الهجرة واللجوء….. أزمة اقتصادية؟ أم فائدة مستقبلية؟

  • 2016/01/24
  • 3:36 ص

لاجئون سوريون يمشون في الصحراء المحيطة بمخيم الزرقاء في الأردن 20 كانون الثاني 2016 )المفوصية العليا لشؤون اللاجئين

أزدشير جلال أحمد

تعتبر الهجرة خاصية إنسانية سكانية تتمثل في الانتقال من مكان إلى آخر إما بحثا عن حياة أفضل أو هروبًا من وضع سيئ. هذه الخاصية الديموغرافية المتمثلة في حق التنقل تم الاعتراف بها عالميًا منذ أكثر من ربع قرن ضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. من ناحية اقتصادية يمكن أن يكون للهجرة آثار سلبية أو إيجابية، سواء على المجتمعات المهاجَر منها أو المُهاجَر إليها.

تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن عدد المهاجرين في العالم وصل إلى حدود 200 مليون شخص، وأعلنت منظمة الهجرة والمفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، في بيان مشترك أنه حتى 21 كانون الاول من 2015، عبر زهاء 972 ألفًا البحر المتوسط، بحسب أرقام المفوضية العليا لللاجئين.

لكن بقدر ما يسهم المهاجرون في بناء المجتمعات المستضيفة، بقدر ما يمثل ذلك خسارة موارد بشرية للدول المُهاجَر منها، أي ما يعرف بهجرة العقول والكفاءات. كما أن الهجرة قد تتسبب في خلق توترات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية في البلدان المُهاجَر إليها، وهو ما جعل موضوع الهجرة الدولية ينتقل إلى صدارة الاهتمامات الوطنية والدولية. وأصبحت الهجرة الوافدة من المسائل المقلقة في عدد متزايد من البلدان، الأمر الذي حدا بهذه البلدان، لاسيما في السنوات الأخيرة، إلى تشديد الإجراءات تجاه المهاجرين إليها وطالبي حق اللجوء.

آثار الهجرة

آثار الهجرة قد تطال البلد الأم والبلد الذي تتم الهجرة إليه. فهي تؤدي أولًا إلى زيادة في قوة العمل للبلد المهاجر إليه، وزيادة في الطاقة الإنتاجية للاقتصاد، بما أن المهاجرين هم عادةً من الفئة العمرية الصغيرة. كما تؤدي إلى زيادة الاستهلاك في البلد المهاجر إليه وارتفاع في نسبة العمالة، وهذا بدوره يزيد الطلب الكلي والناتج المحلي الإجمالي للبلد.

من آثار الهجرة أيضًا مرونة سوق العمل حيث يميل المهاجرون عادةً إلى العمل في القطاعات التي لا يفضل السكان المحليون للبلد العمل بها، وهذا له آثار إيجابية على الاقتصاد، وعادةً ما يتقاضى المهاجرون دخلًا أقل من السكان المحليين وذلك بسبب حاجتهم الشديدة إلى المال، ما يخلق تفاوتًا في الفرص لبعض البلدان. فإذا أخدنا لبنان وسوريا على سبيل المثال، نلاحظ أن صاحب العمل اللبناني يفضل توظيف العامل السوري في بعض القطاعات على العامل اللبناني لأنه سوف يدفع له أجرًا منخفضًا، وذلك يؤدي إلى مشاكل جديدة، منها عدم إيجاد اللبناني لفرص عمل داخل بلده وبالنهاية يلجأ إلى الهجرة كحل لهذه المشكلة.

نتائج أخرى

من النتائج الأخرى للهجرة هي عدم دفع المهاجرين للضرائب، إذ إن معظم هؤلاء يتلقون أجورهم نقدًا ما يجعلهم يتهربون من دفع الضرائب المفروضة على الدخل، ويؤدي إلى تراجع في عائدات الدولة رغم تكبدها نفقات عالية على المهاجرين. حيث يحصلون على استحقاقات وخدمات حكومية عديدة مثل التعليم والرعاية الصحية، وبرامج المساعدات الغذائية، والرعاية الاجتماعية، فمثلًا في دراسة الآثار الاقتصادية والاجتماعية لأزمة نزوح السوريين على الاقتصاد الوطني الأردني، فيها تقدير الأثر المالي الإجمالي لنزوح اللاجئين السوريين على الاقتصاد الوطني خلال العامين 2011- 2012 بنحو 590 مليون دينار أردني وتشكل نحو (3%) من الناتج الإجمالي للمملكة.

أما على البلد الأم فنتائج الهجرة متعددة أيضًا، أولًا النتائج السلبية منها هجرة الأدمغة البشرية وعنصر الشباب، وثانيًا عبر التحويلات المالية التي يقوم المهاجرون بإرسالها إلى أهلهم وهذا جيد لاقتصاد الدولتين. وعلى الناحية الأخرى عبر قيام المهاجرين بقبول الأعمال البسيطة، وهو ما يحد من إنفاق الشركات على التكنولوجيا ووسائل الإنتاج الحديثة.

