نيويورك تايمز: أمريكا تعتمد على المال السعودي لدعم مقاتلي المعارضة
عندما رخص الرئيس الأميركي، باراك أوباما بشكل سري لوكالة الإستخبارات المركزية (CIA) للبدء بتسليح مقاتلي العارضة في 2013، كانت تعلم الوكالة أن لديها شريك لمساعدتها في الدفع للعمليات السرية. هذا الشريك هو نفسه الذي اعتمدت عليه “CIA” لعقود على التمويل والتصرف في نزاعات بعيدة جدًا، الشريك هو المملكة السعودية.
كتب مارك مازيتي ومات أبوزو في نيويورك تايمز
منذ ذلك الوقت، حافظت وكالة الإستخبارات والسعودية على ترتيب غير اعتيادي لمهمة تدريب المعارضين، المهمة التي أعطاها الأميركين اسم “تيمبر سيكامور”.
وقال مسؤولون في الإدارة، مطلعون على الاتفاقية، إن السعوديين يساهمون بالأموال والأسلحة بينما تأخذ وكالة الاستخبارات القيادة في تدريب المعارضين على بنادق AK-47 وعلى صواريخ مدمرة للدبابات.
“شراكة قديمة” لكنها سرية في سوريا
التعاون بين السعودية والـ “CIA” في سوريا هو واحد فقط من تحالف يعود لعقود، فقد دام حتى خلال دعم المجاهدين ضد السوفييت في أفغانستان وحروب الوكالة في أفريقيا وحروب أخرى. في سوريا، عمل الشريكان معًا، أما في حالات أخرى فكانت السعودية تكتب شيكات فقط للعمليات السرية الأميركية.
ويستمر برنامج التسليح والتدريب المشترك، الذي تساهم به دول أخرى، باستمرار علاقات السعودية مع الولايات المتحدة وباستمرار مكان المملكة في المنطقة التي تستمر بالتغيير. الروابط القديمة ذات النفط الرخيص والجيوبولوتيكس التي ربطت البلدان مع بعضها انحلت، بسبب عدم اعتماد أمريكيا على النفط الأجنبي كما قبل، ولأن إدارة أوباما تعمل على إعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران.
وبالرغم من ذلك، مازالت العلاقات والمصالح المشتركة مستمرة مع أمريكيا والمملكة، التي تعد المرسى الروحي للعالم الإسلامي السني، وهذا يفسر عدم انتقاد أميركيا لانتهاكات حقوق الإنسان في المملكة ومعاملتها للنساء ودعمها للإسلام المتطرف الوهابي. الوهابية التي أعطت إلهامًا لجماعات متطرفة أخرى تقاتلها الولايات المتحدة، فإدارة أوباما لم تنتقد السعودية على خلفية إعدام النميري الذي تحدى العائلة المالكة.
على الرغم من أن السعوديين صرحوا بشكل علني عن تسليح المعارضة في سوريا، إلا أن الشراكة السرية مع الاستخبارات ودعمهم المادي المباشر لم يتم الإعلان عنه.
“CIA” دون تفاصيل: هم بحاجتنا ونحن بحاجتهم
جمعت التفاصيل مع بعضها في مقابلات مع مسؤولين أميركيين سابقين وحاليين، ومن مصادر من بعض دول الخليج، ومعظمهم تحدثوا دون الكشف عن أسمائهم (لأنه لم يسمح لهم بنقاش البرنامج) أنه من اللحظة الأولى التي بدأت فيها عمليات الـ “CIA”، دعمتها الأموال السعودية.
مايك روجرز، العضو السابق في الكونغرس ورئيس لجنة الاستخبارات في الكونغرس، قال “هم يفهمون أنهم يحتاجوننا ونحن نفهم أننا نحتاجهم”، لكنّه رفض التحدث بتفاصيل برنامج “CIA” السري.
لم يكشف المسؤولون الأمريكيون حجم المساهمة السعودية، وهو أكبر دعم قدم لتسليح المعارضة ضد الرئيس بشار الأسد، ولكن البعض قدر تكاليف التسليح والتدريب بعدة مليارات دولار.
احتضن البيت الأبيض الدعم المادي السري السعودي والقطري والأردني والتركي، في وقت دفع فيه أوباما دول الخليج لأخذ دور أمني أكبر في المنطقة. ورفض المتحدث باسم الـ “CIA” والمتحدث في السفارة السعودية في واشنطن التعليق على الموضوع.
صفقات الأسلحة التي دعمتها “الشراكة”
عندما وافق أوباما على تسليح المعارضة في ربيع 2013، كان جزء من موافقته محاولته للتحكم بالفوضى في المنطقة. وكان القطريون والسعوديون يدخلون الأسلحة للبعض في سوريا لأكثر من عام. وهرب القطريون شحنات أسلحة صينية من نوع FN-6، وهي صواريخ تطلق من على الكتف عن طريق الحدود التركية.
وقاد جهود السعوديين الأمير بندر بن سلطان، عندما كان رئيس الإستخبارات وعندما وجه العملاء السعوديين لشراء آلالاف البنادق من نوع AK-47 وملايين الذخائر في أوروبا الشرقية للمعارضين السوريين. وساعدت الـ “CIA” بترتيب بعض عمليات شراء الأسلحة للسعوديين، ومن ضمنها عملية شراء كبيرة في كرواتيا في 2012.
في صيف 2012، كانت دول الخليج تتصرف بحرية على الحدود التركية، حيث أدخلت هذه الدول المال النقدي والأسلحة للمجموعات المعارضة، حتى أن بعض المسؤولين الأمريكين شعروا بالقلق من أن بعض الأسلحة تصل لمجموعات متطرفة، مثل القاعدة.
كانت الـ “CIA” على الهامش في هذه الفترة، التي خولها فيها البيت الأبيض ضمن برنامج التدريب “تيمبر سيكامور”، بإيصال مساعدات غير قاتلة للمعارضين وليس أسلحة.
تعديل برنامج “تيمبر سيكامور” لإمداد السوريين
أواخر 2012، وبحسب مسؤولين سابقين رفيعي المستوى، قام دايفيد بترايوس، مدير الإستخبارات حينها، بمحاضرة قاسية لمسؤولي الاستخبارات في عدة دول خليجية في اجتماع قرب البحر الميت في الأردن. وضمن الاجتماع وبّخهم بسبب إرسال أسلحة لسوريا دون التنسيق مع بعضهم أو حتى مع مكاتب الـ”CIA” في الأردن وتركيا.
وبعدها بأشهر، أعطى أوباما موافقته للـ “CIA” لتبدأ مباشرةً بتسليح وتدريب المعارضين في قاعدة في الأردن، معدلًا بذلك برنامج “تيمبر سيكامور” للسماح بمساعدات قاتلة.
وبحسب هذا التعديل، تولّت الـ “CIA” القيادة في التدريب بينما زودت وكالة الاستخبارات السعودية والمديرية العامة للاستخبارات المال والأسلحة ومن ضمنها صواريخ مضادة للدبابات (TAW).
وساعد القطريون أيضًا في تمويل التدريب، وسمحوا باستخدام قاعدة قطرية كموقع تدريب إضافي. ولكن المسؤولين الأميركيين قالوا إن السعودية هي أكبر مساهم في العملية.
عندما لاحظت إدارة أوباما أن هذا الائتلاف يشكل عاملًا يمكن تسويقه في الكونغرس، سئل البعض أمثال السيناتور رون وايدن (في الحزب الديمقراطي من ولاية أوريغون) لماذا تحتاج الـ “CIA” أموال السعودية لتمويل العملية؟ بحسب ما نقله مسؤوول أميركي سابق.
رفض السيد وايدن التصريح بمقابلة، ولكن مكتبه أصدر بيانًا يطالب فيه بشفافية أكثر. وجاء في البيان “قال مسؤولون رفيعو المستوى بشكل علني إن الولايات المتحدة تحاول بناء مقدرات في أرض المعركة للمعارضة ضد الأسد، ولكنهم لم يزودوا عامة الشعب بتفاصيل عن كيفية بناء هذه المقدرات، وماهي المؤسسات التي ستعمل فيها، ومن هم الشركاء الأجانب التي تعمل معهم هذه الوكالات”.
عندما تتوتر العلاقات بين الدول المتورطة في برنامج التدريب، يقع عاتق المسايسة على الولايات المتحدة للبحث عن حلول. فبالنسبة للأردن، كونها البلد المضيف، تتوقع دفعات بشكل منتظم من السعوديين والأميركيين، وعندما يدفع السعوديون متأخرين، كما قال مسؤول رفيع المستوى في الاستخبارات، يشتكي الأردنيون لمسؤولي الـ “CIA”.
عندما مول السعوديين مهمات سابقة لل “CIA”، كانوا يدفعون دون شروط ودون مقابل. ولكن أموال سوريا تأتي مع توقعات كما قال مسؤولون سابقون وحاليون. قال بروس ريدل، محلل سابق في “CIA”: “يريدون مقعدًا على الطاولة وأن يكون لهم قول في جدول الأعمال”.
برنامج “CIA” يختلف عن تدريب البنتاغون، من حيث “الإرهاب”
يختلف البرنامج التدريبي الذي تقوم به “CIA” عن أي برنامج آخر في تسليح المعارضين السورين، إذ أوقف البنتاغون البرنامج الأخير لتسليح المعارضة، والذي صمم لتدريب المعارضين على قتال تنظيم “الدولة” في سوريا وهو على عكس برنامج “CIA”، الذي يركز على تدريب المعارضين لقتال الجيش السوري.
ويعتبر محللون أنه بالرغم من أن التحالف الاستخباراتي هو نقطة مركزية بخصوص سوريا، وكان مهمًا للغاية في قتال القاعدة، إلا أن العلاقات السعودية الأمريكية تتوتر بسبب دعم المواطنين السعوديين للمجموعات الإرهابية.
يقول وليام ماكينتس، وهو مستشار سابق في وزارة الخارجية الأميركية في مكافحة الإرهاب ومؤلف كتاب عن تنظيم الدولة، “عندما يصبح النقاش أننا نحتاجهم كشريك لمكافحة الإرهاب، فالنقاش غير مقنع… إذا كان الحديث بشكل جوهري عن تعاون لمكافحة الإرهاب، وإذا كان السعوديون جزءًا كبير من المشكلة في إقامة الإرهاب في المقام الأول، فهذا الجدل غير مقنع بتاتًا”.
السعودية تتقبل النقد بشكل خاص أكثر من التوبيخ العلني
مايزال التحالف قويًا ويعزز برباط بين أسياد العملاء. الأمير محمد بن نايف، وزير الداخلية السعودي، الذي أخذ على عاتقه تسليح المعارضين السوريين من الأمير بندر، وكان على علاقة جيدة مع مدير”CIA”، جون برينان، عندما كان رئيسًا الوكالة في محطة الرياض في 1990.
ويقول زملاء سابقون لهم إن الرجلين على علاقة وثيقة، وكسب الأمير محمد أصدقاء في واشنطن في تحركاته العدوانية لتفكيك “مجموعات إرهابية”، مثل القاعدة في الجزيرة العربية.
وظيفة برينان في الرياض كانت مركز التهدئة للقوة الأميركية في المملكة، بشكل أكبر من وظيفة السفير. ويقول دبلوماسيون سابقون إن أهم النقاشات كان تحدث عبر برينان.
ويذكر مسؤولون سابقون وحاليون في الاستخبارات الأميركية أنه يوجد فائدة بوجود قناة الاتصال هذه، إذ يستجيب السعوديون للنقد بشكل خاص أكبر منه بشكل علني. وهذه القناة السرية عملت على توجيه السلوك السعودي اتجاه المصالح الأميركية، أكبر من أي وسيلة توبيخ علنية.
الكونغرس قصّ أجنحة “CIA” لكنّ تحالف السعودية كان مهربًا
جذور العلاقة عميقة، عندما نظم السعوديون مايعرف بـ “نادي سفري” في السبعينيات، وهو ائتلاف من عدة دول يشمل المغرب ومصر وفرنسا، قام بعمليات سرية في إفريقيا عندما قص الكونغرس أجنحة “CIA” بعد سنين من الانتهاكات.
ويقول الأمير تركي الفيصل، رئيس سابق للاستخبارات السعودية، في خطاب في جامعة جورج تاون في 2002، “ساعدت المملكة مع هذه الدول بطريقة ما باعتقادي لإبقاء العالم أمنًا، في وقت لم تستطع فيه الولايات المتحدة فعل ذلك”.
في 1980 ساعد السعوديون بتمويل عمليات الـ “CIA” في أنغولا في أفريقيا، عندما كانت الولايات المتحدة تدعم المتمردين ضد الحكومة الموالية للسوفييت. ومع أن السعوديين كانوا ضد الشيوعية بشكل كبير، كان هدف الرياض الأول تعزيز روابطها مع الـ “CIA”، ويعتبر مسؤول سابق رفيع المستوى في الإستخبارات، إنهم “كان يشترون النية الحسنة”.
وبعدها دعمت السعودية الولايات المتحدة في قتال السوفييت لإخراجهم من أفغانستان بتمويلها ملايين الدولارات للمجاهدين.
وتدفقت الأموال عبر حساب للـ “CIA” في بنك سويسري. ويبين الصحفي جورج كريل الثالث، في كتابه “حرب تشارلي ولسن”، كيف أن الـ “CIA” رتبت ليكون الحساب دون فائدة، بسبب منع الإسلام للربا.
في 1984، عندما طلبت إدارة ريغان في خطتها السرية بيع أسلحة لإيران لتمويل متمردين الكونترا في نيكاراغوا، التقى روبرت ماكفارلان، مستشار الأمن القومي، مع الأمير بندر، السفير في واشنطن حينها، وأوضح البيت الأبيض أن السعوديين سيكسبون الكثير من تأييد واستحسان الإدارة الأميركية.
وإثرها، قدم بندر مليون دولار شهريًا لتمويل الكونترا للاعتراف بدعم الإدارة السابق للسعوديين، واستمر الدعم السعودي حتى بعد أن قطع الكونغرس التمويل عن الكونترا. وفي النهاية، ساهم السعوديون بمبلغ 32 مليون دولار، عن طريق حساب بنكي في جزر كايمان.
وعندما انتشرت فضيحة إيران والكونترا وبدأ السؤال عن دور السعوديين، حافظت المملكة على أسرارها، ورفض الأمير بندر بالتعاون في التحقيق، الذي قاده لورنس والش من المجلس المستقل.
رفض الأمير الشهادة في رسالةٍ قال فيها إن ثقة بلده والتزامها مثل الصداقة بين البلدين، هي للمدى البعيد وليس لوقت قصير.
نشر المقال في 23 كانون الثاني، وترجمته عنب بلدي، لقراءة المقال باللغة الانكليزية من المصدر: اضغط هنا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :