عنب بلدي – خالد الجرعتلي
تظاهر المئات من أبناء محافظة السويداء، مطلع كانون الأول الحالي، مطالبين بتحسين الواقع المعيشي، إلا أن دورية لـ”أمن الدولة” أطلقت الرصاص باتجاههم، أعقب ذلك اقتحام المحتجين، الذين وصفتهم وسائل إعلام النظام بـ”الخارجين عن القانون”، مبنى “السرايا” (المحافظة) الحكومي، وتصاعدت الأحداث نحو إحراق المبنى، وتدمير الأثاث، وتمزيق صور رئيس النظام، بشار الأسد.
وسائل الإعلام السورية الرسمية، وأخرى مقربة من النظام، اعتبرت ما حصل بأنه أعمال شغب وتخريب مدفوعة بأجندات خارجية، في تكرار للرسالة التي روّج لها ذات الإعلام بعد حراك الثورة عام 2011.
فهد البلعوس نجل الشيخ وحيد البلعوس قال، إن “مضافة الكرامة” التي تمثّل شريحة كبيرة من سكان المحافظة، تلقّت تهديدًا من قبل “المخابرات الجوية” باجتياح السويداء في حال لم تهدأ الاحتجاجات.
أبعد من احتجاجات
الاحتجاجات الأحدث في محافظة السويداء لا تعتبر الأولى، لكنها تميّزت عن سابقاتها، إذ قُتل أحد المحتجين برصاص قوات النظام، قابله إطلاق رصاص من السكان المحليين، ما أسفر عن مقتل عنصر أمن.
الشيخ ليث البلعوس نجل مؤسس حركة “رجال الكرامة” قال لعنب بلدي تعليقًا على الاحتجاجات الأخيرة، إن النظام يحرّض ضد أي صوت في السويداء يطالب بتلبية حقوق السوريين.
ويملك النظام، بحسب البلعوس، شرحًا للأحداث على أنها “عمالة من قبل أهالي السويداء لجهات خارجية”، مستغلًا التواصل بينهم وبين أهلهم من طائفة الموحدين الدروز في فلسطين، والتبرعات التي يرسلونها إلى السويداء.
وتابع أن أبرز ما يحاول النظام الترويج له في هذا الصدد، هو أن أبناء الطائفة الدرزية يريدون الانفصال عن الوطن الأم سوريا.
وأضاف أن النظام لا يملك فعليًا ما يقدمه للسويداء، أو حتى لجميع السوريين، مستبعدًا أي تحرك إيجابي من جانبه لإخماد غضب أبناء المحافظة على الظروف المعيشية القاسية التي وصلوا إليها.
البلعوس يرى أن النظام “وصل إلى مرحلة الانهيار” ولا يمكنه تنفيذ إصلاحات، حتى لو أراد ذلك، خصوصًا أنه لم يفعل ذلك منذ بداية الثورة السورية عام 2011، إذ لا يملك سوى الدبابات والبراميل لتقديمها للسوريين.
الوجه الجديد للنظام
مطلع عام 2020، شهدت محافظة السويداء احتجاجات شارك فيها المئات من سكان المحافظة، نادت بإسقاط النظام السوري، ومزقت صور بشار الأسد، لكنها لم تشهد تصعيدًا كما حصل خلال الاحتجاجات الأخيرة.
وتكررت هذه الاحتجاجات في أوقات متفرقة خلال العامين الماضيين ولأسباب مختلفة، لكنها غالبًا ما تتعلق بالوضع المعيشي الذي تعانيه البلاد.
سالم ناصيف، صحفي ينحدر من محافظة السويداء، قال لعنب بلدي، إن مواجهة الاحتجاجات بالرصاص الحي من قبل النظام السوري يعتبر “نقطة تحول” في تاريخها، وهي المرة الأولى في السويداء.
وأضاف ناصيف، خلال الاحتجاجات السابقة كان النظام يحاول الالتفاف على مطالب الأهالي من خلال وجهاء المحافظة، ويقدم وعودًا بمحاسبة الفاسدين وتحسين الواقع الخدمي.
ووصف الصحفي هذا التحول بسياسة النظام، بأنه “الوجه الجديد للنظام تجاه أهالي السويداء”.
ممارسات العنف الجديدة بحق سكان المحافظة لم تتوقف فقط على قتل شخص وجرح أربعة آخرين، بحسب ناصيف، مضيفًا أن النظام استغل وسائل إعلامه المحلية لإظهار أبناء السويداء على أنهم “عملاء لجهات خارجية”.
وتابع أن إمكانية تطور الأحداث واردة، وأصغر توتر في المحافظة بين النظام وأبنائها قد يتحول إلى صدام مسلح.
وتنتشر في المحافظة العديد من الفصائل العسكرية المسلحة، التي يعتبر معظمها معارضًا للنظام السوري، بينما لا وجود أمني واسع النطاق للنظام فيها.
وشهدت السويداء، منذ عام 2011، خروج المحتجين إلى الشوارع، وتكرر الأمر على مدار السنوات التالية لأسباب متعددة اقتصادية وأمنية وسياسية.
وفي 7 من حزيران 2020، خرج عشرات المواطنين للتنديد بالوضع المعيشي المتدني، ونادوا بإسقاط النظام السوري، وحمّلوه مسؤولية تدهور الوضع المعيشي، وتكرر ذلك رغم تنظيم النظام السوري مسيرات مؤيدة له، حاول فيها حشد أكبر عدد ممكن من طلبة الجامعة والمعاهد وإداريّيها في المحافظة.
خصوصية السويداء
واجه النظام السوري الاحتجاجات في المحافظة بإطلاق الرصاص منذ أول هتاف خرج في شوارعها، بينما أدخل وسطاء لتهدئة الشارع في السويداء، ما دفع للسؤال عن خصوصية تعامله مع المحافظة ذات الأغلبية الدرزية.
الصحفي سالم ناصيف يرى أن تعامل النظام مع السويداء لا يعود إلى أمر مميز فيها، إنما هو تمييز متعلق بالنظام نفسه، إذ حاول على مدار السنوات الماضية الترويج لنفسه على أنه حامي الأقليات الدينية في سوريا، للحفاظ على كرسي الحكم في البلاد.
من جانبه، يرى ليث البلعوس أن النظام لا يمارس سوى الحلول الأمنية والعسكرية، كما حصل في بقية المحافظات السورية، ولكنه في السويداء يخشى التماسك بين أفراد المجتمع، كما يخشى امتداد التضامن الاجتماعي إلى مدن ومناطق أخرى يسكنها أبناء الطائفة الدرزية، كضاحية جرمانا في العاصمة دمشق، أو حتى في دول أخرى مثل لبنان ودمشق وفلسطين.
وفي الوقت نفسه، يرى البلعوس أن النظام لا يزال يستخدم المناطق التي يقطنها أبناء الأقليات الدينية في سوريا في إطار “حماية الأقليات الدينية” أمام المجتمع الدولي، وهو ما سيخسره في حال استخدام القوة.
ليث البلعوس فسّر حقيقة علاقة الأقليات الدينية بالنظام السوري خلال السنوات الـ12 الماضية، بأن الأخير كان “يحتمي بالأقليات الدينية، ولا يحميها”.
الرئاسة الروحية: مطالب محقة
“شبكة السويداء 24” نقلت عقب الاحتجاجات عن مصدر مقرب من الرئاسة الروحية لطائفة المسلمين الموحدين الدروز، الممثلة بالشيخ حكمت الهجري، أن الاحتجاجات كانت عبارة عن “حراك سلمي عفوي”.
وقال المصدر، إن “الشعب صامد هدّه الجوع والحاجة، وآلمته المزايدات وآذته القسوة وعدم الاستجابة لمطالبه المحقة من كل ما يعانيه من كل الجهات وعلى كل الجبهات”.
واعتبر أن بعض “الجهات المشبوهة” حرّفت الحقائق وغيّرت العناوين، واندست بين السكان لإيذائهم، “فاستعر الشارع بشكل عشوائي”.
كما أبدت الرئاسة الروحية رفضها لأي تحرك مسلح ضد الأهالي، عبر نفس المصدر، ورفض إراقة الدماء وأي تخريب للممتلكات العامة والخاصة.
أسباب غضب الشارع
يعتبر تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية، وتراجع مستوى الخدمات التي يقدمها النظام، الذي لا يزال يتمسك بأولوية فرض الأمن على حساب تقديم الخدمات وتحسين الظروف الاقتصادية، أحد أهم الأسباب التي أسهمت في غليان الشارع بالمحافظة، بحسب دراسة أعدها مركز “جسور للدراسات“.
بدأت وزارة الاتصالات في حكومة النظام، منذ مطلع شباط الماضي، بتطبيق إزالة “الدعم الحكومي” عن مجموعة من حاملي “البطاقة الذكية”، إذ وصل عدد البطاقات المُزالة إلى حوالي 598 ألفًا.
وحتى 7 من الشهر نفسه، بلغ عدد الاعتراضات على آلية الاستبعاد من الدعم حوالي 370 ألفًا، بنسبة تتجاوز نصف المُستبعدين، بحسب تصريح لوزارة الاتصالات.
ومن الأسباب التي أشعلت الاحتجاجات في السويداء، استمرار ضغوط روسيا والنظام لفرض التجنيد الإجباري على أبناء المحافظة، التي امتنع الآلاف من شبابها عن الالتحاق به، خوفًا من الزج بهم في مواجهة مع بقية مكوّنات الشعب.
تلك الضغوط تمثّلت بمحاولة تشكيل قوة عسكرية كبيرة من أبناء المحافظة المتخلفين عن الخدمة الإلزامية، بقيادة نجل العميد عصام زهر الدين، رغم أن نطاق نشاطها الجنوب السوري فقط، بحسب الدراسة.
في حين عانت المحافظة حالة فلتان أمني لسنوات طويلة، وسط غياب تام للأجهزة الأمنية التي وصفها سكان من المدينة، ممن قابلتهم عنب بلدي في وقت سابق، بأن مهمتها في المحافظة تقتصر على التدخل عند وجود احتجاجات ضد النظام.