“عبء” اللاجئين

قبل ثلاثين عامًا، ركَّز مؤتمر إيكارا 1 (المؤتمر الدولي حول مساعدة اللاجئين في إفريقيا، 1981) وإيكارا 2 لعام 1984، على “العبء” الذي يفرضه اللاجئون على مضيفيهم، والمتمثل في ترتيب تكاليف إضافية على الموازنة العامة ومخصصات الرفاه الاجتماعي، وإعاقة النمو الاقتصادي وإرباك الأسواق والتسبب بتدهور الأوضاع البيئية ورفع مستوى التوتر في الدول المستضيفة التي تكون أصلًا دولًا هشة متأثرة بالنزاع. بالمقابل كان هناك الجانب الإيجابي للجوء.

وقد نوقشت بكل أبعادها، لكن الغريب في الأمر أن هناك فجوة رئيسية في أدوات العمل الإنساني تتمثل في غياب التقييم المستفيض لآثار اللاجئين (أو النازحين) والتكاليف المترتبة عليهم، إذ نادرًا ما تحلل الجهات المانحة النتائج الاقتصادية “لاستثماراتها” في البرامج والمشروعات على مستوى العالم، علمًا أنَّ تكاليف تلك البرامج والمشروعات في بلدان لجنة المساعدات الإنمائية لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي على سبيل المثال تبلغ 8.4 مليار دولار أمريكي في العام الواحد. وحتى لو كان هناك أي شيء من تلك الدراسات (مع أن ذلك نادر الحدوث) فعادة ما تكون دراسات وصفية ودائمًا ما تكون غير مكتملة، ففي حين أنَّ الحكومات تميل إلى تقييم آثار اللاجئين وتكلفتهم على المجتمع المضيف، تتبع الجهات المانحة والمنظمات غير الحكومية منحىً آخر، حيث تركز على نتائج مشروعاتهم المتعلقة بتطوير مهارات اللاجئين و توليد الدخل أو تقديم المساعدات المادية أو القسائم الإعاشية (الكوبونات) للاجئين. لكن أيًا من المنهجين المتبعين يعجز عن تقديم توضيح إجمالي للآثار الاقتصادية الكلية والجزئية والمالية ناهيك عن أن المنهجين يشوبهما غياب واضح للمناهج الكمية والبيانات التطبيقية الراسخة.

وعلى العموم، عادة ما يُحتج بأنَّ “تكاليف” اللاجئين على مضيفيهم (المتمثلة في ارتفاع أسعار الغذاء والسلع وانخفاض معدلات الأجور المحلية وتزايد الضغوط المالية وارتفاع مستوى التدهور البيئي) تفوق المزايا الاقتصادية الجزئية والكلية الأخرى.

590 مليون دينار أردني

الأثر المالي لنزوح اللاجئين السوريين على الاقتصاد الأردني خلال العامين 2011 و 2012

بناء منهجية جديدة

أنهى مركز دراسات اللاجئين في أكسفورد دراسة مؤخرًا لتقديمها للبنك الدولي بعنوان “إرشادات لتقييم آثار التهجير القسري وتكاليفه”، وتستجيب الدراسة إلى تلك الحاجات، وتهدف الإرشادات لتقديم الدعم إلى كل من صانعي السياسات في البنك الدولي، والفاعلين الإنسانيين، وذلك من خلال توفير أدوات تقييم مناسبة وسهلة الاستخدام لتحليل التبعات الاقتصادية والمالية للمساعدات التنموية والإنسانية.

وباختصار تكون خطواتها في المرحلة الأولى تقديم التوضيحات الشاملة لضمان (ما أمكن) إدماج جميع “جماعات أصحاب المصلحة” المعنيين في التحليل، وفي المرحلة الثانية تحديد نطاق من المحاور التي تكون كمِّية في العادة لقياس الآثار (مثل الدخل والأصول والتوظيف والوصول إلى الموارد الطبيعية)، أما المرحلة الثالثة التي تشكل المهمة الرئيسية بتطبيق المنهجية بهدف بناء صورة عامة للخصائص الاقتصادية والاجتماعية وتحليل كيفية تأثر تلك الصورة بالتهجير القسري على كل جهة من أصحاب المصلحة.

من خلال رسم صورة الملامح الرئيسية للمبادئ والأدوات التحليلية والمؤشرات، تعالج الإرشادات المطالب المهمة للمانحين والوكالات والحكومات، وتلك المتعلقة بالسياسات والأمور التشغيلية.

يرى روجير زايتر، هو رئيس فريق دراسي من معهد العلوم الاجتماعية التطبيقية (FAFO) في أوسلو، أن قررات ستُتخذ وستنفذ التدخلات كما في السابق من خلال دمج المبادئ الإنسانية وظروف مختلف البيئات العاملة والمواقع والأنماط الخاصة بالتهجير والمصالح السياسية لمختلف أصحاب المصلحة.

مقالات متعلقة

اقتصاد

المزيد من اقتصاد