تعا تفرج
الشيخ الشعراوي والفرح بالهزيمة
خطيب بدلة
كثر الحديث، في الآونة الأخيرة، عن الشيخ محمد متولي الشعراوي (1911- 1998). كان ذلك بمناسبة وفاة الإعلامي المصري مفيد فوزي، الذي يُنسب إليه تصريح، بأن الشعراوي مهَّد الطريق أمام الفكر المتطرف.
أول مرة ذُكر فيها الشيخ الشعراوي أمامي، كانت قبل نحو 40 سنة. كنا، وقتئذ، أدباء ناشئين، نتلمس طريقنا في عالم الكتابة. وذات يوم، ونحن جالسون في مقهى “القصر” بحلب، قال أحد الحاضرين، إن الشيخ الشعراوي صلى ركعتي شكر لله، بمناسبة هزيمة الجيش المصري، والجيوش العربية في حرب حزيران 1967!
لم أصدق، حينئذ، ما سمعته، ولكنني سمعت الخبر نفسه، بعد ذلك، أكثر من مرة، وهذا ما جعلني أنفر من هذا الشيخ، وأفكر في حجم الكراهية التي كان يكنّها لبلده، وشعبه، حتى أقدم على إطلاق مثل هذا التصريح، وزاد استغرابي أكثر، لأنني أعرف حجم كراهية المشايخ لليهود، فكيف يفرح وقد انتصر اليهود على المسلمين!
في معرض تفكيري بالأسباب التي دفعته لمثل هذا، قلت: ربما كان الرجل على عداء قوي مع نظام جمال عبد الناصر، وأنه يقيم خارج مصر، وأنه قال هذا الكلام الغريب من باب النكاية. المهم، لم يكن التأكد من صحة هذا الخبر، يومئذ، ممكنًا، لأن الصحف المصرية لا تصل إلى سوريا، وإن كان أطلق تصريحه في خطبة، أو إذاعة، لا يمكن لنا أن نسمعه، وهكذا، يا سادتي، حتى اخترع الغرب الإنترنت العظيم، ومحركات البحث الجبارة، و”يوتيوب”، فلم يبقَ شيء في العالم يخفى على أحد.
وبالنظر إلى اهتمامي السابق بهذا الأمر، فقد تتبعته، حتى تأكدت من أن الشعراوي لم يُدلِ بأي تصريح فور وقوع الهزيمة، ولكنه، في حديث متلفز لاحق (موجود على “يوتيوب” طبعًا)، يقول: إنني سجدت لله مرتين، في يونيه 67، وفي أكتوبر 73، وكانت دوافع السجدتين مختلفة، ففي المرة الأولى سجدتُ لأننا لم ننتصر ونحن في أحضان الشيوعية، فلو سجدنا، ونحن في أحضان الشيوعية، لأُصبنا بنكسة في ديننا، وفي المرة الثانية سجدت لأننا انتصرنا ونحن لسنا في أحضان الشيوعية، وهناك شيء آخر، هو أننا في الحرب الأولى لم نقل الله أكبر، فهُزمنا، وقلناها في المرة الثانية، فانتصرنا.
برأيي، أن هذا الكلام يقوم على مغالطات لا يمكن ابتلاعها، ويحتاج تصديقه إلى كمية مبحبحة من الدروشة والبلاهة، فنظام عبد الناصر لم يكن شيوعيًا، لا بل إنه، في أواخر الخمسينيات، شن على الشيوعيين حملة اعتقالات واسعة، وعندما ذهب أعضاء اللجنة العسكرية السوريون إلى القاهرة، سنة 1958، وعرضوا عليه ضم سوريا تحت جناحه، أمريكا المعادية للشيوعية، نفسها، لم تعترض، ليقينها بأنه سيكمل حملته على الشيوعيين في سوريا، وقد حصل هذا الأمر بالفعل، وأما هتاف “الله أكبر” فيقوله المهاجمون، ومعلوم أن عبد الناصر هاجم إسرائيل بالحكي، وهي هاجمت جيشه وسحقته، فكيف سيكبر المنهزمون؟ وربما أنهم كبروا في أثناء الهرب، ما يدرينا؟
لم يكن نظام عبد الناصر معاديًا للشعراوي، ولكنه لم يسلمه وزارة الأوقاف، ومنابر الجوامع، والإذاعات، والتلفزيونات، والكاسيتات، مثلما سلمه إياها السادات. هذا هو السر.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :