عنب بلدي – إدلب
لا تستطيع “إلهام” (35 عامًا)، وهو اسم مستعار لصحفية ومراسلة تعمل في إدلب، الإفصاح عن عملها، إذ رفضت التوجه إلى المديرية العامة للإعلام التابعة لحكومة “الإنقاذ” العاملة في إدلب وأجزاء من ريف حلب الغربي للحصول على “بطاقة صحفي”، خوفًا من تتبّع نشاطها ومن نظرة المجتمع إليها.
وقالت “إلهام” لعنب بلدي، إنها اختارت استخدام اسم مستعار للاستمرار بعملها الذي تحب، دون الحاجة إلى استخراج “بطاقة صحفي”، خوفًا من البحث في سجلات تقاريرها التي تسلّط الضوء من خلالها على انتهاكات “الإنقاذ” و”هيئة تحرير الشام”.
ولا تقتصر هذه المخاوف على “إلهام”، إذ تواجه معظم الصحفيات والإعلاميات العاملات في مناطق سيطرة “الإنقاذ”، العديد من العراقيل الاجتماعية والأمنية، ما يدفعهن للعمل بأسماء وهمية.
مراقبة دائمة
“من غير السهل أن تعمل المرأة بمجال الإعلام في منطقة كإدلب، هناك من يراقب عملنا ويقيّمه وينتقده، وثمة من يتصيّد أخطاءنا ليكمّم أفواهنا”، تحدثت “إلهام” واصفة التضييق الأمني الذي تواجهه وزميلاتها في إدلب.
وتابعت، “نواجه العديد من التحديات خلال عملنا، لكنّ أكثرها صعوبة التضييق الأمني على تحركاتنا من قبل سلطة الأمر الواقع”.
واعتبرت “إلهام” أن “بطاقة الصحفي” تهدف للتضييق على الإعلاميين، إذ تُمنح البطاقة للموالين لـ”تحرير الشام”، التي تسعى لاحتكار الإعلام وتجنيده ليكون أداة بيدها، وفق تعبيرها.
من جهته، قال مدير الشؤون الصحفية في مديرية الإعلام، خالد الشقفة، إن المكتب القانوني الموجود ضمن مديرية الإعلام مهمته متابعة جميع الشكاوى أو الاعتداءات التي قد تطال الصحفي أو الصحفية.
وأضاف لعنب بلدي، أن قانون العمل الإعلامي يعتبر الصحفي بمنزلة موظف قائم على رأس عمله، وأي اعتداء عليه بالقول أو اللفظ يعرّض المعتدي للمساءلة والمحاكمة.
وبحسب ما قاله الشقفة، تمنح المديرية تصاريح العمل عبر الإنترنت، وتساعد على تأمين مقابلات هاتفية مع المسؤولين والجهات الرسمية للإعلاميات، نظرًا إلى صعوبة تنقل بعضهن بين منطقة وأخرى.
تضييق مجتمعي
“تلاحقنا نظرة المجتمع الذكوري الذي لا يتقبل عمل المرأة في هذا المجال، ظنًا أنها أقل كفاءة أو مسؤولية من الرجل”، وفق ما قالته “إلهام”.
وأضافت أن تعامل المجتمع مع النساء العاملات في مجال الإعلام يضاعف صعوبات العمل، ويضعهن في صراع دائم لإثبات النجاح.
“بالإضافة إلى التضييق ونظرة الاستخفاف، نتعرض للتحرّش خلال عملنا، وتتحول محاولاتنا بالحصول على معلومات إلى محاولات من قبل الآخر لدعوتنا إلى فنجان قهوة بحجة التعرف إلينا”، تابعت “إلهام”.
وقالت الصحفية، إن البعض يرفضون إعطاء المعلومات عن طريق الهاتف في محاولة لدعوة الإعلاميات إلى مكاتبهم، لافتة إلى أن الأمر يضر بسمعتهن، حتى وإن كانت نيات الطرف الآخر “بريئة”، وهو نادرًا ما يحدث، وفق تعبيرها.
وخلال عملها مراسلة، طالت “سوزان” (29 عامًا)، اسم وهمي لأسباب اجتماعية، الكثير من الشائعات لتشويه سمعتها من قبل جانب من مجتمعها ينتقص من عملها ويراه مخالفًا للعادات والتقاليد.
