عنب بلدي – حسام المحمود
تولي حكومة النظام السوري قيمة “صورية” لمنتجات الحمضيات، عبر تصريحات ومحاولات لتنشيط هذه الزراعة في ظل واقع اقتصادي متردٍّ ينعكس سلبًا على الفلاحين من جهة، وعلى القدرة الشرائية للمواطن من جهة أخرى، ما يؤثّر في تسويق المنتج بالسوق الداخلية، إلى جانب عقبات وعراقيل أمام التصدير.
تصريحات متكررة لمسؤولين من مختلف المستويات، وزيارات للمنطقة الساحلية، حيث تتركز زراعة الحمضيات، بينما لا تبشّر المعطيات بمستقبل أفضل لمزارعي الحمضيات ومواسمهم.
وخلال حديث لإذاعة “ميلودي إف إم” المحلية، في 27 من تشرين الثاني الماضي، أوضحت مديرة البرنامج الوطني للجودة، رانيا عبد ربه، أن الحمضيات تحتل المراتب الخمس الأولى زراعيًا في سوريا بحجم الإنتاج، مشيرة إلى صعوبة في الوصول إلى الأسواق العالمية، الأمر الذي اعتبرته نقطة ضعف.
وفي 2 من كانون الأول الحالي، بثّت الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا) تسجيلًا مصوّرًا قالت إنه لاستجرار محصول الحمضيات من الفلاحين في طرطوس بشكل مباشر.
إجراءات دون جدوى
وسبق ذلك مجموعة إجراءات اتخذتها حكومة النظام بهذا الصدد، إذ حددت المؤسسة السورية للتجارة، في 20 من تشرين الثاني الماضي، أسعار استجرار الحمضيات من المزارعين مباشرة، مع توفير خدمة النقل ذهابًا وإيابًا إلى أرض المزارع ومركز الفرز والتوضيب، وتقديم الصندوق الحقلي مجانًا، وتحمّل أجور الفرز والتوضيب والقبان، وتوفير “الكومسيون” (العمولة).
كما وافق رئيس الحكومة، حسين عرنوس، في 17 من الشهر نفسه، على فرض ضريبة قدرها 200 ليرة سورية على كل كيلوغرام من مادة الموز المستورد، لدعم شراء محصول الحمضيات من قبل المؤسسة السورية للتجارة.
جاء ذلك بتوصية من اللجنة الاقتصادية بناء على اقتراح وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك.
زحمة القرارات هذه سبقتها نكبة اقتصادية لمزارعي الحمضيات في اللاذقية وطرطوس مطلع العام الحالي، حين تكدست محاصيلهم، ما أسفر عن تعفنها.
وفي 11 من كانون الثاني الماضي، أقرت حكومة النظام جملة إجراءات لتصريف موسم الحمضيات، بعد تداول صور وتسجيلات مصوّرة على مواقع التواصل الاجتماعي.
كما طالبت الحكومة حينها وزارة التجارة بشراء كميات كبيرة من الحمضيات مباشرة من الفلاحين، وفق الأسعار الرائجة من مختلف الأنواع والأصناف، وطلبت أيضًا العمل على تخزين أكبر كميات ممكنة من الحمضيات، وزيادة الكميات المطروحة في صالات ومنافذ “السورية للتجارة”.
وكلّفت حينها وزارة الأشغال العامة والإسكان بوضع نحو 100 سيارة شاحنة عاملة في شركات القطاع العام بتصرف “السورية للتجارة”، لنقل كميات الحمضيات المسوّقة من المحافظات، وتغذية أسواق “الهال” بالكميات الكافية من المحصول.
كما كلّفت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية بالتنسيق مع اتحاد غرف التجارة السورية ومن يلزم، لبحث كل السبل لتصدير أكبر كمية ممكنة من موسم الحمضيات إلى الأسواق الخارجية، مع مراعاة شروط الجودة ومتطلبات الفرز والتوضيب.
استبدال الغراس
في 16 من تشرين الثاني الماضي، وافق رئيس حكومة النظام، حسين عرنوس، على توصية اللجنة الاقتصادية التي تتضمن تأييد مقترح وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، بتقديم دعم للفلاحين والمزارعين من خلال برنامج تقديم الغراس الجديدة من الحمضيات بشكل مجاني، في سبيل استبدال الأشجار الهرمة.
وعزت حكومة النظام هذه الخطوة حينها لأهمية محصول الحمضيات في الاقتصاد الوطني، وتحقيق مستقبل أمثل لزراعته في المنطقة الساحلية.
