نبيل محمد
من موضوعات عن الرجال والرجولة، وأخرى عن المطبخ والطعام، وغيرها عن الإنسان الجيد ونقيضه السيئ، يريد الفنان السوري محمد خير الجراح إحياء فن “المونولوج”، بل هو من المفترض أنه قد أحياه وانتهى، في عمله الأخير، الشعبي الغنائي الاستعراضي الذي أصدره على شكل ألبوم، مع عرض حي. الحياة وفق قول الفنان في لقاء أجري معه مؤخرًا عبر فضائية “الحرة”، مليئة بالموضوعات التي يمكن الحديث عنها في “المونولوج”، ومن فيض امتلائها، يقول في أغنية من أغاني ألبومه الذي من المفترض أنه بأسلوب “المونولوجات”، “مخلوطة وعدس بحامض، سلق مقلّى وطنبورة، مجدرة البرغل والرز، والجظ المظ بالبندورة”.
من المعروف أن فن “المونولوج” التقليدي القديم في سوريا ومصر وبلدان أخرى، يتناول موضوعات كتلك التي يرددها محمد خير الجراح، المشكلة ليست هنا، وليست في أنه انتقى السهل من الموضوعات وابتعد عن الصعب، المشكلة أن يكون مقتنعًا بأنه يحيي تراثًا يصنّف نفسه فيه امتدادًا لإسماعيل ياسين، وسلامة الأغواني، ورفيق سبيعي، وسواهم، وأن الاختلاف الذي يقدّمه، هو أن “مونولوجه” لا يقتصر على الغناء، إنما يتضمّن الاستعراض، الذي يبدو وفق الفيديوهات المنشورة من منجز خير الجراح الأخير، هو رقصات غير منتظمة، بألبسة تقليدية شعبية، وهو أيضًا جزء من “المونولوج” التراثي. فأين الجديد؟
قد يكون من الأفضل ألا يكون خير الجراح مطالبًا بالفعل بجديد، بل إن تقديمه شكلًا فنيًا مطابقًا من حيث الأسلوب نسبيًا لـ”المونولوج” التقليدي، أفضل وأكثر تأثيرًا، إذ سيكون أفضل طريقة لإظهار قيمة هذا التراث فعليًا، من خلال مقارنته بمحاولات التجديد الرخيصة، وإظهار الجهد الذي كان يبذَل لظهور فنان شعبي أمام الجمهور في خمسينيات القرن الماضي وما قبل ذلك، مقارنة بـ”فيديو كليب” حديث، أُنتج في 2022، هو عبارة عن صور مختلفة لفنان يجيد تبديل الألبسة، إلى جانب صور يبدو أنها جاهزة من مصادر مفتوحة في الإنترنت، وتصميم “غرافيك” بدائي، مكوّنات يحاول منتجها أن يقول إن ما يقدمه هو إحياء للتراث. سيعطي ذلك بلا شك قيمة أكبر للتراث، بأن نتمناه ميتًا على أن يتم إحياؤه بصورة وأداء محمد خير الجراح.
أطلق الفنان ألبومه الجديد مؤخرًا في دبي بحضور مجموعة من الفنانين والإعلاميين، في فعالية أحياها مع فرقته، تضمنت عرض فيديوهات الأغاني، مع رقصات وحركات وخفة دم. وقال على هامشها للصحفيين، إن ما يقدّمه ليس سطحيًا، وما يحتويه من مضامين مختلف عن الطرق التقليدية في تقديم المضامين ذاتها، فما هو غزلي ليس عابرًا بل هو مميز، وما هو وطني ليس مزاودًا بل عميق وحقيقي. وهنا لا بد من أن نتذكّر أغنية “إماراتي” التي أطلقها الفنان بمناسبة العيد الوطني لدولة الإمارات، والتي هي أيضًا جزء من مشروع “المونولوج” الخاص به، ويرد في تلك الأغنية، “تسلم يلي راعيها.. بحاضرها وبماضيها.. شيوخ المجد أجدادي.. ويكفيني يوم تناديني.. إماراتي”.
يحاول الفنان إعطاء نفسه هوية شعبية محلية، باللباس واللهجة والأسلوب، ولعل ذلك أصلًا هو ما جعله فنانًا مكرّسًا بشخصيات نمطية في كثير من المسلسلات السورية. ويبدو أن مشروعه الجديد، ليس سوى محاولة جديدة لاستثمار ما بات مكررًا غير قابل للاستثمار من جديد. يقول خير الجراح، إن ما يسمى بالربيع العربي عطّل مشروعه، فحينما كان يعمل بجد في سنة 2011 لإطلاق مشاريع جديدة، بدأ ذلك الربيع معطّلًا له ولغيره مشاريعهم. حسنًا، تلك بلا شك واحدة من حسنات ذلك الربيع.
يفكّر محمد خير الجراح بطريقة ما بأداء شخصية صباح فخري في عمل ما، إن وافقت عائلة الفنان الراحل على ذلك، وإن وجد النص والمنتج. فلنأمل بربيع آخر، أو أي فصل، يعطّل هذا المشروع أيضًا، كما عطّل الربيع العربي مشاريعه السابقة.