عنب بلدي – خاص
أصبحت الكلاب الشاردة ظاهرة منتشرة بشكل واضح في أحياء وشوارع مدن وبلدات شمال غربي سوريا، الأمر الذي أشاع حالات ذعر بين الأهالي، خصوصًا الأطفال منهم، وأصبحت تلك الحيوانات مصدر إزعاج وخوف، مع ما تحمله من فيروسات مسببة للأمراض.
ترافق انتشار الكلاب الشاردة مع إعلان حالات وفاة وإصابات لأشخاص نتيجة التعرض لعضة منها، وسط مبادرات لجهات محلية، ومنها شخصية، للحد من انتشارها، عبر حملات تلقيح أو إطلاق النار في بعض الحالات.
وفيات وإصابات
أحدث حالات المتضررين من الكلاب الشاردة ما أعلن عنه “الدفاع المدني السوري“، في 13 من كانون الأول الحالي، حين قال إن فرقه أسعفت طفلًا إلى المستشفى لتلقي العلاج بعد تعرضه لعضة كلب، في مخيم “البر” قرب قرية باتبو بريف حلب الغربي.
وذكر “الدفاع المدني” عبر “فيس بوك”، أن حالات التعرض لعضات الكلاب ازدادت خلال الفترة الماضية في مناطق شمال غربي سوريا، لافتًا إلى أن مضاعفاتها قد تؤدي إلى الوفاة.
كما توفي الشاب علي زعزوع (42 عامًا)، في 29 من تشرين الثاني الماضي، متأثرًا بعضة كلب مسعور تعرّض لها قبل ثلاثة أيام من وفاته، بقرية ترندة بمدينة عفرين شمالي حلب.
وفي 2 من تشرين الثاني الماضي، تعرض طفل لعضة كلب بمزرعة بريف جسر الشغور غربي إدلب، أسعفه “الدفاع المدني” إلى المستشفى لتلقي العلاج.
وتنشر غرف “تلجرام” (واسع الانتشار في المنطقة)، بشكل شبه يومي، حوادث لتعرض أشخاص، وخاصة الأطفال، لهجوم من كلاب شاردة، ويجري نقل الحالات إلى عيادات قريبة من وقوع هذه الحوادث.
استطلعت عنب بلدي آراء بعض الأهالي عبر مراسليها في ريفي إدلب وحلب، وأعربوا عن مخاوفهم من انتشار الكلاب، وتعرضها للأطفال خصوصًا، كونهم غير قادرين على المقاومة أو الهرب منها، ومنهم من لفت إلى أن بعض الكلاب تهاجم الدراجات النارية، ما يتسبب لها بحوادث وأضرار عديدة.
ومع كل حالة يستجيب لها “الدفاع المدني”، يوصي الأهالي بالانتباه إلى أطفالهم، وعدم الاقتراب من الكلاب الشاردة والأماكن المهجورة التي تنتشر بها، لضمان سلامتهم.
حملات للمكافحة واللقاح
كثرت مطالب الأهالي في المنطقة، وبعضها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بتحركات لبعض الإدارات والجهات المعنية، عبر حملات تلقيح للكلاب، أو التخلص منها عبر إطلاق النار.
في 25 من تشرين الأول الماضي، أطلق المجلس المحلي في مدينة دركوش بريف إدلب الغربي حملة لمكافحة الكلاب الشاردة، وحدد موعدًا بعد الساعة 11 ليلًا، نظرًا إلى انتشار الكلاب بكثرة في ساعات الليل المتأخرة.
عضو المجلس المحلي بمدينة دركوش محمد عبدو، قال لعنب بلدي، إن الكلاب الشاردة انتشرت بكثرة في أحياء وشوارع المدينة، خصوصًا في الأماكن التي لا توجد فيها كثافة سكانية عالية أو تجمع بشري كبير.
ووصلت إلى المجلس العديد من الشكاوى حول انتشار الكلاب، كونها مؤذية وتبث الذعر والخوف في نفوس الأهالي، بالإضافة إلى المخاوف من الأمراض الناتجة عن مهاجمتها للأشخاص.
وأضاف عبدو أن حملة المجلس المحلي شملت إرجاع الكلب إلى صاحبه في حال عُرف، وتوصيته بضرورة ربطه، وقتل الكلاب الشرسة مع دفنها بطريقة صحية لا تجلب الروائح والأمراض.
وأطلقت مديرية الزراعة والثروة الحيوانية التابعة للمجلس المحلي في مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي حملة لقاح للكلاب الأهلية ضد فيروس “السعار”، لضمان وجودها بشكل آمن بين الأهالي، وذلك بعد انتشار الكلاب الشاردة في أحياء المدينة، ووجود عدة حالات لتعرض الكلاب للعديد من الأهالي.
حملة المكتب الزراعي في اعزاز لا تزال مستمرة منذ 23 من تشرين الثاني الماضي، وشملت الكلاب الشاردة أيضًا، ويعطي فريق بيطري متخصص اللقاحات المطلوبة للحيوانات، لضمان عدم إصابتها بداء “السعار”.
