حمص – عروة المنذر
تعيش مناطق سيطرة النظام منذ نحو أسبوعين أزمة محروقات خانقة تعتبر الأسوأ من حيث المدة والتوقيت، إذ لم يعد موضوع ارتفاع أسعارها هو المشكلة، فأغلب المحروقات باتت غير متوفرة، وبأسعار مضاعفة إن وُجدت.
وتبرر حكومة النظام أزمة المحروقات الحالية بتأخر وصول توريدات النفط، إذ نقلت صحيفة “الوطن” (مقرها دمشق) عن وزير النفط في حكومة النظام، بسام طعمة، في 1 من كانون الأول الحالي، أن تأخر التوريدات “لم يكن متوقعًا، ما أجبر الحكومة على اتخاذ إجراءات أشد قسوة لتغطية الحاجات الأساسية”.
عقب تصريح وزير النفط ولقائه المتلفز الذي عُرض على شاشات إعلام النظام، ارتفعت أسعار المحروقات إلى أرقام قياسية، وبلغ سعر ليتر البنزين الواحد نحو 20 ألف ليرة في حمص، فيما وصل ليتر المازوت إلى ثمانية آلاف ليرة.
بينما سجلت جرة الغاز لأول مرة سعر 350 ألف ليرة سورية، لتختفي بعدها من الأسواق بشكل شبه كامل، وتتطور الأزمة من ارتفاع أسعار إلى فقدان المحروقات من السوق بشكل كامل.
أزمة المحروقات لم تنعكس فقط على قطاع النقل في حمص، إنما تأثر بها تجار المحافظة وفي قطاعات مختلفة.
شلل في المواصلات
مع ارتفاع أسعار المحروقات وفقدانها من الأسواق، شهدت حركة المواصلات شللًا شبه كامل، لتقتصر على النقل العام، الذي بدوره يعاني أزمة سابقة، ما أثّر على الحركة التجارية، وأدى إلى ارتفاع أسعار مواد أخرى.
مخلص، تحفظ على اسمه الكامل لأسباب أمنية، وهو سائق سيارة “تاكسي” في محافظة حمص، قال لعنب بلدي، إن الأزمة أجبرته على إيقاف سيارته، وهي مصدر رزق أسرته، عن العمل بسبب وصول سعر ليتر البنزين إلى 14 ألف ليرة قبل عدة أيام.
وأضاف أن ارتفاع الأسعار تزامن مع عدم وجود ركاب يستطيعون دفع الأجور، فالطلب الذي يحتاج إلى ليتري بنزين سيكلّف الزبون حوالي 50 ألف ليرة سورية.
واعتبر أن اللجوء إلى بيع مخصصات البنزين الممنوحة له، أكثر جدوى من البحث عن ركاب لا يستطيعون دفع أجرة “التاكسي”.
وبخروج سيارات الأجرة عن العمل، زاد الضغط على قطاع النقل العام الذي يعاني أزمات متتالية، حيث غيّرت حكومة النظام آلية تعبئة المخصصات، من مخصصات يومية إلى مخصصات لكل رحلة، ما اضطر السائقين للوقوف على طابور محطة المازوت في “الكراجات” قبل كل رحلة.
أشرف، تحفظ على اسمه الكامل لأسباب أمنية، وهو يعمل سائق “سرفيس” بين مدينة حمص وريفها، قال لعنب بلدي، إن حكومة النظام خفضت عدد حافلات النقل العام إلى النصف، كما قررت صرف المخصصات على “النقلة” الواحدة بدلًا من المخصصات اليومية، لمنع “السرافيس” من بيع المخصصات في السوق السوداء.
مريم الشيخ، طالبة جامعة في جامعة “البعث”، قالت لعنب بلدي، إنها تضطر للتأخر كل يوم عن جامعتها وعن موعد العودة إلى المنزل، كون الحافلات تضطر للوقوف في كل رحلة على محطة الوقود للتزوّد بالمخصصات، “ما يضطرنا للانتظار على الطوابير في المحطات لمدة ساعة ونصف في كل رحلة”، حسب قولها.
أصحاب البرادات والتجار في ورطة
بعد فقدان المحروقات من الأسواق بشكل شبه كامل، توقفت المنشآت التي تمكنت من تعليق عملها، بينما وقعت بعض المنشآت في أزمة مضاعفة، كمستودعات التبريد التي تعتمد على المازوت لتشغيل مولدات الكهرباء.
محمود صاحب منشأة للتبريد وتخزين البضائع في حمص، رفض الكشف عن اسمه الكامل لاعتبارات أمنية، قال لعنب بلدي، إن فقدان المازوت من الأسواق وضع عمله بالكامل في “ورطة حقيقية”، إذ يملك بضائع يقدّر ثمنها بمئات الملايين من البصل والبطاطا داخل المستودعات، وهي مهددة بالتلف في حال استمر الانقطاع لأكثر من خمسة أيام أخرى.
وأُجبر محمود اليوم على إبلاغ أصحاب البضائع أن عليهم تزويد منشأة التبريد بالمازوت لتشغيل المولدات، أو إخراج بضائعهم قبل أن تتلف.
أزمة ليست جديدة
لا تعتبر أزمة المحروقات في حمص الأولى من نوعها، إذ تكررت منذ مطلع العام الحالي، وشهدت خلال فترات زمنية مختلفة ارتفاعًا كبيرًا بأسعار البنزين، وشبه انقطاع لمادة المازوت، بالتزامن مع انخفاض درجات الحرارة.
وتعتمد السوق على المازوت المُهرب من دير الزور ومناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” شمال شرقي سوريا، والذي تدير عملية تدفقه قوات “الفرقة الرابعة”، بفرضها إتاوات على أصحاب السيارات.
أما البنزين فيصل إلى السوق عن طريق أصحاب السيارات الذين بدؤوا بيع مخصصاتهم المدعومة من الحكومة في السوق السوداء لجني الأرباح، ويصل قسم آخر من البنزين عبر التهريب من لبنان بإشراف “حزب الله” اللبناني.
وسبق أن قال عضو المكتب التنفيذي لقطاع التموين والتجارة الداخلية في محافظة حمص سمير الدروبي لصحيفة “الوطن” المحلية، تعقيبًا على توفر المازوت في السوق السوداء وفقدانه في المحطات الحكومية، إن “مصدر هذا المازوت ليس محليًا وليس من مازوت شركة محروقات (سادكوب)”، مؤكدًا أنه “غير شرعي، وعلى الأغلب هو مهرب من خارج الأراضي السورية”.