“سافرت لوحدها، رأيناها مع فلان من الناس، لم تكن محتشمة، كانت تكلم الرجال”، هذه العبارات وغيرها، سمعتها عائلة “سوزان” مرارًا، وانتهى الأمر بتوقفها عن العمل إرضاء لأهلها وزوجها ومجتمعها المحيط، و”حفاظًا على سمعتها”، بحسب تعبيرها.
وتواجه “براءة” (28 عامًا)، اسم وهمي لإعلامية في إدلب، نظرة استخفاف من قبل المجتمع المحيط بها، وزوجها الذي يرفض عملها، ويحاول بمختلف الطرق دفعها للتخلي عنه.
ويرى زوج “براءة” أن العمل بمجال الإعلام ليس مناسبًا للمرأة، باعتبارها ستكون مضطرة للتعامل مع الرجال بشكل مستمر، وفق ما قالته لعنب بلدي.
مسؤولية مضاعفة
“يجب عليّ كزوجة وأم رعاية أطفالي والاهتمام بزوجي وأعمالي المنزلية، وإثبات نفسي بالعمل، وهو ما يخلق ضغوطًا مضاعفة، ويحدّ من قدرتي على تحقيق التوازن بين عملي ومنزلي”، هذا ما قالته “براءة” حول المسؤوليات الكبيرة التي تتحملها بسبب رفض زوجها لعملها.
وتحمّلت “براءة” ضغوطات كبيرة خصوصًا خلال مرحلة حملها وبعد الولادة، إذ لا تمنحها المؤسسات التي تعمل معها إجازة أمومة أو إجازات مرضية، ما يجبرها على العمل بمختلف الظروف للحصول على راتبها كاملًا، وفق قولها.
ورغم أنها واجهت ظروفًا صحية سيئة خلال حملها، لم تستطع “براءة” التخلي عن عملها، خوفًا من عدم حصولها على فرصة أخرى في ظل وجود عشرات الإعلاميين العاملين في المنطقة.
وتضطر “براءة”، وهي أم لطفلين، أحدهما رضيع لا يتجاوز عمره السبعة أشهر، إلى انتظار عودة زوجها من عمله في التدريس لتبدأ نشاطها، ما يضعها في مشكلات دائمة مع زوجها.
انتهاكات دون ضوابط
بحسب تصنيف منظمة “مراسلون بلا حدود” العالمي لحرية الصحافة، احتلت سوريا المرتبة 171 من أصل 180 بلدًا في ذيل قائمة التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2022.
ويواجه الإعلاميون في شمال غربي سوريا العديد من أشكال الانتهاكات، إذ يتعرضون للاعتقال، ويُمنعون من تغطية الأحداث، إما لموقف سلطات المنطقة من الوسيلة الإعلامية التي يعمل الصحفي لمصلحتها، وإما لأسباب أمنية وأخرى غير واضحة.
وفي 10 من نسيان الماضي، أعلنت مديرية الإعلام التابعة لحكومة “الإنقاذ” انتهاء العمل بالبطاقة الصحفية القديمة للإعلاميين، وبدء العمل بالبطاقة الجديدة.
وطلبت المديرية من جميع حاملي البطاقات الصحفية القديمة المسارعة إلى مراجعة مديرية الشؤون الصحفية والإعلامية، وتسليم البطاقة القديمة للحصول على البطاقة الجديدة.
في حين اعتبر إعلاميون وناشطون، أن هذه الخطوة تهدف إلى “تقييد حركتهم ومراقبة تحركاتهم”.
وفي تقرير سابق بعنوان “(حالة طوارئ) تكبّل الإعلاميين في الشمال”، ناقشت عنب بلدي مع صحفيين وناشطين أسباب عدم وقف الانتهاكات الممارَسة بحق الإعلاميين في مناطق شمال غربي سوريا، وسلّطت الضوء على الحلول الممكنة لحماية الإعلاميين والدفاع عن حقوقهم المهنية.
أسهم بإعداد هذا التقرير مراسلة عنب بلدي في إدلب هدى الكليب