المهندس الزراعي أنس أبو طربوش، أوضح لعنب بلدي أن عمر الحمضيات يعتمد على الخدمة التي تتلقاها الأشجار، لكنه في الوضع الطبيعي يتراوح بين 50 و75 عامًا، حسب الخدمة.
وبيّن المهندس أن العمر الإنتاجي يبدأ بعد الزراعة بنحو ثلاث أو خمس سنوات، ويرتبط بالخدمة التي تتلقاها الشجرة من ري وتسميد وغيرهما.
وبالنسبة للأسباب التي تتطلب القلع، أوضح أبو طربوش أن حالات الصقيع والإفراط في الري ونقصه تنهي عمر الشجرة وتتسبب في هرمها.
وبعد القلع يمكن للفلاح الاستفادة من الزراعات البينية (بين الأشجار)، من السنة الأولى لزراعة الغراس وحتى بدء الإنتاج، ومن الزراعات المفضّلة كزراعات بينية الزراعات البقولية، كونها تمد الأرض بالآزوت، لكن مع ذلك، لا يُنصح بها بسبب بعض الأمراض الفطرية التي تنتقل عن طريق الجذور، ويمكن أن تسببها هذه الزراعات.
معمل عصائر.. طريق شائك
جرى الحديث منذ عام 2015 عن إقامة معمل حكومي للعصائر في محافظة اللاذقية، على مساحة 40 دونمًا، بطاقة سنوية تبلغ 50 ألف طن عصائر حمضيات، و200 طن مكثفات استوائية، لكن المشروع لم يتعدَّ نطاق التصريحات حينها، حتى أعاد إحياءه رجل الأعمال السوري المقرب من النظام سامر فوز، في شباط 2019.
وذكر فوز حينها عبر “تويتر”، أنه حصل على رخصة لإنشاء المعمل، بهدف استثمار العمالة الموجودة في المنطقة، وتنسيق الثروات المحلية، ودمجها مع طاقة الأفراد.
ورغم هذه التصريحات، فإن المعمل لم يبصر النور، حتى أوضح وزير الصناعة، زياد صباغ، في آب 2021، أنه لا جدوى من إقامة معمل عصائر حكومي، على اعتبار أن أغلبية حمضيات الساحل لا تصلح للعصر بل للمائدة فقط.
وتبع ذلك بشهرين فقط، تأكيد المؤسسة العامة للصناعات الغذائية، في آذار الماضي، نيتها إحياء المشروع مجددًا “لأهميته الاقتصادية والاجتماعية، والوصول إلى ولادة مضمونة النتائج تسمح بترجمة المشروع على أرض الواقع”، وفق ما نقلته صحيفة “تشرين” الحكومية.
وبحسب الصحيفة، فالمشروع مطروح للمشاركة مع الجانب الإيراني ممثلًا بشركة “بيناد المستضعفين”، وفق محضر الاجتماع الموقّع بين وزارة الصناعة والمؤسسة.
الباحث الاقتصادي الدكتور فراس شعبو، أوضح لعنب بلدي أن مشكلة الحمضيات في سوريا تتجلى في تسويقها وتكاليف إنتاجها ونقلها داخليًا، إلى جانب ما وصفه بـ”التشبيح المالي” من خلال دفع صاحب المنتجات مبالغ على حواجز النظام عند نقلها بين المحافظات.
“لا موارد حقيقية في سوريا، باستثناء بعض الموارد الزراعية، والضريبية، بسبب فقدان حصيلة الدخل الوطني إلى حد بعيد، من سياحة وجمارك، ونفط وفوسفات، لذا جرى الاعتماد على الضرائب والرسوم بشكل أساسي”، وفق شعبو.
كما أن انخفاض قيمة العملة المحلية الشرائية، وتراجع الطلب على المنتج وصعوبة التصدير، قد تسبب بتلف المحاصيل، في تكرار للسيناريو الذي جرى مطلع العام الحالي، وفق شعبو، مشيرًا إلى غياب معامل تحويل المحصول إلى عصير ومربّى من جهة، وصعوبة التخزين لغياب الكهرباء والمحروقات من جهة أخرى.
وفي الوقت نفسه، فإن أسعار الأسمدة المرتفعة وشح المحروقات، يضعان الفلاح أمام ميزان تجاري خاسر.
وحول إمكانية إنشاء معمل للعصائر في سبيل استيعاب الإنتاج، بيّن الباحث غياب الجوانب الاستثمارية لدى النظام، فالتركيز والأولوية لدفع الرواتب وتأمين الحدود الدنيا للمعيشة، وكل ما هو استثماري أو تنموي غير وارد حاليًا.