نبيل محمد
مجموعة من الفنانين السوريين يظهرون في فيديو واحد، يجيبون عن سؤال يُطرح عليهم في برنامج عبر قناة “يلا ترند”. فحوى السؤال هو كمية المازوت التي استطاع كل منهم تأمينها استعدادًا للشتاء، ولعله موضوع كثير الحضور على لسان الفنانين السوريين في مختلف اللقاءات التي أجروها خلال السنوات الماضية، وحتى اليوم، على اعتبار أنه واحد من منافذ الحرية المحدودة التي يستطيعون الحديث فيها. يمكنهم في هذا الموضوع بالذات إظهار استيائهم من الأحوال عامة، إضافة إلى توظيفه في قضية إصرارهم على استمرار الإقامة في وطنهم، وإصرار بعضهم على عدم مغادرته على الرغم من كل الظروف الصعبة.
يظهر من بين الفنانين من يتحدث بصيغة “نحنا معتّرين”، وهو تعبير صائب وموجع بلا شك، وقد تردد على لسان فنانين كثر سابقًا، منهم من يعاني للحصول على دور ثانوي، وينتظر على باب نقابة الفنانين الفتات الذي توزعه بين حين وآخر، ومنهم من يحمل صفة “نجم” مثل كندا حنّا، التي صرحت سابقًا عن صعوبة تأمين المازوت، وردت على إحدى مجادلاتها عبر فيس بوك بأنها “معتّرة”.
ما يثير الاستغراب، مرور هذا السؤال على بعض الفنانين وكأنه سؤال عابر لا يخصّهم، وليس قضية عامة يعانيها كل سكان البلاد حاليًا. فتجد ممثلًا مثل أسامة السيد يوسف، يؤكد عدم حاجته أصلًا إلى المازوت، بسبب عدم إحساسه بالبرد أصلًا، مستعرضًا عرقه أمام الكاميرا، قائلًا عن هذه البلاد إنها “معطاءة”.
تنتظر عند قراءة عنوان حول هذه القضية، أن تسمع شتيمة ما ستمر على لسان أحدهم، أو أي تلميح سياسي، أو على الأقل التعبير عن معاناة الملايين، الذين لو مرت الكاميرا من أمام أغلبهم تحمل السؤال ذاته، لاستطاعوا التعبير بعفوية وصدق أضعاف ما قدمه فنانو سوريا في هذا المجال، سواء في الفيديو المذكور سابقًا، أو عبر عشرات اللقاءات التي كان هذا السؤال واحدًا من أسئلتها، على الرغم من أن كثيرين منهم انتظروا ساعات طويلة أمام محطات الوقود، ولازموا بيوتهم أيامًا بانتظار الـ50 ليترًا التي تقوم الدولة بتوزيعها بالسعر المحدد من قبلها، بل ودفع بعضهم الملايين لتحصيل كميات إضافية.
يلفت النظر أيضًا حضور الفنان ليث المفتي، الذي هاجم اللاجئين السوريين في أوروبا مرارًا، وطُرد بعد ذلك من السويد التي كان قد حاول الحصول على حق اللجوء فيها، ليعود إلى سوريا، ويتحدث اليوم عن 50 ليترًا من المازوت أكرمته الدولة بها، ليكون سعيه الأساسي في العمل موجهًا لمنع البرد عن أطفاله، حسب إجابته عن السؤال المطروح.
يعيد الفيديو إلى الأذهان، وقوف ستة فنانين سوريين على رأسهم وائل رمضان، في فيديو تم نشره قبل أكثر من عامين، حيث تحاول المجموعة فيه التعبير عن معاناتها بطريقة كوميدية ساذجة للغاية. يجيبون بأغنية “يبا لا لا لا لا” لفيروز، عن أسئلة تستفسر إن كان لديهم كهرباء أو مازوت أو غاز، فيكون السؤال الأخير، إن كانوا عازمين على ترك بلادهم، فيجيبون الجواب ذاته، ليظهر الفيديو محاولة للتعبير عن صمودهم، ورفضهم الهجرة، وعشقهم لبلدهم، بطريقة بعثية رخيصة خالصة، بدلًا من أن يكون محاولة للتعبير عن تأزم أوضاعهم، و”تعتيرهم”.
عشرات الفنانين السوريين غادروا سوريا خلال السنوات الأخيرة، بحثًا بالدرجة الأولى عن بلاد لا تعاني مشكلة في الخدمات، ضامنين قدرتهم على الاستمرار بالعمل فيها على أقل تقدير، ولعل دبي كانت الوجهة الأكثر اختيارًا، لكن آخرين لم يقدروا على اتخاذ هذا القرار بعد، ولم تسنح الفرصة لهم، فيرتهنون لفكرة الصمود، كشكل من أشكال درء الخجل، إذ ليس من السهل على الكثيرين أن يقولوا “أتمنى السفر إلى الخارج لكن لم تأتني فرصة مناسبة بعد”، ذلك قد يخدش صورة النجم في أذهانهم على الأقل. كما أن أي فرصة للتعبير عن الصمود، هي إن لم تأتِ بأي نتيجة، فعلّها تجد حضورًا مرحّبًا به في نقابتهم، وتظهر وطنيتهم أمام الجمهور، الذي علّه أكثر من يعرف بأن أيًا منهم لن يفوّت فرصة عمل في الخارج، إلا من بلغ من العمر عتيًا.