عنب بلدي – محمد فنصة
تحدث وزير الاقتصاد في حكومة النظام السوري، سامر الخليل، مؤخرًا، عن توقيع العديد من الاتفاقيات مع عدد من “الدول الصديقة”، وتفعيل نظام مقايضة السلع والبضائع لتأمين المواد التي لا تُنتَج محليًا، ما يثير التساؤل حول مدى فعالية هذا النظام المالي في توفير احتياجات البلاد.
ووافقت رئاسة مجلس الوزراء على اقتراح اللجنة الاقتصادية، في 5 من كانون الأول الحالي، بفتح أسواق تصديرية للفائض من البضائع والسلع المنتَجة محليًا إلى أسواق “الدول الصديقة”.
كما وافق المجلس على مقترحات وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، المتضمنة التعاون مع اتحادات غرف الزراعة والصناعة والتجارة، للتوسع بإقامة معارض للبيع المباشر للمنتجات الزراعية والصناعية في “الدول الصديقة” لزيادة حجم الصادرات.
كما وافق على تأمين سفينة نقل، للتخفيف من ارتفاع تكاليف شحن المنتجات المصدّرة إلى البلدان المستهدفة ولا سيما روسيا، وإطلاق برنامج خاص بدعم الصادرات السورية (الصناعية، والزراعية) إلى روسيا لمدة ستة أشهر.
وأكد الخليل أن تصدير فوائض الإنتاج عن السوق المحلية، يسهم بتأمين القطع الأجنبي لاستيراد العديد من المواد والسلع الأساسية الضرورية باستمرار، وتشغيل المنشآت الإنتاجية بطاقات إنتاجية “مقبولة”.
نظام المقايضة المالي، وفق كتاب “الاقتصاد: المبادئ في العمل”، هو نظام صرف لتبادل البضائع أو الخدمات مباشرة بسلع أو خدمات أخرى دون استخدام وسيلة تبادل مثل المال.
ويوجد هذا النظام بالتوازي مع النظم النقدية في معظم البلدان المتقدمة، لكن على نطاق “محدود جدًا”، وتستبدل عادة المقايضة المال كوسيلة للتبادل في أوقات “الأزمات النقدية”، كأن تكون العملة المحلية إما غير مستقرة (بسبب التضخم أو الانكماش)، وإما لعدم توفر عملة التبادل التجاري لإجراء التجارة. |
من يتعامل بالمقايضة حاليًا؟
اشتهر نظام المقايضة المالي في ثلاثينيات القرن الماضي خلال فترة الكساد العالمي، حين استعان به الناس للحصول على الطعام وغيره من الخدمات المختلفة.
الباحث في الاقتصاد السياسي الأكاديمي يحيى السيد عمر، قال لعنب بلدي، إن نظام المقايضة الاقتصادي يعتبر الأقدم على الإطلاق في تاريخ البشرية، وساد لآلاف السنين قبل وجود النقود، ولاحقًا وبعد دخول النقد إلى النظام الاقتصادي تراجع دور المقايضة ليتلاشى تقريبًا.
وحاليًا تُفعّل بعض الدول نظام المقايضة مع دول أخرى، بحيث باتت له أسس اقتصادية حديثة من حيث السجلات و”مسك الدفاتر” وتقدير القيمة وغيرها من المفاهيم ذات الصلة، وفق الباحث.
ويعد نظام المقايضة نظامًا فعالًا في الحالات الاستثنائية، إذ “نادرًا” ما يطبّق في الحالات الطبيعية، بحسب السيد عمر، ومن هذه الحالات، حينما وقّعت ليبيا، خلال ظروف الحرب، اتفاقيات مقايضة مع الجانب التركي، تنص على تحصيل أربعة مليارات دولار لمستثمرين أتراك من ليبيا، عبر الحصول على مواد عينية كالنفط.
كما لجأ الاتحاد الأوروبي لنظام المقايضة مع إيران عام 2018، وذلك لـ”الالتفاف” على العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران، والتي منعت التبادل النقدي مع إيران، وأوضح الباحث أن المقايضة فعالة في ظل عدم القدرة على السداد النقدي من قبل أحد أطراف الاتفاق.
هل تحل المقايضة الأزمات الاقتصادية؟
تستورد سوريا القمح بشكل رئيس من روسيا وتصدّر إليها المنتجات الزراعية الغذائية، مثل الرمان والحمضيات والنباتات الطبية والعطرية ونباتات الزينة وشتلات الغراس المثمرة، بحسب تصريحات وزير الزراعة السوري، محمد قطنا.
بينما لا تصدّر سوريا الكثير من البضائع إلى إيران، بحسب الرئيس المشترك لـ”غرفة التجارة السورية- الإيرانية المشتركة” عن الجانب الإيراني، كيوان كاشفي، في حين تستورد النفط ومشتقاته بشكل أساسي.
ومطلع العام الحالي، قالت معاونة وزير الاقتصاد لشؤون التنمية الاقتصادية والعلاقات الدولية، رانيا أحمد، إن سياسة الوزارة تركّز على ترشيد الاستيراد والتركيز على الأولويات، وتنمية الصادرات، مضيفة أنه في نهاية عام 2021 بلغت قيمة الصادرات السورية 664 مليون يورو.
وبلغت قيمة عجز الميزان التجاري في عام 2021 نحو 3.33 مليار يورو.
وبحسب تقرير صادر عن وزارة التجارة الخارجية في أيلول 2021، تصدّر العراق قائمة مستوردي البضائع المصدّرة من سوريا، وحلّت السعودية في المرتبة الثانية خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2021.
وتعد الأسواق الخليجية أحد أماكن تصريف المنتجات السورية، التي تشمل مواد غذائية وألبسة.
وتخطط حكومة النظام السوري للاعتماد على نظام المقايضة في ظل عدم قدرتها على توفير العملة الأجنبية اللازمة للاستيراد، فقلة مصادر الإيرادات ولا سيما بالدولار، تعد الدافع الرئيس لهذا التوجه، بحسب الأكاديمي يحيى السيد عمر.
ويستبعد السيد عمر أن يسهم الاعتماد على نظام المقايضة في حل أزمة حكومة النظام الاقتصادية، فنجاح نظام المقايضة يتطلّب توفر عدة متطلبات، أهمها وجود بضائع مقبولة خارجيًا، وأغلبية المواد المخطط مقايضتها هي مواد زراعية، ومنخفضة الطلب في الأسواق الخارجية، خاصة أنها غير مطابقة لمعايير الجودة العالمية.
كما أن الدول المخطط تفعيل نظام المقايضة معها لا تعتبر بحاجة ماسة إلى المنتجات الزراعية السورية، بحسب الباحث، الذي أضاف أن نجاح المقايضة يتطلّب مرونة إدارية، وسرعة في إنجاز المعاملات ولا سيما مع المنتجات الزراعية السريعة التلف، وكل هذا غير متوفر لدى حكومة النظام، التي تعاني وبشدة من “الترهل الإداري”.
وسعت حكومة النظام عدة مرات لتفعيل نظام المقايضة، لكن أغلبية هذه المحاولات لم تنجح، أحدثها كانت مع لبنان عام 2019.
واقع تصديري ضعيف
أوضح وزير الاقتصاد، سامر الخليل، بخصوص وضع الصادرات، أنه سيجري التواصل مع الجانب العراقي للسماح للشاحنات السورية بالدخول إلى الأراضي العراقية مجددًا، وتشكيل لجنة من وزارات الاقتصاد، والنقل، والمالية، للتواصل مع الأردن لمناقشة القضايا المتعلقة بـ”رسم العبور”.
بينما اشتكى عضو “غرفة تجارة دمشق” ورئيس لجنة التصدير فيها سابقًا، فايز قسومة، من مقترحات اللجنة الاقتصادية الأحدث حول التصدير بأنها قديمة و”مطروقة”، موضحًا أن السفينة السورية لشحن المنتجات السورية ولا سيما الحمضيات إلى روسيا مطلوبة منذ نحو 25 عامًا.
وبيّن قسومة أن نقل الحاوية التجارية إلى روسيا يحتاج إلى نقلها إلى لبنان أولًا ثم تحميلها في الباخرة، وهو يحتاج إلى ألفي دولار إضافية عن كل حاوية، مشيرًا إلى أن الأصناف التي نجح تصديرها إلى روسيا هي الليمون والبرتقال الماوردي والرمان والباذنجان الشتوي.
وفيما يخص التصدير إلى العراق، أوضح قسومة أنه منذ نحو 11 عامًا تتواصل حكومة النظام مع الجانب العراقي للسماح للشاحنات السورية بالدخول إلى الأراضي العراقية مجددًا، معتبرًا أنه إذا نُفّذ هذا المقترح فإن تكاليف الشحن ستنخفض، لأن نقل البضائع من الشاحنات السورية إلى العراقية يؤدي إلى تلفها.
من جانبه، أكد مدير المنافذ الحدودية في الاتحاد الدولي لنقل البضائع، أيمن جوبان، أن أزمة المحروقات وارتفاع سعر الصرف أثرا سلبًا في حركة التصدير، خاصة عبر الحدود الأردنية- السورية، واصفًا الأسطول السوري بأنه “شبه متوقف”.
وذكر جوبان أن سائقي الشاحنات وشركات نقل البضائع يواجهون العديد من الصعوبات في حركة التصدير من الجانب الأردني، لافتًا إلى أن الشاحنة السورية تتوقف عند معبر “جابر” الأردني لتنقل بضائعها إلى شاحنة أردنية أو عربية، بعد “فرض الجانب الأردني رسومًا عالية”، وهو ما يعرّض البضائع للتلف.
وفي آب الماضي، أعلن عضو “لجنة تجار ومصدّري الخضار والفواكه” محمد العقاد، انخفاض الصادرات السورية، في تلك الفترة، إلى دول الخليج بنسبة وصلت لنحو 50%.
وحول أسباب انخفاض التصدير، قال عضو مجلس إدارة “غرفة تجارة دمشق” ياسر أكريم، إن رفع التكاليف يؤخر التصدير، موضحًا أن ارتفاع أسعار الطاقة له الأثر الكبير في كل مراحل الحركة التجارية من الإنتاج حتى التصدير.