فادي العجلان، مدير المكتب الزراعي في المجلس المحلي باعزاز قال لعنب بلدي، إن السبب الرئيس لإطلاق الحملة، هو تعرض الأطفال والنساء للهجوم من قبل بعض الكلاب الشاردة في أحياء المدينة، وتبيّن أن بعض هذه الكلاب مصابة بداء “السعار”، وبدأت تنقل العدوى لغيرها من الكلاب الأخرى.
وتقوم حملة “مجلس اعزاز” على إعطاء لقاح مستورد ومعتمد من تركيا للكلاب الأهلية عن طريق فريق طبي بيطري متخصص، لافتًا إلى أنه متى ما أصيب الكلب بمرض “السعار” فلا يمكن أن يستفيد من اللقاح المعطى، لذلك يتم التخلص منه فورًا.
وأضاف العجلان أن الكلب المصاب بداء “السعار” يموت بعد فترة من ثلاثة إلى سبعة أيام من وصول المرض إلى خلاياه العصبية والدماغ، فإما يتم الحجر عليه حتى يموت، وإما يتم إطلاق النار عليه ومن ثم التخلص منه ودفنه في مناطق مخصصة.
أمراض قاتلة وطرق وقاية
وعن الأمراض التي تنقلها الكلاب الشاردة، سبق أن أوضح الطبيب البيطري رشيد الجنيد لعنب بلدي، أن أهم الأمراض هي الدودة المكورة، وداء الكيسات المائية، ومرض الجيارديا، وحساسية الأطفال ومرض الجلد، والقوباء الحلقية.
وأخطر تلك الأمراض على الإطلاق وأكثرها انتشارًا هو داء “الكلب” (السعار) الذي ينتقل إلى الأشخاص عن طريق لعاب الكلب المصاب، سواء باللعق أو العض، وهذا الفيروس لا يموت ولا يتأثر باستخدام المطهرات الموضعية التي تُستخدم في تطهير الجروح.
وتُعرّف منظمة الصحة العالمية داء “الكلب” على أنه مرض يمكن الوقاية منه باللقاحات، ولكن بمجرد ظهور الأعراض السريرية، يصبح قاتلًا 100٪ تقريبًا، وتُعد الكلاب المنزلية مسؤولة عن انتقال فيروس داء “الكلب” إلى البشر بنسبة تصل إلى 99٪ من الحالات.
ويصيب داء “الكلب” الحيوانات المنزلية والحيوانات البرية، وينتقل إلى الإنسان والحيوان محمولًا عادة باللعاب عن طريق العضّ أو الخدش.
ويحصل سنويًا أكثر من 29 مليون شخص في العالم على التطعيم بعد التعرض لعضّ الحيوانات، ويمنع ذلك سنويًا، وفقًا للتقديرات، مئات الآلاف من الوفيات الناجمة عن داء “الكلب”، وفق المنظمة.
ويُعد داء “الكلب” من أمراض المناطق المدارية المهملة (وهي مجموعة متباينة من 20 مرضًا ومجموعات أمراض سارية وغير سارية مرتبطة بالفقر، تُصيب بالأساس الناس في البلدان المدارية وشبه المدارية)، والتي تصيب المجموعات السكانية الفقيرة والسريعة التأثر المقيمة في المناطق الريفية النائية، في المقام الأول، ويحدث 80% تقريبًا من الحالات البشرية في المناطق الريفية.
وذكرت منظمة الصحة ثلاث طرق للوقاية من داء “الكلب”، هي التخلص منه لدى الكلاب باللقاحات والتطعيم، والتوعية والتثقيف بشأن داء “الكلب” والوقاية من عض الكلاب، وتمنيع الأشخاص بعد وقبل التعرض للداء.
ونشرت المنظمة بعض الحقائق عن داء “الكلب”، منها أنه مرض فيروسي يمكن الوقاية منه باللقاحات، ويحدث في أكثر من 150 بلدًا وإقليمًا، وتسبّب العدوى وفاة عشرات الآلاف من الأشخاص سنويًا معظمهم في آسيا وإفريقيا.
ويمثّل الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 عامًا 40% من الأشخاص الذين يتعرّضون لعضّ الحيوانات التي يُشتبه في إصابتها بداء “الكلب”.
ويُعد تنظيف الجروح جيدًا وعلى الفور باستخدام الماء والصابون عقب مخالطة أي حيوان يُشتبه في إصابته بداء “الكلب” شديد الأهمية، وقد يؤدي إلى إنقاذ الأرواح.
وتتولى المنظمة قيادة مبادرة “متحدون لمكافحة داء الكلب” لدفع التقدم تجاه غاية “انعدام الوفيات البشرية الناجمة عن عدوى داء الكلب المنقولة بالكلاب بحلول عام 2030”.
أسهم بإعداد هذه المادة مراسلا عنب بلدي، في اعزاز ديان جنباز، وفي دركوش محمد نعسان الدبل