تصفيات معلَنة وأخرى غامضة 

قياديو “قسد” في مرمى أنقرة.. إضعاف وتشتيت هيكلية

camera iconعناصر من "قوات سوريا الديمقراطية" يشاركون في تشييع مقاتل في "قسد" في محافظة دير الزور شمال شرقي سوريا- 10 من نيسان 2019 (AFP)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حسن إبراهيم

تصدّرت عمليات “تحييد” تركيا قياديين في “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وبعض الأحزاب الكردية التي تصنفها أنقرة “إرهابية” في شمال شرقي سوريا، المشهد الميداني بارتفاع وتيرتها عن السابق، بالتزامن مع تهديدات تركية بهجوم بري ضد هذه الأحزاب والتنظيمات.

استهداف و”تحييد” طال قياديين برتب مختلفة، شغلوا مناصب عديدة في هذه الأحزاب، وأشرف بعضهم على عمليات عسكرية لسنوات، جرى إعلان مقتل بعضهم ونفي مقتل آخرين من قبل “قسد”، في حين بقيت بعض الاستهدافات طي الكتمان ومجهولة المُنفذ والأسباب.

واستخدمت تركيا طرقًا مختلفة لـ”تحييدهم”، منها التفجير والطيران المسيّر، ومنها ما وصفته القوات التركية بعمليات “نوعية وخاصة”، دون تحديد آلية وطريقة الاستهداف.

تساؤلات طُرحت عن مدى تأثير هذه العمليات على “قسد” وفاعليتها، مع اعتزام تركيا تنفيذ عمل عسكري بري شمالي سوريا، لـ”حماية حدودها الجنوبية”.

وتصنّف تركيا حزب “العمال الكردستاني” (PKK) على قوائم “الإرهاب”، كما أن الحزب مصنّف على قوائم “الإرهاب” لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وعدد من الدول الأوروبية، وتعتبر تركيا “قسد” امتدادًا لـ”العمال الكردستاني”، وهو ما تنفيه “قسد”، رغم إقرارها بوجود مقاتلين من الحزب تحت رايتها، وشغلهم مناصب قيادية.

قياديون خارج الحسابات.. إضعاف وتقطيع أوصال

أحدث عمليات “التحييد” كانت للقيادية والمسؤولة في حزب “العمال” و”وحدات حماية الشعب” (YPG)، سهام مصلح، الملقبة بـ”مزغين كوباني”، عبر عملية أمنية في 5 من كانون الأول الحالي، بمنطقة عين عيسى شمالي الرقة، وفق ما ذكرته “مصادر أمنية” لوكالة “الأناضول” التركية، لافتة إلى أن مصلح كانت تقف وراء العديد من “العمليات الإرهابية”.

و”حيّد” جهاز الاستخبارات التركية (MİT)، في 2 من كانون الأول الحالي، محمد ناصر الملقب بـ”كمال بير”، وهو قائد لواء في حزب “العمال” بمنطقة تل تمر بريف محافظة الحسكة، وكان خبيرًا في الصواريخ، وله دور فعال في صنع خطط “التخريب”، وفق ما نقلته وكالة “الأناضول“.

وأعلنت السلطات التركية “تحييد” المسؤول في حزب “العمال” و”الوحدات”، قيس برهو سوليف، الملقب بـ”أزاد”، في منطقة عين عيسى شمالي سوريا، في 6 من تشرين الثاني الماضي، وبحسب صحف ووكالات تركية، يحمل سوليف الجنسية العراقية.

وفي 1 من تشرين الثاني الماضي، “حيّدت” القوات التركية إرسين شاهين، الملقب بـ”سيرديم بير سرحات هارون”، المسؤول عما يسمى “كتيبة ديريك” في حزب “العمال”، عبر عملية وصفتها بـ”الخاصة” على الخط الحدودي مع سوريا.

وذكرت الوكالات التركية نقلًا عن “مصادر أمنية”، أن شاهين بدأ أنشطته في حزب “العمال” عام 2014، ثم انتقل إلى أرياف العراق، والتحق منذ 2017 بـ”وحدات حماية الشعب” في سوريا، حتى تاريخ “تحييده”.

المحلل العسكري السوري الرائد طارق حاج بكري، أوضح أن استهداف القيادات يعني إضعاف المجموعات التي تقودها، وإضعاف الروح المعنوية للعناصر، ويشكّل تهديدًا مباشرًا للقوى والمجموعات التي تترأسها هذه القيادات، ما يضعف هيكليتها العسكرية.

وقال حاج بكري لعنب بلدي، إنه في الحالة العسكرية، عندما يتم استهداف القائد، فهذا يعني أن المجموعة التي تتبعه أصبحت مشتتة وفي “مهب الريح”، الأمر الذي يفقدها الانضباط وآلية التواصل ما بين القائد والعناصر، وحتى في حال تعيين أو وجود قائد بديل أو جديد، فإنه يحتاج إلى فترة زمنية لكي يألف عناصره ويستطيع قيادة مجموعته بشكل صحيح، وبالعكس.

