إبراهيم العلوش
الأحداث الأخيرة في السويداء، التي وقعت في 4 من كانون الأول الحالي، أعادت تأكيد رفض السوريين لنظام الأسد، عبر تمزيق صور رئيس النظام واقتحام مبنى المحافظة، وأثبتت الأحداث أن هذا النظام لم يطور أي طريقة للتعامل مع الناس، ولم يكلّف نفسه تفهّم ردود فعل المتظاهرين، وكما في أول مظاهرة قام بها السوريون، فقد أطلق النار على المتظاهرين معتقدًا أن المظهر العسكري وحده كفيل بتراجع الناس عن مطالبهم.
نفس اللغة لا يزال يتحدث بها أنصار النظام و”شبيحته”، الذين ادّعوا أن جهة مجهولة ومندسّة هي التي أطلقت النار على المتظاهرين وعلى قوات الشرطة وقتلت وجرحت عددًا منهم، في محاولة لإثبات سلمية ردود فعل النظام وحرصه على أرواح المواطنين، الذين قتل منهم مئات الألوف بالبراميل وبالصواريخ، ولا يزال إلى اليوم يعتقل عشرات الألوف ويتسلى بتعذيبهم وابتزاز أهاليهم.
أهالي السويداء ذاقوا نفس معاناة السوريين من تهجير، وعانوا من عصابات وميليشيات النظام التي اصطنعها قادة المخابرات، أمثال وفيق ناصر وكفاح الملحم، مثل عصابة راجي فلحوط وغيرها من العصابات التي قتلت أعدادًا كبيرة من أهالي السويداء، ومن أبرزهم الشيخ البلعوس الذي رفض مع أنصاره أن تتحول السويداء إلى وجبة إيرانية شهية.
على واجهات المباني الحكومية، لا تزال صورة بشار الأسد تعلّق في مناطق سيطرة النظام، بزي عسكري استولى عليه وعلى الرتب التي يحملها بطريقة غير شرعية وغير مهنية في صيف عام 2000، إذ تم ترفيعه عبر العصابة العسكرية التي استولت على مقاليد الحكم في قيادة الأركان، وكان يرأسها مصطفى طلاس، العصابة التي اغتصبت الحكم بعد وفاة حافظ الأسد وسلّمت البلاد بانقلاب أبيض إلى بشار الأسد، وكانت الرتب والترفيعات تنهال عليه بشكل يثير السخرية.
وبنفس الطريقة التي قام بها السوريون منذ 2011، ارتقى أهالي السويداء إلى الصورة المعلّقة على واجهة مبنى المحافظة ومزّقوها، ومرّغوا صور حافظ الأسد المؤسس الحقيقي لهذا الخراب الذي تعانيه سوريا اليوم.
أما قوات النظام فقد استعرضت قوتها بسيارات مدرعة، وأطلقت النار على المتظاهرين الذي دخلوا مبنى المحافظة معبرين عن رفضهم لهذا النظام ولسياساته، التي أوصلتهم إلى الجوع والقهر والقتل المنظم من قبل أجهزة المخابرات، التي لا يهمها إلا بقاء صورة بشار الأسد معلّقة على المباني الحكومية.
جرّب النظام إخضاع أهالي السويداء عبر تسفير فصائل من “داعش” إلى مدينتهم، وتهديد الأهالي بالخطر “الداعشي” الذي تتاجر به أجهزة النظام وتدعم وجوده بشكل علني في السويداء، وقد قام الفصيل الذي تم ترحيله بالباصات الخضراء من دمشق إلى السويداء بقتل وخطف عدد من أهالي السويداء بشكل مأساوي، وكانت مساهمة نظام الأسد واضحة في هذا الانتهاك الإرهابي الذي أثبت أنه شريك لقوات “داعش”، ويعيد تأهيلها لتعمل ضد معارضيه بالتوازي مع إطلاقه الدائم لنغمة محاربة الإرهاب والتطرف التي يتاجر بها بشكل مكشوف.
وجرّب النظام التحريض الطائفي بتنظيم عصابات من المجرمين الذين يسكنون المناطق البدوية وتحريضهم على أهالي السويداء، مستعملًا أساليبه المتقَنة في تمزيق النسيج السوري لمصلحة بقاء عائلة الأسد، ولكن هذا الأسلوب تم التغلب عليه بفضل توحد أهالي السويداء ومحاربتهم للعصابات الإجرامية.
كما جرّب النظام إيقاع الحرب بين درعا والسويداء، وكانت أجهزة المخابرات تعد لحرب بين أهالي المحافظتين، ولكن العقلاء من الطرفين رفضوا هذا التحريض الطائفي، وتمسكوا بحسن التعامل بين الجارتين، رافضين اللعبة المخابراتية التي نجحت في بعض المدن السورية، كمدينة حمص التي تم فيها تأجيج الشعور الطائفي ضد المتظاهرين، وتصوير المطالب بالحرية كمطالب طائفية تستهدف ترحيل العلويين من المحافظة، ناسفة تعايش الناس في حمص وتسامحهم.
تغلّب أهالي السويداء على ألاعيب النظام وعصاباته عبر توحدهم خلف شيوخ العقل الدينية، بعد أن فشلت القوى السياسية بتوحيدهم، وهم تجمعوا، في 4 من كانون الأول الحالي، مطالبين النظام بوقف سياسات التجويع، فالبلاد بلا خبز وبلا كهرباء وبلا محروقات، والنظام يتعلل بحرب أوكرانيا وبحصار إيران، ويطالب بعض أنصار النظام أن يتظاهر الناس ضد العقوبات الدولية على نظام الأسد، ويحاولون تبرئته من الجرائم الجسيمة التي ارتكبها ولا يزال مستمرًا بارتكابها عبر السنوات العشر الماضية.
مظاهرات السويداء ضد الجوع والقمع والتهجير استمرار لثورة السوريين منذ ربيع العام 2011، وتأكيد على أن هذا النظام غير جدير بحكم سوريا، ويجب أن يتم تخليص السوريين منه ومن عصاباته، وهو يفشل كل يوم في إدارة البلاد، والوقائع تثبت ذلك سواء عبر فشل النظام بإدارة الحياة اليومية للسوريين، أو عبر فشله في إخراج السوريين من العزلة الدولية، وفشله في إيجاد لغة جديدة للتفاهم مع السوريين ومشاركتهم القرارات التي تهم حياتهم وتحفظ كرامتهم.
لقد أثبت النظام عبر إطلاق النار على المتظاهرين من جديد أنه لم يطوّر أي نشاط سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي في سوريا، باستثناء وحيد هو تطويره صناعة “الكبتاجون” وتطوير طرق تسويقه وتهريبه إلى الدول المجاورة، إلى درجة أن “الكبتاجون” صار أهم علامة مميزة لنظام الأسد الذي يستثمر في هذه التجارة من أجل ضمان استمراره على أطلال سوريا التي خرّبها.