قالت صحيفة “تلغراف” البريطانية في تقرير بعنوان “يجب أن يواجه الأسد المحاكمة على فظائعه ضد الشعب السوري”، إن من الضروري تقديم مسؤولي النظام السوري المرتكبين أسوأ جرائم الحرب في القرن الـ21 خلال الصراع في سوريا إلى العدالة.
ولفتت الصحيفة، بحسب ما ترجمته عنب بلدي، إلى أنه رغم كل الإنكار لارتكاب أخطاء من قبل نظام “الدكتاتور السوري بشار الأسد”، واقتراحه الذي وصفته بـ”السخيف” بأنه “زعيم متحضر ملتزم بالقانون كان يحمي بلاده من المتطرفين المدعومين من الخارج”، فإن مجموعة مقنعة من الأدلة ترسم قصة مختلفة تمامًا، “قصة ارتكب فيها النظام فظائع بشكل منهجي ضد مواطنيه”.
وشددت على أهمية أن يضمن المجتمع الدولي محاسبة الأسد وأتباعه على جرائمهم، في حال كان مرتكبو الجرائم “المروعة” المماثلة ضد الإنسانية التي تُرتكب في أوكرانيا سيواجهون العدالة على الإطلاق.
وبحسب ما قالته الصحيفة في التقرير، الذي نُشر في 16 من كانون الأول الحالي، فإن فريقًا متخصصًا يعمل مع لجنة العدالة الدولية والمساءلة (CIJA)، أجرى بحثًا جمع فيه جزءًا كبيرًا من المواد التي توفر أدلة “لا جدال فيها” على ضلوع النظام السوري في بعض أسوأ الفظائع التي ارتُكبت خلال الصراع.
توفر الأدلة تفاصيل شاملة حول الطريقة التي أجرى بها النظام، “وما زال يدير”، حملة منهجية ومخططًا لها مركزيًا من القتل الجماعي والتعذيب.
جمعت اللجنة المواد التي تصنف من بين أشياء أخرى فئتين من السلوك الإجرامي: تعذيب النظام وقتل المعتقلين، واستخدام القوات العسكرية وشبه العسكرية لارتكاب فظائع ضد المدنيين العزل.
كشفت اتصالات النظام الداخلية التي حصلت عليها اللجنة، أوامر صدرت من أعلى مستويات القيادة “بعدم التعاطف والرحمة تجاه المتظاهرين، وحل الاحتجاجات العامة بغض النظر عن العواقب”.
كما تلقى قادة عسكريون تعليمات خطية بتهديد المجتمعات بالتدمير في حال مقاومة قوات الأسد.
تسمح الوثائق بتتبع سلسلة السلطات التي من خلالها نُفّذت هذه التهديدات، بما في ذلك عن طريق الأوامر المباشرة بضرب المستشفيات بالمدفعية، وتعبئة وتسليح القوات شبه العسكرية الموالية التي قامت بعد ذلك بقتل المدنيين.
لفتت اللجنة إلى أن المسؤولية الجنائية التي حدثت في مراكز احتجاز النظام “واضحة تمامًا”، إذ إن مسؤولي النظام رفيعي المستوى تمكنوا من مشاهدة تلك الجرائم في الوقت الفعلي عبر الكاميرات المثبتة في غرف الاستجواب، بالإضافة إلى إرسال صور مباشرة إلى مكاتبهم، حتى إن بعض كبار المسؤولين شاركوا في اغتصاب المعتقلين أنفسهم.
هذه الأوامر بالجرائم وإدارتها، صدرت بشكل دقيق من قبل “الخلية المركزية لإدارة الأزمات”، وهي الهيئة العليا لصنع القرار التي أنشأها الأسد في آذار 2011 لتنسيق حملة القمع من قبل مؤسساته السياسية والعسكرية والأمنية، والتي أبقته على اطلاع واسع، كما أدار هذه الآلية عن كثب، بحسب اللجنة.
استنادًا إلى الوثائق، فإن الأسد قرأ التقارير التفصيلية المرسلة إليه بشكل يومي، وأصدر بدوره التعليمات من خلال التسلسل القيادي.
أظهرت الوثائق الداخلية للنظام أن جميع كبار مساعدي الأسد الحاليين كان لهم دور مباشر في إبلاغه وتنفيذ تعليماته “بوحشية”.
صحيفة “تلغراف” قالت إن قضية الملاحقة القضائية ضد الأسد وأتباعه ستنتهي في نهاية المطاف، كما كانت الحال في محاكمات “نورمبرغ” لمجرمي الحرب النازيين بعد الحرب العالمية الثانية، وفقًا للتقارير الدقيقة عن البيروقراطية المسجلة حول التعامل مع قضايا القتل الجماعي للمدنيين حينها.
ومع وصول عملية السلام السورية التي تقودها الأمم المتحدة إلى طريق مسدود، “عاقتها روسيا على وجه الخصوص”، بحسب الصحيفة، تحولت الأولويات الغربية إلى صراعات أخرى مثل الغزو الروسي لأوكرانيا، ما خفف الضغط الغربي على الأسد.
ولفتت الصحيفة إلى أن هذا الوضع لا ينبغي أن يعني السماح للجناة الرئيسين في جرائم النظام السوري ضد الإنسانية بالإفلات من العدالة.
كما أشارت إلى أن التحقيقات والملاحقات القضائية لمجرمي الحرب السوريين، تجري في مختلف الولايات القضائية بأوروبا.
اعتبرت الصحيفة أن هذه بداية جيدة، لكن نظرًا إلى حجم الجرائم المرتكبة، فإن المطلوب حقًا هو تشكيل محكمة جنائية دولية خاصة في لاهاي مخصصة للقضايا المتعلقة بسوريا من شأنها تسريع عملية محاسبة العدالة الجنائية.
أكدت الصحيفة أن إنشاء مثل هذه المحكمة يخدم مصالح القوى الغربية الكبرى، إذ إن تقديم مرتكبي جرائم الحرب في سوريا إلى العدالة سيساعد على توليد الزخم اللازم لتأمين تسوية سياسية حقيقية للحرب في سوريا.
كما أن محاسبة نظام الأسد ومجرمي الحرب الآخرين من شأنه أيضًا أن يخدم غرض ردع الأنظمة الأخرى، مثل روسيا “التي قد تحاكي حرب الأسد الوحشية في المستقبل لحل مشكلاتها السياسية”.
–