ويرى المحلل العسكري أن استهداف هذه القيادات بشكل متكرر، يشير إلى أنها أصبحت في متناول القوى التركية، وأن الأخيرة قادرة على استهدافهم متى شاءت، وأنها تتابع تحركاتهم وتعلم أماكن وجودهم.

وأضاف حاج بكري أن هذا الاستهداف المتكرر يترك انطباعًا بأن كل القيادات مستهدفة وليست بأمان وتحت المجهر، سواء أكانت سياسية أو عسكرية، وهي مضطرة للتخفي والتصرف بشكل بعيد عن العناصر، كي لا يتم كشف مواقعها، وبالتالي تضعف قيادتها وأداؤها على الأرض.

نفي و”تصفية محتملة”

العمليات والاستهدافات التي تعلن عنها تركيا، تقابَل بنشرات نعي مرفقة بسيرة القيادي المُستهدف، على مواقع ووكالات تابعة لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) صاحبة النفوذ العسكري شمال شرقي سوريا، ثم مراسم تشييعه، كما تنفي “قسد” استهداف بعضهم، وتمر بعض العمليات دون تعليق أو تأكيد.

وقوبل إعلان السلطات التركية عن “تحييد” القيادي في حزب “العمال” أيوب ياقوت، الملقب بـ”آميد دورشين”، في عملية بمنطقة الشدادي بمحافظة الحسكة شمالي سوريا، في 24 من تشرين الأول الماضي، بنفي من قبل “قسد”.

المتحدث باسم “قسد”، فرهاد شامي، نفى عبر “تويتر” أن يكون ياقوت المولود في ديار بكر قد قُتل في منطقة الشدادي مؤخرًا، وإنما في 11 من تشرين الثاني 2021، وأعلنت حينها “الوحدات” مقتله، كما أُقيمت مراسم العزاء في منزل عائلته بالسليمانية شمال غربي العراق، عقب مقتله خلال مشاركته ضمن صفوف “الوحدات” في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” المظلة السياسية لـ”قسد”.

وفي 2 من آب الماضي، نفت “قوى الأمن الداخلي” (أسايش)، الذراع الأمنية لـ”قسد”، اغتيال القيادي نصرت تيبيش من قبل تركيا، التي أعلنت، في 30 من تموز الماضي، أنها “حيّدت” تيبيش التابع لحزب “العمال”، وذكرت أنه المسؤول عن تفجير في اسطنبول أدى إلى مقتل 18 شخصًا عام 2008.

وقُتل أربعة أشخاص وأُصيب آخرون، في 6 من آب الماضي، بعد وقوع انفجار مجهول المصدر استهدف سيارة عسكرية في أثناء مرورها بحي الصناعة في مدينة القامشلي شمالي الحسكة، تلاه إعلان “قسد” أن التفجير ناتج عن استهداف طائرة مسيّرة تركية، وأدى إلى مقتل قيادي في حزب “العمال” يُدعى مظلوم سعد الدين، الملقب بـ”زوخار عامودا”، والذي تم انتدابه للإشراف على جهاز الشرطة العسكرية التابع لـ”قسد”.

مركز “جسور للدراسات“، ذكر أن نتائج تقرير المستشارين الروس في مطار “القامشلي الدولي” الذي تتخذه القوات الروسية قاعدة عسكرية لها، فيما يخص حادثة التفجير في مدينة القامشلي، شكّكت بمصداقية “قسد” حول حوادث التفجير المشابهة والتي تزايدت مؤخرًا.

وخلصت نتائج التقرير إلى أن الانفجار وقع من داخل السيارة، باستخدام عبوة ناسفة تم تفجيرها عن بُعد، وأن بيانات المراقبة الجوية في المطار لم ترصد حركة للطيران المسيّر التركي في توقيت الحادثة.

وأوضح المركز أن نتائج التقرير حملت عدة دلالات، أهمها احتمال وجود عمليات تصفية داخلية بين “قسد” وحزب “العمال”، أو نزاع داخلي بين الكوادر الأجنبية والأخرى المحلية التي تعمل على تقليص دور وسيطرة حزب “العمال” ومؤسساته.

وترتفع وتيرة هذه الاستهدافات في وقت تشهد فيه مناطق سيطرة “قسد” تصعيدًا منذ 20 من تشرين الثاني الماضي، بعد أن شنّ سلاح الجو التركي عملية “المخلب- السيف” ضد مناطق نفوذ “قسد” في سوريا، وحزب “العمال” في العراق، ردًا على التفجير في شارع الاستقلال المزدحم باسطنبول في 13 من الشهر نفسه.

واعتُبرت هذه العملية الأوسع والأكثر كثافة منذ اعتماد تركيا على العمليات الجوية في سوريا، مقارنة مع عملية “نسر الشتاء” في شباط الماضي، والضربات الجوية التي سبقتها، وبدأت منذ آب 2021.

وتوقفت العملية في اليوم نفسه، لكن التهديدات التركية حاضرة، وتقتصر العمليات اليوم على قصف مدفعي وآخر جوي بين الحين والآخر، تنفذه وحدات من الجيش التركي، أو “الجيش الوطني السوري” المدعوم من أنقرة، ومن الجانب الآخر، تستهدف “قسد” مناطق نفوذ “الوطني” شمالي حلب.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة