تُنقل بالشاحنات.. تعاملات الليرة تربك السوريين دون حلول

عملة نقدية سورية من فئات مختلفة (عنب بلدي)

camera iconعملة نقدية سورية من فئات مختلفة (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

سجلت قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي انخفاضًا كبيرًا منذ عام 2011، ما جعل من أكبر فئة نقدية سورية (خمسة آلاف ليرة سورية) في الأسواق اليوم تساوي أقل من دولار واحد، بينما كانت قيمة أكبر فئة مطروحة مطلع 2011 (ألف ليرة سورية) تعادل نحو 20 دولارًا أمريكيًا.

ونتيجة لهذا الانخفاض الكبير من جهة، وللقوانين التي تجرّم التعامل بالدولار من جهة ثانية، فضلًا عن غياب التعامل بالحسابات البنكية لعدة أسباب، يضطر السوريون اليوم إلى تداول فئات نقدية بحجم كبير من العملة السورية، لكن المبلغ قد يبدو عاديًا إذا ما قيس بالدولار.

ومنذ أيام، تداول مستخدمون على وسائل التواصل الاجتماعي تسجيلًا مصوّرًا لرجل سوري ينقل عبر شاحنة نقل خاصة مبلغ 100 مليون ليرة سورية، أي ما يعادل 20 ألف دولار أمريكي، في إشارة إلى انخفاض قيمة الليرة بشكل كبير أمام الدولار، وحاجة استخدام آلية لنقل مبلغ يُنقل في بلدان أخرى بسهولة، أو عبر الحساب البنكي، الأداة التي لا تعتبر متوفرة لجميع المقيمين في سوريا.

ويعاني العديد من المقيمين في مناطق سيطرة النظام إرباكًا عند تسلمهم لحوالاتهم من الخارج، فمثلًا يحتاج تسلّم نحو 500 دولار أمريكي فقط (نحو ثلاثة ملايين ليرة سورية) إلى عد 600 ورقة نقدية على الأقل (باعتبار أن ورقة الـ5000 ليرة سورية، أكبر الفئات النقدية حاليًا) للتأكد من صحتها.

خالد (62 عامًا) متقاعد يقيم في مدينة حمص، ويعتمد على حوالة أبنائه المقيمين خارج سوريا، قال لعنب بلدي، إنه يتسلّم كل شهر حوالة مالية من أبنائه تتراوح قيمتها بين 200 و400 دولار أمريكي، ولكنه يتسلّمها بالليرة السورية، بسبب تجريم التعامل بالدولار.

وأضاف الرجل الستيني أنه في كل مرة يتسلّم الحوالة، يكون مضطرًا للتوجه بسيارته، ما يزيد من أعباء مصروفه، إذ لا يستطيع حمل المبلغ في جيبه، فضلًا عن حاجته إلى مكان آمن لعدّ الأموال والتأكد منها، بعيدًا عن مكان مكتب الحوالات، خشية تعرضه للسرقة هناك.

وأوضح خالد أنه تسلّم أكثر من مرة حوالته الشهرية عبر مكاتب “السوق السوداء”، إلا أنه ورغم سعر صرفها الأفضل من سعر صرف مكاتب الحوالات النظامية (التابعة لشركتي “الفؤاد” و”الهرم”)، يفضّل التسلّم من المكاتب النظامية، لأن طريقة تسليم الحوالات عبر “السوداء” تتم في الطرقات غالبًا، الأمر الذي يثير انتباه المارة أحيانًا، خاصة في حالة المبالغ الكبيرة.

عملة نقدية سورية من فئات مختلفة (عنب بلدي)

عملة نقدية سورية من فئات مختلفة (عنب بلدي)

طرح فئة 100 ألف ليرة

مدير البرنامج السوري في “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية”، والدكتور في الاقتصاد، كرم شعار، قال في حديث إلى عنب بلدي، إنه هناك مشكلة حقيقية فيزيائية بأن نقل المبالغ الكبيرة يتطلب الوقود، أو مثلًا حقائب كبيرة فيها مخاطرة، الأمر الذي يؤدي بالتأكيد للحد من النشاط الاقتصادي.

ولإنهاء تداول حجم كبير من الأوراق النقدية في سوريا، الأمر الذي يربك الناس حاليًا، أوضح شعار أن هناك حاجة للقيام بتغييرين بشكل أساسي، أولهما طرح فئة نقدية كبيرة من العملة، والثاني تيسير معاملات الحوالات البنكية بشكل أكبر.

ويتمثل الحل الأول، بحسب ما أوضحه شعار، بأن طرح الفئة النقدية الجديدة يجب أن يكون لفئة أكبر بكثير من المتاح، فمثلًا في عام 2011، كانت 20 دولارًا أمريكيًا تعادل نحو ألف ليرة سورية، بينما تعادل اليوم نحو 120 ألف ليرة سورية، ما يشير إلى الحاجة إلى فئة نقدية بقيمة 100 ألف ليرة سورية على أقل تقدير.

من جهة ثانية، يمكن لتيسير التعامل بالحوالات البنكية، كما يجري في معظم دول العالم، أن يخفف من التعامل بحجم كبير من العملة النقدية أيضًا، بحسب شعار، واصفًا هذا الحل بأنه “صعب المنال” حاليًا في سوريا.

وتعد ثقافة التعاملات البنكية في سوريا “شبه غائبة”، بسبب القوانين التي تفرضها حكومة النظام كسقف سحب يومي محدد من جهة، وتدهور قيمة الليرة من جهة أخرى، ما سيؤدي إلى خسارة قيمة المال في حال الاحتفاظ به في البنوك بعملة متعرضة باستمرار للانخفاض.

كما تعتبر بعض التعاملات الإلكترونية في هذا السياق غير متاحة، نتيجة لغياب البنية التحتية والبرمجية، وسط مشكلات شبه يومية يعانيها المقيمون في سوريا تتعلق بضعف وصول الكهرباء والإنترنت.

فئات أكبر تحتاج إلى “دراسة المتطلبات”

في كانون الأول 2021، طرح مصرف سوريا المركزي ورقة نقدية من فئة خمسة آلاف ليرة سورية على الرغم من نفيه طباعتها عدة مرات قبل ذلك، وبعدها تحدثت عدة تقارير إعلامية عن نية النظام طرح ورقة العشرة آلاف ليرة للتداول في الأسواق، لينفي المصرف ذلك عدة مرات أيضًا.

يبرر “المركزي” عدم طرحه فئات نقدية جديدة، بأن إصدارها مبنيّ على دراسة واقع الاقتصاد الوطني ومتطلباته من الجانب النقدي، وبما ينسجم مع نمو الإنتاج المحلي، وذلك من خلال متابعته للأسواق، وتأمين احتياجات التداول من فئات الأوراق النقدية جميعها.

وعقب طرح ورقة خمسة آلاف ليرة الذي أتى بعد الإعلان عن الموازنة العامة لعام 2021 بأشهر قليلة، أكد مسؤولون في حكومة النظام أن المصرف المركزي لم يلجأ للتمويل بالعجز، وطرح العملة الجديدة سيجري مع استبدال العملة المتداولة المهترئة.

وراهنت حكومة النظام حينها على عدم تأثر سعر الصرف بالأوراق النقدية الجديدة، لكن الليرة السورية انخفضت مقابل الدولار ووصلت إلى مستويات قياسية ملامسة حاجز خمسة آلاف ليرة للدولار الواحد للمرة الأولى في تاريخها حينها.

وللتمويل بالعجز عدة أشكال، منها أن تلجأ الحكومة إلى الإصدار النقدي الجديد دون وجود مقابل لهذا النقد (ذهب، نفط، إنتاج)، ما يؤدي إلى التضخم وانخفاض قيمة العملة المحلية، وارتفاع الأسعار، وانخفاض القدرة الشرائية لدى المواطنين.

عملة نقدية سورية من فئات مختلفة (عنب بلدي)

عملة نقدية سورية من فئات مختلفة (عنب بلدي)

نظريًا لا آثار.. عمليًا التضخم سيزداد

الدكتور في الاقتصاد كرم شعار، قال لعنب بلدي، إنه لتحديد آثار طبع فئات جديدة يجب التمييز بين الآثار الحقيقية من حيث المبدأ، والآثار الواقعية في سوريا.

ومن حيث المبادئ الاقتصادية، لا يحمل طرح فئات نقدية جديدة أي أثر تضخمي، طالما أن المكافئ لها من فئات نقدية أصغر سيتم سحبه من السوق، لكون الكتلة النقدية في التداول ستظل ثابتة.

ولكن في الواقع، أوضح شعار أن لهذا الأمر آثارًا تضخمية محدودة جدًا، بسبب العوامل النفسية لوجود قناعة لدى الكثير أن طرح عملة نقدية جديدة ستكون له آثار تضخمية، ما يجبر العديد في هذه الحالة على التخلص من العملة السورية.

كما لا يجري في سوريا سحب المكافئ النقدي من فئات أصغر من العملة التي ستطرح، ما يعني أن الأثر سيكون تضخميًا بشكل حتمي، بسبب زيادة النقد المتداول بغض النظر عن الفئة المطروحة.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.



English version of the article


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة