الحسكة – مجد السالم
تبدو سعدية الحسين (40 عامًا) راضية عن ممارستها مهنة الخياطة التي تعلمتها مؤخرًا بمساعدة من إحدى المنظمات الإنسانية الناشطة في المخيم، ومع تطور عملها باتت تعتبر آلة الخياطة كإحدى بناتها الثلاث، بحسب ما قالته لعنب بلدي.
سعدية، النازحة من ريف رأس العين الجنوبي إلى مخيم “التوينة” شمال الحسكة، تقيم في المخيم مع زوجها وبناتها منذ أكثر من عامين، عانت خلالهما ظروفًا معيشية صعبة، وأصبح التأقلم مع الظروف الجديدة أكثر صعوبة بعد أن خسروا جميع ممتلكاتهم في قبل النزوح.
وبحسب ما قالته لعنب بلدي، فإن زوجها بدأ العمل بأجر يومي (مياومة)، ويتنقل بين مدينة الحسكة والمخيم، ليجني بضعة آلاف لا تكفي لسد الرمق.
تدهور الوضع الاقتصادي فرض على سعدية البحث عن طريقة لمساعدة زوجها، وتحمل بعض من “أعباء المصاريف التي لا تنتهي”.
قالت السيدة الأربعينية لعنب بلدي، إنها انخرطت في دورة تدريبية لتعلّم الخياطة كانت تقدمها إحدى المنظمات التي تتردد إلى المخيم.
كانت الدورة التدريبية تقدم للنساء بشكل مجاني، إلى جانب مبلغ صغير يُعطى للمتدربات بشكل شهري.
وخلال شهرين فقط، تمكنت من إتقان مبادئ العمل، ثم اتجهت لشراء آلة خياطة مستعملة ساعدتها في تأمين دخل لعائلتها، ولم تمضِ بضعة أشهر، حتى باتت سعدية تجني من عملها في مجال خياطة الملابس أكثر مما يجنيه زوجها من عمله اليوم.
تعلم المهن
موظفة في منظمة ناشطة داخل مخيم “رأس العين” بالحسكة، قالت لعنب بلدي، إن سكان المخيم، وأولهم النساء، يعيشون “ظروفًا خاصة”، تزداد صعوبة مع فقدان النساء أزواجهن، وتحمّلهن مسؤولية إعالة الأبناء.
وأضافت الموظفة، التي فضّلت عدم الكشف عن اسمها واسم المنظمة لأسباب أمنية، أن انحدار الأوضاع المعيشية للسوريين نحو الأسوأ دفع فئة من النساء إلى البحث عن أي فرصة عمل، سواء داخل أو خارج المخيم.
وتابعت أن منظمتها تنشط في تنفيذ مشاريع أهدافها “التماسك المجتمعي، وخلق مساحات آمنة للأطفال، وتدعيم دور المرأة”.
وتحدثت الموظفة عن دورات وورشات تدريبية “مجانية” تجريها منظمتها داخل المخيم، لتمكين النساء وإكسابهن مهارات تساعد في إيجاد فرص عمل، أو تطوير عملهن الخاص ضمن “مجتمع المخيم”.
البيئة التي أُقيمت بها هذه الورشات لاقت إقبالًا كونها لم تكبّد المتدربات تكاليف مادية، أو مخاوف أمنية في حال مغادرة المخيم، وغالبًا ما تكون الدروس فيها عملية.
المناسبات مصدر للرزق
روعة (26 عامًا)، فضّلت عدم ذكر اسمها الكامل لأسباب اجتماعية، قالت لعنب بلدي، إن شغفها بفنون التجميل (المكياج) ساعدها على إنشاء عملها الخاص في المخيم.
خصصت روعة إحدى الخيام كمكان لتزيين “العرائس”، وساعدها في ذلك والدها الذي اشترى لها أدوات وبعض الألبسة لتأجيرها.
روعة قالت لعنب بلدي، إن سكان المخيم أيضًا لديهم “مناسباتهم الخاصة”، فهناك العشرات ممن يتزوجون داخل المخيم سنويًا، ومن حق العروس أن تفرح بيوم عرسها، حتى وإن كانت نازحة.
وأضافت أن نساء المخيم يأتين إلى محلها، ومن مختلف الأعمار في كل المناسبات، سواء للتجهز لخطوبة أو حفل عرس داخل وخارج المخيم.
كما أن هناك نسبة لا بأس بها من فتيات المخيم يدرسن في الجامعة، يأتين إليها بشكل أسبوعي لتصفيف الشعر.
وترغب روعة مستقبلًا أن تبني غرفة بدلًا من الخيمة التي تعوق عملها، جراء صغر حجمها وصعوبة تجهيزها، وتشير إلى أن مشكلة انقطاع الكهرباء في المخيم تعطّل عملها في كثير من الأحيان.
حملة شهادات
داخل مخيم “رأس العين” توجد أعداد كبيرة من خريجات وخريجي الجامعات السورية، منهم من تمكّن من العمل لدى مؤسسات “الإدارة الذاتية”، ومنهم من قرر افتتاح مشروعه الخاص في المخيم.
نيفين محمد (30 عامًا)، تحمل إجازة في التربية، قالت لعنب بلدي، إن مخيم “رأس العين” يضم نحو 1500 طالب وطالبة.
ويشمل هذا الرقم طلابًا من مختلف المراحل التعليمية الابتدائية والإعدادية والثانوية، ويتلقون تعليمهم في مدرستين بالمخيم بساعتي تدريس لكل صف.
وأضافت نيفين لعنب بلدي، أن قلة ساعات التدريس في المدارس، دفعت بالأهالي إلى إلحاق أبنائهم بدورات تعليمية خاصة، ولا سيما في المرحلة الابتدائية، لتمكينهم من مبادئ القراءة والكتابة العربية.
الحاجة إلى التعليم في المخيم أتاحت لنيفين اعتماد الدروس الخصوصية مصدرًا للدخل، إلى جانب مرتبها الذي تتلقاه من “الإدارة الذاتية” لقاء عملها مدرّسة.
نيفين أشارت إلى أن المبالغ التي تتقاضاها مقابل الدروس “بسيطة ورمزية” إلى جانب مدرّسين من كلا الجنسين، يعملون في المجال نفسه، لكن أغلبيتهم من النساء.
وبحسب ما رصدته عنب بلدي، فإن النساء في المخيم يمارسن إلى جانب المهن والوظائف السابقة أعمالًا عديدة أخرى، فمنهن من تبيع الألبسة النسائية ضمن خيمتها بعد أن تحضرها من مدينة الحسكة، وأخريات يبعن المواد الغذائية البسيطة كالمعلبات والبسكويت، وهناك من افتتحن مع أزواجهن “بقاليات” صغيرة في خيمة مستقلة.
يقع مخيم “رأس العين” شمال شرق الحسكة، ويضم نحو 11 ألف نازح ينحدرون من بلدة رأس العين والقرى المحيطة بها، بالإضافة إلى قسم من ريف بلدة تل تمر الشمالي.