“شاهد 136”
إبراهيم العلوش
بعد الأثر الكبير الذي سجلته إيران بميليشياتها الطائفية في سوريا، وقبلها في العراق ولبنان، تأتي الطائرة الانتحارية “شاهد 136” لترفع اسم إيران في الجرائم ضد الإنسانية، وهي تدمر شبكات الكهرباء في أوكرانيا.
بعد رفض تركيا بيع طائرة “بيرقدار” لروسيا، صارت الطائرة الإيرانية “شاهد 136” سلاحًا مهمًا في حرب روسيا ضد الشعب الأوكراني، وقد سجلت نقاطًا متقدمة في العداء للمدنيين، وهي تدمر البنية التحتية للمدن الأوكرانية على مشارف شتاء تصل درجة الحرارة فيه إلى -20.
ونفت إيران في البداية بيعها الطائرات المسيّرة لروسيا، ولكنها سرعان ما غيّرت أقوالها على لسان وزارة الخارجية الإيرانية التي ادّعت أن إيران باعت عددًا محدودًا من الطائرات قبل الحرب. ولكن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، قال إن إيران تكذب، فعشرات الطائرات الإيرانية تحلّق كل يوم فوق المدن الأوكرانية، وتقصف البنى التحتية وتستهدف حياة المدنيين.
صارت الطائرة الإيرانية “شاهد 136” حديث وسائل الإعلام خلال الأسابيع الماضية بعد انقطاع الكهرباء عن المدن الأوكرانية، وآخرها مدينة أوديسا قبل أيام، عندما استهدفت من خلالها روسيا البنية التحتية من أجل إجبار الأوكرانيين على التنازل عن الأراضي التي احتلتها في الأقاليم الأربعة المجاورة لها.
تحالف إيران مع روسيا ظهر بشكل واضح في سوريا منذ العام 2015، عندما توحدت الطائرات الروسية مع الميليشيات الطائفية الإيرانية لحماية نظام الأسد ومنعه من السقوط، بعدما خسر النظام شرعيته الداخلية والدولية، إذ لم تعد حينها أي دولة تجاهر بدعمه إلا كوريا الشمالية، الحليف التاريخي لنظام الأسد.
استطاع التحالف الروسي- الإيراني أن يوقف المطالبات الدولية بمحاسبة نظام الأسد على جرائمه ضد السوريين، فالدولتان الداعمتان شاركتا في الجرائم على الأراضي السورية، وهما ترتكبان جرائم ضد الإنسانية سواء بالاشتراك بحروب روسيا في محيطها (أوكرانيا حاليًا، وسابقًا جورجيا، الشيشان…)، أو في داخل إيران نفسها، أو في دول عربية عديدة، مثل اليمن والعراق ولبنان، التي تزعم إيران أنها تحكمها، وصارت ولايات فارسية تتبع لنظام ولاية الفقيه.
الحصار الدولي على إيران ومنع قطع التبديل لطائراتها العسكرية حفّزها على تطوير بدائل من أهمها الطائرات المسيّرة، كما ذكر موقع “بي بي سي”، فمنذ العام 2019، برزت المسيّرات الإيرانية عندما قصفت موقعين بتروليين في السعودية هما بقيق وخريص، رغم وجود “الباتريوت” الأمريكي والسفن التي تملأ الخليج وتستعرض قوتها.
وتم استعمال المسيّرات الإيرانية في دعم نظام الأسد بالرصد والإغارة على الجموع المدنية والتسبب بتهجيرها، بالإضافة إلى مقاتلة “الجيش الحر” الذي كان يحاول الدفاع عن المدنيين في بدايات نشأته، قبل أن تتنازع أغلبه الأيديولوجيات والتبعيات المختلفة.
تتسم طائرة “شاهد 136” برخص ثمنها مقارنة بالطائرات المسيّرة الأمريكية أو الصينية، بالإضافة إلى خفة وزنها وقدرتها على الطيران على ارتفاع منخفض لا ترصده الرادارات، وتستطيع حمل المقذوفات الانتحارية التي تصل إلى 50 كيلوغرامًا تنقلها بسرعة قريبة من 200 كيلومتر في الساعة إلى الهدف المقصود، وتجد منها طائرات تستطيع التصوير والرصد بالإضافة إلى الرمي على الأهداف، وقد نقلت إيران مئات من هذه الطائرات إلى “حزب الله” اللبناني الذي شكّل جيشًا خاصًا داخل الدولة اللبنانية، وصار يتمدد للغزو في سوريا، وللتدريب في اليمن والعراق، وربما يساعد على قمع التظاهرات في إيران نفسها.
التطور التقني في الصواريخ والطائرات المسيّرة الإيرانية صار محط اهتمام العالم، وجلب عليها المزيد من الضغوطات، خاصة بعد وقوف إيران إلى جانب روسيا في غزوها لأوكرانيا، وتقول وسائل الإعلام والمصادر المخابراتية، إن إيران على وشك تزويد روسيا بالصواريخ الموجهة بعد أن نفد المخزون الروسي من الصواريخ الذكية، حيث اضطرت روسيا إلى استخدام الشرائح المعدّة للأغراض المدنية، مثل الشرائح المستخدمة في تصنيع الغسالات والسيارات، وحوّلتها للاستخدام في تصنيعها الحربي.
توسع هذا التحالف الإيراني- الروسي صار محط انتقاد في داخل إيران نفسها على خلفية أربعة قرون من العداء التاريخي والغزو المتكرر من قبل روسيا للأراضي الإيرانية، وآخرها تحالف روسيا مع بريطانيا لاحتلال إيران في الحرب العالمية الثانية. والكثير من القيادات الدينية المحافظة صارت تذكّر القادة الإيرانيين بأن التحالف مع روسيا خطأ استراتيجي سيجلب المزيد من العداء لإيران، مما سيضاعف أثر الانتفاضة الشعبية التي تهز إيران منذ منتصف أيلول الماضي، بعد مقتل الشابة مهسا أميني على يد الشرطة الأخلاقية الإيرانية بسبب الحجاب.
نجحت إيران بتطوير الصواريخ والطائرات المسيّرة، وصارت مثل كوريا الشمالية تطوّر أكثر الأسلحة فتكًا، ولكنها تفشل في بناء دولة ديمقراطية مقبولة داخليًا ودوليًا، فطائرة “شاهد 136” لن تمحو اسم مهسا أميني، ولن توقف تنامي الانتفاضة الشعبية في إيران، ومهما نشر الملالي من الصواريخ، ومهما قرأوا من الدعوات والصلوات، فلن تُمحى الجرائم التي ارتكبوها مع نظام الأسد بحق السوريين.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :