، وسعر شرائه 6230 ليرة.
بينما كان سعر صرف الدولار مطلع العام الحالي نحو 3600 ليرة للدولار الواحد.
وخلال الأشهر الأخيرة، بدأت قيمة الليرة السورية بالانخفاض، لتكسر حاجز أربعة آلاف ليرة سورية منتصف تموز الماضي، وتصل إلى 4500 ليرة للدولار الواحد منتصف آب الماضي، وتكسر حاجز خمسة آلاف مطلع تشرين الأول.
عدة عوامل اقتصادية
وحول أسباب التدهور، أوضح الباحث الاقتصادي زكي محشي، أن الاتجاه العام لسعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية هو الانخفاض، بسبب ارتباطه بالعوامل الاقتصادية والسياسية والجيوسياسية الموجودة في سوريا، ما لم يحدث انتقال سياسي في البلاد.
وأضاف محشي لعنب بلدي، أنه في هذا السياق يمكن للحكومة والأجهزة الأمنية التدخل لوقف تدهور الليرة لفترة مؤقتة، ولكن لا يمكنها التدخل بشكل مستمر، لذلك ما يغلب على قيمة الليرة اليوم، تأثرها بالتدهور الاقتصادي بشكل عام.
ويرتبط سعر الصرف في ظل المعطيات الحالية في سوريا بعدة عوامل اقتصادية مجتمعة تؤدي إلى انخفاض قيمة الليرة، منها عدم وجود الإنتاج، ونمو الناتج المحلي سلبًا، والاعتماد على الأسواق الخارجية، بالإضافة إلى العجز الكبير في الميزان التجاري، وميزان المدفوعات، والموازنة العامة للدولة، فضلًا عن هروب الاستثمارات الأجنبية، ووجود سوق “سوداء” واسعة لتصريف العملة عبرها.
لا وجود للاحتياطي
منذ عام 2011، يعيش الاقتصاد السوري جملة من المشكلات التي تزداد سوءًا مع مرور الزمن، نظرًا إلى غياب قدرة الحكومة على حلها بل تفاقمها أكثر عبر قرارات تتخذها.
وأدت كل هذه المشكلات الاقتصادية التي لا تعتبر جديدة إلى تدهور قيمة الليرة سابقًا، مع محافظتها على استقرارها لفترة معيّنة لم تتعدَّ في أحسن الأحوال تسعة أشهر.
وحول تدهورها المتسارع خلال الفترة الأخيرة، قال الباحث زكي محشي، إنه من الواضح وجود ضغط جديد على الليرة، خاصة في ظل أزمة المحروقات الحالية، وفتح خط ائتماني إيراني مؤخرًا، الأمر الذي يراكم ديون الحكومة بالعملة الأجنبية، ما سيزيد من الضغط على الاقتصاد السوري حاليًا أو مستقبلًا لدفع هذه الديون.
وبحسب الباحث، تشير هذه المعطيات إلى أن حكومة النظام السوري لا تملك أي احتياطي بالعملة الأجنبي نهائيًا، كونها تعتمد بشكل كامل على الخطوط الائتمانية المفتوحة مع إيران، أو تلك التي يمكن أن تفتحها روسيا، وبالتالي فإن هذا الاقتراض ليس مجانيًا، إنما يتم دفعه عن طريق إعطاء ميزات إضافية لإيران، أو مستقبلًا بالعملة الأجنبية.
وفي 10 من كانون الأول الحالي، علّق المصرف المركزي على ما تناقلته وسائل إعلام محلية ونسبته إلى وكالة “أسوشيتد برس”، حول إفلاسه، وعدم قدرته على دفع الرواتب، بقوله، إن السيولة المتوفرة لدى المصرف كافية لسنوات، وليست فقط لأشهر، مؤكدًا “وجود مخزون كافٍ من القطع الأجنبي”.
اقرأ أيضًا: مصرف سوريا المركزي ينفي إفلاسه: السيولة متوفرة لسنوات
المركزي يتجاهل
لم تعلّق حكومة النظام أو مصرف سوريا المركزي بشكل رسمي على قضية تدهور الليرة، بينما نقلت وسائل إعلام محلية، مطلع الأسبوع الماضي، أنباء تفيد بتدخل “المركزي”، دون توضيح آلية التدخل، أو ذكر تفاصيل إضافية حول ذلك.
بدورها، نقلت صحيفة “الوطن” المحلية، في 13 من كانون الأول الحالي، عن مصدر في مصرف سوريا المركزي (لم تسمِّه) قوله، إن المصرف تدخّل في سوق الصرف في 12 من كانون الأول الحالي، وذلك ليوم واحد فقط، وحينها سجلت الليرة تحسنًا طفيفًا بمعدل 200 ليرة، فعادت إلى نحو 6025 ليرة، بعد أن كسرت حاجز 6200 ليرة.
ولكن بعد يومين من حديث المصدر، عادت قيمة الليرة للهبوط، دون أي تحسن حتى الآن.
ولم يوضح المصدر في حديثه للصحيفة آلية التدخل، مشيرًا إلى أن اختيار وقت التدخل يحدده المركزي الذي يتابع بشكل “آني” ما يحصل في السوق من مضاربات، ويتخذ قراره بالتدخل في الوقت الذي يراه مناسبًا.
واعتبر المصدر أن قيمة الليرة ستستمر بالتحسن طوال الفترة المقبلة، الأمر الذي لم يحدث.
الباحث الاقتصادي زكي محشي يعتقد أن الحكومة ليس لديها أي أدوات للتدخل لوقف تدهور الليرة، مشيرًا إلى عدم قدرتها على طرح الدولار في الأسواق، كونها استنفدت بشكل كامل الاحتياطي من العملة الأجنبية.
كما يبدو أن سيطرة أجهزة الأمن على “السوق السوداء” للعملة والتحكم بها تتراجع بشكل ما، أو أنها غير قادرة على السيطرة بشكل دائم، بحسب الباحث.
اقرأ أيضًا: الليرة السورية إلى التدهور.. إجراءات أمنية واقتصادية لا تحميها
وبحسب تقرير صادر عن مركز “جسور للدراسات” مطلع العام الحالي، تفتقد الليرة السورية لحدود المقاومة اللازمة للدفاع عن استقرارها، ومن الصعب أن تصمد أمام أي هزة مهما كانت صغيرة، ما يؤكد أنها عُرضة للانخفاض السريع.
وأضاف التقرير، الذي حاول توقع قيمة الليرة خلال العام الحالي، أنه غالبًا ما يكون أثر التحولات السياسية والاقتصادية في سعر صرف الليرة على شكل موجات ارتفاع واضحة، أي بانخفاض قيمة الليرة، الأمر الذي يجعل من الصعب تحديد المستويات التي يُمكن أن تحققها.
وينعكس انخفاض قيمة الليرة على المقيمين في مناطق سيطرة النظام بشكل مباشر، لما يرافقه من ارتفاع في أسعار المواد الغذائية و الأساسية، ما يفاقم من ضعف القوة الشرائية لديهم أكثر.
بالمقابل، تسعى حكومة النظام إلى ضبط الأسواق عبر تجفيف السيولة النقدية، ومصادرة كتل نقدية كبيرة بالليرة السورية، ما أدى إلى خروج عدد من صغار المستثمرين والتجار من الأسواق، نتيجة ضعف النشاط التجاري والصناعي.
–