بلاستيك وفحم حجري وقشور.. مواد سامّة لمواجهة “كابوس” الشتاء بإدلب
عنب بلدي – أنس الخولي
“عانت طفلتاي الحمى وضيقًا شديدًا في التنفس وألمًا في الصدر وسعالًا شديدًا، حتى ظننت أنني سأفقدهما”.
هذه اللحظات التي عاشها محمد المحمد (32 عامًا) العام الماضي، ووصفها لعنب بلدي بـ”الكابوس”، تعد جزءًا من مأساة الشتاء المتكررة لعشرات العائلات الذين يُجبرون على إشعال مختلف أنواع المواد بحثًا عن الدفء.
وقال محمد، إن الدخان الكثيف والغازات السامة المنبعثة من المدفأة بسبب إشعال مواد غير صالحة للاستخدام، كالفحم الحجري والبلاستيك، كان يمكن أن يخنق طفلتيه، لكن التدخل الطبي العاجل أنقذ حياتهما.
معاناة متكررة
خلال السنوات الماضية، اضطرت العائلات في إدلب إلى استخدام الفحم أو أنواع رديئة من الحطب والورق المقوى والنايلون، وغيرها من المواد التي تترتب على استخدامها مشكلات عديدة.
ويعدّ العثور على وسيلة آمنة للتدفئة أكبر تحدٍّ تواجهه العائلات في كل شتاء، بينهم عائلة عمر البرديمي (41 عامًا)، عامل المياومة الذي ما زال عاجزًا عن العثور على طريقة لتدفئة خيمته هذا الشتاء.
وقال عمر، تضاعفت أسعار المحروقات هذا العام عن العام السابق، ولن تستطيع معظم العائلات تأمين المحروقات، إذ إن العامل الذي يبلغ أجره نحو 60 ليرة تركية يوميًا لن يستطيع شراء المحروقات، كما أنه لن يستطيع توفير 25 ليرة تركية لشراء خمسة كيلوغرامات من الحطب اللازم للتدفئة.
ويرى عمر أن السكان يلجؤون لما يفعلونه كل عام، رغم أخطار ذلك، في إشارة إلى حرق الملابس القديمة والأحذية والمواد البلاستيكية.
وخلال البحث عن بدائل للمحروقات ومحاولات تدفئة خيامهم ومنازلهم، يمكن أن يواجه الأهالي مشكلات عدة، أبرزها حالات الاختناق جراء الغازات السامة، بالإضافة إلى احتراق الخيام.
عواقب صحية
الطبيب المقيم في إدلب معتز البكور قال لعنب بلدي، إن استنشاق الغازات السامة الناتجة عن إحراق مواد غير صالحة للتدفئة، يؤدي إلى تلف مزمن في الدماغ وربما الوفاة.
وينصح الطبيب بضبط أجهزة التدفئة، والتأكد من عدم تسرب الدخان إلى داخل المنزل في أثناء عملية الاحتراق، وصلاحية مداخن المنزل بشكل دائم.
كما أوصى الطبيب بالتأكد من انتهاء عملية احتراق المواد بشكل كامل قبل النوم، وإطفاء المدفأة، لتجنب حالات حريق في المنزل والمخيمات في أثناء النوم، وتجنب حالات الاختناق.
وفي ظل عجز العائلات عن تأمين معظم المواد المستخدمة للتدفئة، يتوجه البعض لاستخدام “الفحم الحجري”، بسبب انخفاض سعره مقارنة بمختلف المواد الأخرى.
ورغم أن الفحم ينتج حرارة كبيرة توفر التدفئة المطلوبة للعائلات، يترتب على استخدامه العديد من الأضرار الصحية.
الطبيب العام المقيم في إدلب جهاد الزعبي، قال لعنب بلدي، إن الاختناق من أبرز أضرار استنشاق دخان الفحم، إذ يحتوي على عدد من المواد الكيماوية الخطرة، مثل الزرنيخ وأول أكسيد الكربون والرصاص.
وتنتج عن حرق الفحم جزيئات صغيرة من التيتانيوم الضار يمكن أن تغلق مجرى التنفس، وتتسبب بالوفاة في كثير من الحالات.
كما يسبب استنشاق الفحم الحجري أمراض القلب والأوعية، بالإضافة إلى تهيج العينين والأنف والحنجرة، وفق ما قاله الطبيب، محذرًا من استخدام الفحم للتدفئة في المنازل.
وأوصى بمراجعة المراكز الطبية فور الشعور بمشكلات تنفسية، خصوصًا لدى الأطفال، لإجراء التدخلات الطبية اللازمة في الوقت المناسب.
الأسعار تواصل الارتفاع
تواصل أسعار مواد التدفئة في إدلب ارتفاعها منذ بداية فصل الشتاء، ما دفع بعض العائلات القادرة إلى خفض الكميات التي يشترونها استعدادًا للشتاء، بينما يواصل آخرون البحث عن حلول وبدائل لذلك، بحسب ما رصدته عنب بلدي.
عبد الله الحلبي (54 عامًا) تاجر حطب، قال لعنب بلدي، إن ارتفاع أسعار مواد التدفئة دفع الأهالي لاستخدام ما يتوفر من مواد للتدفئة، متجاهلين العواقب الصحية لذلك.
وتتراوح أسعار الحطب بين 200 و250 دولارًا أمريكيًا للطن الواحد، بحسب درجة الجفاف والنوعية، في حين كانت تتراوح الأسعار العام الماضي بين 120 و150 دولارًا.
ويلجأ العديد من الأشخاص لاستخدام “القشور”، مثل قشور البندق والفستق، للتدفئة، لكن أسعارها ارتفعت لتقارب مع أسعار الحطب، إذ بلغ سعر طن قشر الفستق الحلبي 315 دولارًا، مقارنة بـ200 دولار في العام الماضي، ويبلغ سعر المدفأة الخاصة بالقشور نحو 200 دولار أمريكي.
وتبلغ قيمة الليرة أمام الدولار الأمريكي الواحد 16.63 ليرة تركية، بحسب موقع “Döviz” المتخصص بأسعار الصرف والعملات النقدية.
ويعاني السكان فجوة بين دخلهم وأسعار مواد التدفئة، إذ يقدّر عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدة إنسانية في شمال غربي سوريا بنحو 2.7 مليون شخص من إجمالي عدد السكان البالغ حوالي أربعة ملايين نسمة، بحسب تقارير مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (UNHCR).
بدوره، قال فريق “منسقو استجابة سوريا”، في 13 من أيلول الماضي، إن أكثر من 92% من العائلات في شمال غربي سوريا غير قادرة على تأمين مواد التدفئة للشتاء المقبل، مضيفًا أن 78% من العائلات لم تحصل على إمدادات التدفئة، وتحديدًا ضمن المخيمات، خلال العام الماضي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :